كيف تساعد ابنك ليكون حريصاً على الصلاة؟
اربط أبناءك بصحبة طيبة ممن يحفظون القرآن، ويحافظون على الصلاة مع الجماعة، وشجع أولئك الصغار بالهدايا والحوافز
الأولاد زهرةُ الحياة الدنيا، وفي صلاحهم قرّة عين للوالدين، وإن من المؤسف خلو مساجدنا من أبناء المسلمين، فقَلَّ أن تجد بين المصلين مَن هم في ريعان الشباب! وهذا والله ينذر بِشَرٍّ مُسْتَطِيرٍ، وفسادٍ في التربية، وضعف لأمة الإسلام إذا شبّ هؤلاء المتخلِّفون عن الطَوْق، وإذا لم يُصلُّوا اليوم، فمتى إذاً سيُقيمون الصلاة مع جماعة المسلمين؟!
ولما كان الإثم الأكبر والمسؤولية العظمى على الوالدين، فإني أذكِّر نفسي وأرباب الأسر ممن حملوا الأمانة بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم: «كلكم راع ومسؤول عن رعيته، فالإمام راع ومسؤول عن رعيته، والرجل في أهله راع وهو مسؤول عن رعيته» رواه البخاري.
والله عزَّ وجلَّ يقول في محكم التنزيل: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} (التحريم: 6)، وقوله تعالى: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} (طه: 132)، وفي حديثٍ صريحٍ واضحٍ مِن نبيِّ هذه الأمة للآباء والأمهات: «مروا أبناءكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها لعشرٍ، وفرِّقُوا بينهم في المضاجع» صححه الألباني.
الضرب
فمَن واظَب عليها خلال ثلاث سنوات متواصلة هل يحتاج بعد خمسة آلاف صلاة أن يُضْرَب؟! قلَّ أن تجد من الآباء من طبق هذا الحديث واحتاج إلى الضرب بعد العاشرة؛ فإن مجموع الصلوات كبير، واعتياد الصغير للصلاة وللمسجد جرى في دمه، وأصبح جزءاً من جدوله، ومن أعظم أعماله!
الفجر
والكثير اليوم يضرب الابن، لكن على أمور تافهة لا ترقى إلى أهمية الصلاة، ومن تأمل حال صلاة الفجر ومَن يحضرها من الأولاد يحزن على أمة الإسلام! وندر أن تجد في المساجد هؤلاء الفتية الذين كان لأمثالهم شأن في صدر الأمة! فأين الآباء وأين الأمهات من إيقاظ أبنائهم للصلاة وحرصهم على ذلك؟! ورد عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه قال: بتُّ عند خالتي ميمونة، فجاء رسول الله بعدما أمسى فقال: «أصلَّى الغلام؟»، قالوا: «نعم» رواه أبوداود وصححه الألباني.
الصبي
وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: يُعلّم الصبي الصلاة إذا عرف يمينه من شماله. وكان السلف الصالح يلاحظون أبناءهم في الصلاة ويسألونهم عنها، عن مجاهد قال: سمعت رجلاً من أصحاب النبي قال: لا أعلمه إلا ممن شهد بدراً، قال لابنه: «أأدركت الصلاة معنا؟ أأدركت التكبيرة الأولى؟ قال: لا، قال: لَمَا فاتك منها خير من مائة ناقة، كلها سود العين».
الإساءة
ومن أعظم ما يسديه الأب الموفق لابنه اصطحابه للصلاة معه، وجعله بجواره ليتعلم منه، وليحافظ عليه من كثرة اللغط والعبث.
يقول ابن القيم -رحمه الله-: «فمَن أهمل تعليم ولده ما ينفعه، وتركه سدى، فقد أساء غاية الإساءة، وأكثر الأولاد إنما جاء فسادهم من قبل الآباء وإهمالهم لهم، وترك تعليمهم فرائض الدين وسنُنه، فأضاعوهم صغاراً، فلم ينتفعوا بأنفسهم، ولم ينفعوا آباءهم كباراً». اهـ.
فوائد
أيها الآباء: إن في الحرص على إقامة صلاة الأبناء في المسجد فوائد عظيمة، منها:
براءة ذممكم أمام الله عزَّ وجلَّ، والخروج من الإثم بعد تحبيبه في الصلاة وأمره بها، قال ابن تيمية رحمه الله: ومَن كان عنده صغير مملوك، أو يتيم أو ولد فلم يأمره بالصلاة، فإنه يُعاقَب الكبير إذا لم يأمر الصغير، ويُعَزَّر الكبير على ذلك تعزيراً بليغاً؛ لأنه عصى الله ورسوله.
الأجر
احتساب أجر تعويده على العبادة، قال: «مَن دعا إلى هدى، كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا، ومَن دعا إلى ضلالة، كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه، لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا» رواه مسلم.
الحفظ
استشعار أن الابن في حفظ الله عزَّ وجلَّ ورعايته طوال ذلك اليوم، قال: «مَنْ صَلَّى الصبح فهو في ذمة الله» رواه مسلم.
العهد
خروج الابن إذا شب وكبر عن دائرة الكفار والمنافقين، كما قال: «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة؛ فمن تركها فقد كفر» سنن الترمذي. وكما قال عليه الصلاة والسلام: «ليس صلاة أثقل على المنافقين من الفجر والعشاء، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوا» رواه البخاري.
الصلاح
تنشئة الابن على الخير والصلاح ليكون لكما ذخراً بعد موتكما؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم اشترط الصلاح في الابن، كما في الحديث: «إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له» صححه الألباني.
قدوة
- أولاً: أن تكون له أيها الأب قدوة صالحة في المحافظة على الصلاة والحرص عليها، فإذا بلغ سبعاً وعقل شُرع أمرُه بالصلاة والذهاب به إلى المسجد؛ فإن الصغير ينشأ على ما كان عوَّده أبوه.
الآخرة
تقديم أمر الآخرة على أمر الدنيا في كُلِّ شيءٍ، وتنشئة الصغار على ذلك، وغرسه في نفوسهم، فلا تكون الامتحانات الدراسية أهم من الصلاة، ولا تكون المذاكرة أهم من الذهاب للمسجد، وليس من الفخر أن يكون ابنك مسؤولاً كبيراً وهو من المنافقين الذين لا يشهدون الصلاة، أو من الكفار الذين لا يصلون، ويكفيك عزاً وفخراً أن يأكل من كسب يده ويشهد جماعة المسلمين، وإن جمع الأمرين فَبِها ونعمت.
المثابرة
الصبر والمثابرة، {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا} (طه: 132)، فالأمر فيه مشقة ونصب، وأبشِرْ! فإن الله عزَّ وجلَّ قال: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} (العنكبوت: 69).
القيام
توفير الأسباب المعينة على القيام، ومن ذلك عدم السهر، وجعل ساعة منبهة عند الأذان أو قبله. وليكونوا في مقدمة الصفوف.
سُئِل سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله – السؤال التالي في الجزء 12 من فتاواه: السؤال: بعض الأولاد يبكرون يوم الجمعة ويأتي أناس أكبر منهم ويقيمونَهم ويجلسون مكانَهم، ويحتجون بقوله: «ليلني منكم أولو الأحلام والنهى» رواه مسلم، فهل هذا جائز؟.
المسابقة
الجواب: هذا يقوله بعض أهل العلم، ويرى أن الأولى بالصبيان أن يصفوا وراء الرجال، ولكن هذا القول فيه نظر، والأصح أنهم إذا تقدموا لا يجوز تأخيرهم، فإذا سبقوا إلى الصف الأول أو إِلى الصف الثاني فلا يقيمهم مَن جاء بعدهم؛ لأنهم سبقوا إلى حق لم يسبق إليه غيرهم، فلم يجز تأخيرهم لعموم الأحاديث في ذلك؛ لأن في تأخيرهم تنفيراً لهم من الصلاة، ومن المسابقة إليها، فلا يليق ذلك. لكن، لو اجتمع الناس بأن جاؤوا مجتمعين في سفر، أو لسبب، فإنه يصف الرجال أولاً، ثم الصبيان ثانياً، ثم النساء بعدهم إذا صادف ذلك وهم مجتمعون، أما أن يؤخذوا من الصفوف ويزالوا ويصف مكانهم الكبار الذين جاءوا بعدهم فلا يجوز ذلك لِمَا ذكرنا.
الأحلام
وأما قوله: «ليلني منكم أولو الأحلام والنهى»، فالمراد به التحريض على المسارعة إلى الصلاة من ذوي الأحلام والنهى، وأن يكونوا في مقدم الناس، وليس معناه تأخير مَن سبَقَهم من أجلهم؛ لأن ذلك مخالف للأدلة الشرعية التي ذكرنا.
الأجر
بث في أبنائك أحاديث الصلاة وحكم تاركها وعقوبته في الدنيا والآخرة، ورغبهم في الأجر العظيم لمن حافظ عليها، ولا تقل إنّهم صغار لا يعون، فهم يدركون ويحفظون ويحتاجون إلى ذلك لتقوية عزائمهم.
الحوافز
اجعلْ لهم الحوافز والجوائز حتى يحافظوا على الصلاة، وأَذْكُرُ أنَّ أحد الآباء كان يجعل لأبنائه الصغار ريالاً كل يوم عن صلاة الفجر، وكانت الثمرة المبكرة أن كان أحد هؤلاء الصغار من كبار الأئمة المعروفين.
الدعاء
الدعاء لهم في كل وقت، واجعلهم أحياناً يسمعون دعاءك لهم بالصلاح والهداية والتوفيق والسداد، ومن دعاء الأنبياء والصالحين: {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاء} (إبراهيم: 40).
الصحبة
اربطهم بصحبة طيبة ممن يحفظون القرآن، ويحافظون على الصلاة مع الجماعة، وشجع أولئك الصغار بالهدايا والحوافز، فهم أبناء المسلمين.
التودد
ادْعُ لهم عند إيقاظهم، واتلُ عليهم بعض الآيات والأحاديث: {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ} (لقمان: 17)، ودعهم يسمعون الأجر العظيم على لسان نبيهم صلى الله عليه وسلم: «بشِّر المشَّائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة» رواه أبوداود.
الحرص
لِتَرَ منك والدتُهم أنك حريص على أمر صلاتِهم وإيقاظهم فإن ذلك يعينها على الاستمرار والحرص والتأكيد عليهم، واشكر لها جهودها، وشجِّعها على ذلك وهم يسمعون.
الجار
كما أنك أيها الأب إذا أردت شراء منْزل تفكر في قرب الخدمات من سكنك، ففكر قبل ذلك بالمسجد ومدى قربه إلى منْزلك؛ لأن في ذلك إعانة على الطاعة، وتيسيراً لأمر الصلاة، ولاسيما على الصغار، مع مظنة حفظهم ومتابعتهم إذا كانت المسافة قصيرة.
الحطب
استشعر أن ابنك الذي تحب قد يكون حطباً لجهنم إذا لم يُصلِّ: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} (التحريم: 6).
التعاون
ليكن بينك وبين إمام المسجد تعاون في تشجيع أطفالك من قِبَلهِ وتقديم الجوائز لهم لمحافظتِهم على الصلاة بما فيها صلاة الفجر، ولا يمنع أن يتحدث الإمام حاثاً الآباء على إحضار أبنائهم للصلاة، ثم يشكر الآباء الذين يحضرون أبناءهم، ويسمي الصغار بأسمائهم.
لاتوجد تعليقات