رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: محمود طراد 19 ديسمبر، 2018 0 تعليق

كيف نحمي مناهج التعليم من حملات التغريب ؟

 

التعليم فريضة افترضها الله على عباده، وقاية لهم من أسباب الخسران في الدنيا والآخرة، قال -تعالى-: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُو الْأَلْبَابِ}، وقال صلى الله عليه وسلم : «من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين». سفيان الثوري عن منصور عن رجل عن علي رضي الله عنه  في قوله -تعالى- {قوا أنفسكم وأهليكم نارا}، يقول: «أدبوهم وعلموهم»، ولقـد اتفقـت كلمة عـلماء الإسـلام على أن التعـليم ضـروري لجـميع الناس.

وبالعلم تقوم الدول، وتتسع رقعتها، وتنتشر حضارتها. كانت حملات التغريب للمناهج العربية والإسلامية كما رأينا في المقال السابق، ونحن اليوم نتدارس في هذه السطور كيفية مواجهة هذه الحملات.

أولاً: تحديد أهداف حملات التغريب

عندما نقوم بتحديد أهداف الحملات التغريبية يسهل علينا التعامل مع هذه الحملات، وهنا يجمع الباحثون أن أهم هذه الأهداف:

1-  الهدف الديني؛ حيث إن الاستشراق بدأ بالرهبان، ثم استمر، ومعظم المستشرقين من رجال الكهنوت، وهؤلاء يهمهم أن يطعنوا في الدين الإسلامي ويشوهوا محاسنه، ويحرفوا حقائقه؛ ليثبتوا لجماهيرهم التي تخضع لزعامتهم الدينية أن الإسلام دين لا يستحق الانتشار، وأن المسلمين قوم همج، لصوص وسفاكو دماء.

2- الهدف الثاني: إحياء اللهجات العرقية لتمزيق الوطن (محاربة اللغة العربية)، وإحياء اللهجات واللغات المحلية رغبة في تمزيق الوطن الواحد، وإحياء الحضارات القديمة، كالفرعونية عند المصريين، والفينيقية عند أهل الشام، والآشورية عند سكان العراق؛ لتمزيق الوطن الإسلامي، والله -تعالى- يوضح لنا هذين الهدفين في القرآن الكريم في مثل قوله -تعالى-: {ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا}، وقوله -تعالى-: {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (8) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} (الصف: 8، 9)

ثانياً: دعم التعليم الديني في المدارس والمعاهد والجامعات ومؤسسات المجتمع المدني

     يقول المبشر (ويليم بلقراف): متى تولى القرآنُ ومدينة مكة عن بلاد العرب، يمكننا حينئذٍ أن نرى العربي يتدرج في طريق الحضارة الغربية بعيداً عن محمد[ وعن كتابه. ولا شك أن تنحية القرآن -التعليم الديني- يؤدي إلى تفريغ الشخصية المسلمة من مكوناتها الرئيسة؛ ليسهل بعد ذلك وضع مناهج تغريبية، يتم قبولها لدى جيل ليست لديه المعرفة الإيمانية الكافية، قيل لوزير المستعمرات الفرنسي (لاكوست): لماذا ما تأثرت الجزائر وقد مكث الاحتلال فيها (129 عاما)؟ قال: وماذا أصنع إذا كان القرآن أقوى من فرنسا؟!

 ويقول أحدهم: يجب أن نشجع إنشاء المدارس على النمط الغربي العلماني؛ لأن كثيراً من المسلمين قد زُعزِع اعتقادهم بالإسلام وبالقرآن, حينما درسوا الكتب المدرسية الغربية، وتعلموا اللغات الأجنبية). 

ثالثاً: ترسيخ قيم الاعتزاز بالثقافة العربية والإسلامية

     فالقرآن الكريم يربي المجتمع المسلم على الاعتزاز بالدين وتعاليمه، وفي هذا يقول الله -تعالى-: {فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ}(الزخرف: 43- 44)، وقال -تعالى-: {لقد أنزلنا إليكم كتابً فيه ذكركم}(الأنبياء: 10)، أي فيه شرفكم وفخركم وعلو قدركم، وعظم أمركم. والتاريخ أيضاً يوكد على أن الحضارة الإسلامية التي امتدت قروناً طويلة، كانت قائمة على الثقافة الإسلامية سياسياً، واقتصادياً، واجتماعياً، وأنها الحضارة التي أعطت كل ذي حق حقه ولو كان كافراً، وقد مَرَّ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ رضي الله عنه بِشَيْخٍ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ يَسْأَلُ عَلَى أَبْوَابِ النَّاسِ، فَقَالَ: مَا أَنْصَفْنَاكَ أَنْ كُنَّا أَخَذْنَا مِنْكَ الْجِزْيَةَ فِي شَبِيبَتِكَ ثُمَّ ضَيَّعْنَاكَ فِي كِبَرِكَ، ثُمَّ أَجْرَى عَلَيْهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ مَا يُصْلِحُهُ.

رابعاً: مراقبة ضوابط الانفتاح الحضاري على الآخر

وذلك من خلال:

1- التأكيد على أن الإسلام لم يأمر بالانغلاق، لكنه يضبط العلاقات، قال -تعالى-: {يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا}(الحجرات: 13).

2- الحفاظ على هوية الأمة وثقافتها عند الانفتاح على الآخرين.

3- تمكين الثقافة الإسلامية قبل عملية الانفتاح؛ حيث إن ثقافة أي أمة تعتمد على عقيدتها وقيمها وأخلاقها، وثقافتنا الإسلامية هي التي نلتجىء إليها عند الصراع الفكري مع الثقافات.

4- اختيار الطوائف التي ستنفتح على الآخر للأخذ والاقتباس، وهؤلاء يتعين في حقهم التمكن من الثقافة حتى لا ينقلوا للأمة ما يتعارض مع ثوابتها. وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من الرؤوس الجهال الذين يضلون الناس؛ حيث قال: «حتى إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤوساً جهالاً فسئلوا، فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا»، وهذه ولا شك بعض الضوابط.

خامساً: إعداد لجان متمكنة للتمحيص والنقد قبل النقل

     وحيث إنه لا سبيل إلى الهروب من هذا الانفتاح الثقافي؛ فإن أهم الأدوار التي تقع على عاتق الأمة، إعداد اللجان المتخصصة المتمكنة من ثقافتنا العربية والإسلامية، للقيام بعمل الانتقاء، وقد يبدو هذا العمل سهلاً في العلوم التطبيقية، لكنه أصعب وأدق في العلوم الأدبية والفكرية والفلسفية، لاسيما إذا كانت الأمة تعتقد عقيدة معينة، وتتبنى فلسفة ما، أضف إلى ذلك أن من أهم أعمال هذه اللجان: قياس المنقول على المعايير الإسلامية؛ فلكي تتأكد الأمة من صحة ما نقل إليها في مناهج التعليم أو غيرها؛ فلابد من قياسه بأربعة أمور:

1- أصول الشريعة وثوابتها.

2- هوية الأمة.

3- البرهان.

4- المصلحة.

فيشترط ألا يتعارض المنقول مع الثوابت، وأن يرسخ هوية الأمة، وأن يثبت أحقية نقله، وأن يحقق مصلحة للأمة لا يجر إليها مفسدة، وهذه الشروط دائماً مجتمعة.

سادساً: إعداد مشاريع للحفاظ على اللغة العربية

     فطالما نبحث في كيفية الحفاظ على مناهجنا التعليمية من التغريب؛ فعلينا أن نحافظ على الباب الذي تنتقل منه الثقافات، وهو باب اللغة؛ فهي التي تشكل جزءاً مهماً من هوية الأمة، وهي التي ترتبط بها صعوداً وهبوطاً، يقول الرافعي: فلن يتحول الشعب أول ما يتحول إلا من لغته؛ إذ يكون منشأ التحول من أفكاره وعواطفه وآماله، وهو إذا انقطع من نسب لغته، انقطع من نسب ماضيه، وفي الوقت ذاته ينبغي الحذر من الدعوات التي تربط بين التخلق وبين الحفاظ على اللغة العربية، ويكفى أن الذين تولوا كبر هذه الفرية من غير المسلمين والعرب، ومنهم اللورد (دوفرين) الذي قدم مصر مع الاحتلال البريطاني؛ إذ يقول: «إن أمل التقدم ضعيف في مصر طالما أن العامة تتعلم اللغة الفصيحة العربية، لغة القرآن كما هي في الوقت الحاضر».

وصية السلف باللغة العربية

     أما المسلمون المتمسكون بهويتهم، فلا ينفكون عن لغتهم التي نزل بها القرآن، قال -تعالى-: {بلسان عربي مبين}(الشعراء: 195)، ويقول عمرُ بن الخطاب رضي الله عنه : «تعلَّموا العربيةَ؛ فإنها من دينِكم، وتعلَّموا الفرائضَ؛ فإنها من دينكم». وكتب عمر إلى أبي موسى الأشعري -رضي الله عنهما-: أمَّا بعد، فتفقهوا في السنةِ، وتفقهوا في العربية، وأَعْرِبُوا القرآنَ؛ فإنه عربي، وقال الشعبي: النحو كالملحِ في الطعام لا يُستغنى عنه، ويقول الإمام الشافعي: لا أُسأل عن مسألةٍ من مسائل الفقه، إلا أجبت عنها من قواعدِ النحو.

     والعمل بهذه الوصايا يوجب علينا تحفيز الطلاب إلى التخصص في اللغة العربية وفروعها، ووجب علينا تحسين صورة معلمي اللغة العربية وآدابها؛ فإن تم الحفاظ على اللغة سهل -بإذن الله- الحفاظ على المناهج من التغريب والتحريف، حفظ الله مجتمعاتنا من كل شر.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك