رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د. سميحة محمود غريب 1 يوليو، 2020 0 تعليق

كيف تربي طفلًا سليم العقيدة؟(1)

 لاشك أن تأسيس العقيدة السليمة منذ الصغر أمر بالغ الأهمية في منهج التربية الإسلامية، وقد بين النبي - صلى الله عليه وسلم - مفهوم هذه العقيدة في الحديث الذي روي عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أن جبريل سأل النبيصلى الله عليه وسلم  عن الإيمان؛ فقال  صلى الله عليه وسلم : «أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره» رواه مسلم. ولأن مرحلة الطفولة عند الإنسان تمتد منذ الولادة إلى سن البلوغ، يقول الله -تعالى-: {وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنكُمُ الْحُلُمَ}. إذًا مرحلة الطفولة طويلة زمنياً عند الإنسان مقارنة بسائر الكائنات الحية، وذلك لأهمية التربية والتعليم في هذه الفترة.

     فبعض الآباء يعتقدون أن رسالتهم تجاه أطفالهم هي توفير الطعام والشراب والملبس، وأحيانا يرهقون أنفسهم في سبيل تزويدهم بالكماليات، وغاية ما يصلون إليه في تربيتهم هو أن يجتهدوا في تعليمهم حتى يحصلوا على درجات عالية معتقدين أنهم بذلك قد أدوا الأمانة، وهذا فهم خطأ؛ فالإسلام لا يعامل الإنسان كما يعامل الحيوان، وإنما يعامله جسدا وروحاً، فتربية الجسم تسير جنباً إلي جنب مع تربية الروح؛ ولأن روح الإنسان تتصل بالمحيط الخارجي عن طريق العين والأذن، فالسمع والبصر هما الطريقان الرئيسان اللذان بهما نزرع العقيدة السليمة في نفوس الأطفال.

 

صفحة بيضاء

     فالطفل لضعف إدراكه لا يملك قوة دفاعية تجاه ما يشاهده أو يسمعه؛ لذلك كان على الأب والأم والمربى مسؤولية عظيمة في تربية الأطفال؛ فقلب الطفل صفحة بيضاء، لا يوجد فيها أي شائبة، والآباء والأمهات هم الذين يجعلون قلوب أطفالهم تتزين بالملكات الفاضلة والأخلاق الحميدة. قال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: «كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه» رواه البخاري.

 

غرس عقيدة التوحيد

     ولهذا اهتم الإسلام بغرس عقيدة التوحيد في نفس الطفل منذ ولادته، فأوصى بأن يؤذن في أذنه اليمنى، ويقام في أذنه اليسرى، وذلك حتى يكون أول ما يقرع سمع المولود كلمات التوحيد، ثم كان علي الآباء غرس الإيمان بالله -تعالى- في نفس الطفل، وذلك بترديد لفظ الجلالة دوما أمام الطفل في مهده؛ لأن الطفل الذي يسمع عن الله -تعالى- في بيته على الدوام على لسان والديه، يبدأ بمجرد النطق في السؤال عن الله، وعن خلق الكون، وعن خلقه، وخلق أبويه، ومن يحيط به، وعن صفات الله؛ فهذه الأسئلة تدل على وجود مناخ صحي تعيش فيه الأسرة؛ ولهذا ننصح عند التحدث عن الله- سبحانه وتعالى - أن نؤكد صفات الرحمة والمغفرة حتى يحب الطفل ربه -جل وعلا-، ونبتعد تماما عن ذكر صفات الشدة مثل الجبار، أو أن الله عنده نار يعذب بها العصاة؛ لأن الطفل لا يميل إلي تلك الصفات.

 

حب الاستطلاع

     تبدأ ظاهرة حب الاستطلاع في السنوات الأولى للطفل، وتأخذ حدتها في سن الثالثة أو الرابعة، وهنا يبدأ الطفل في السؤال عن الله، ولعل من أكثر الأسئلة شيوعا سؤال أين الله؟ أريد أن أراه؟ هنا يكون الرد علي الطفل أن الله في السماء، ورؤية الله نعمة عظيمة وجائزة لا يستحقها إلا المؤمنون الصالحون، وهم من سيمكنهم الله -تعالى- من رؤيته عندما يدخلون الجنة.

 

الله خالق كل شيء

     كما يجب أن نعرف الطفل أن الله خالق كل شيء، فهو خالق الأرض والسماء والناس والحيوانات والأشجار والأنهار، ويمكن أن يستغل الأب بعض المواقف، فيسأل الطفل في نزهة عن خالق الماء والأنهار وما حوله من مظاهر الطبيعة؛ ليلفت نظره إلي عظمة الخالق -سبحانه وتعالى-، وأنه يراقب أعمالنا في كل اللحظات فيثيبنا على الحسنات، ويعاقبنا على السيئات، ثم نعقد للطفل مقارنة بين صنع الله وصنع البشر، وذلك بأسلوب سهل ومبسط، فمثلا تُعرض عليه لوحة فنية جميلة لحديقة وبها الألوان متناسقة، ثم بعد ذلك نذهب معه إلي حديقة ونلعب ونجرى معه ثم نسأله أي الحديقتين أجمل؟ بالطبع ستكون الإجابة الحديقة التي جرى ولعب فيها، في هذا الوقت سنقول له إن هذه الحديقة هي من صنع الله.

 

     إذًا فالله -تعالى- خالق الكون بما فيه، وإذا كانت الطائرات والسيارات والأدوات والآلات من صنع الإنسان فالله -سبحانه وتعالى- هو الذي خلق الحديد الذي استخدم في صناعتها، أي أن الآلة المصنوعة من الحديد صنعها الإنسان ولكن الحديد هو من صنع الله، وهكذا نحاول ضرب أمثلة كثيرة على هذا المنوال حتى يستطيع الطفل استيعاب ما نقول. كما يجب على الآباء الإكثار من ذكر الله -تعالى- أمام الطفل، فيشعرانه بالقول والفعل أن بالإكثار من ذكر الله -تعالى- يهدأ القلب، وتسعد النفس، ويرتاح البال، فهو قريب إذا دعي، سميع إذا نودي، مجيب إذا سئل، وحق علينا أن ندعوه في الشدة والرخاء، والسراء والضراء.

 

الإسلام الدين الحق

     إذا عقل الطفل وبدأ يفهم بطريقة أفضل، يُلقن أن الإسلام هو الدين الذي لا يقبل الله غيره، وانه لا عز إلا بالإسلام. كما ينبغي تعويد الطفل من بداية عامه الرابع على ترديد أذكار الصباح والمساء وذكر الله في كل الأحوال، كذلك تعويده ذكر اسم الله -سبحانه وتعالى- كأن يقول: «بسم الله الرحمن الرحيم» أو «لا اله إلا الله» عندما يستيقظ كل صباح وبذلك يتعود على ذكر الله -سبحانه وتعالى- في كل وقت.

 

ثمرات طيبة

وعندما يرسخ في نفس الطفل معرفة الله -تعالى-، ستثمر هذه المعرفة عن ثمرات طيبة من هذه الثمرات:

قوة الصلة بالله والاعتماد عليه

     هذا أمر أساسي في بناء عقيدة الطفل في المراحل الأولى من عمره، حتى تكون حياته خالية من القلق والاضطرابات النفسية، أما التطبيق العملي فهو حديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - الذي رواه ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: «كنت خلف النبي - صلى الله عليه وسلم - يوما فقال لي يا غلام، إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف» رواه الترمذي. فهذا الحديث يعرف الطفل أن طاعة الله والابتعاد عن معصيته تضمن له السعادة في الدنيا والآخرة، ويعلم الطفل أن التوكل لا يكون إلا على الله، والاستعانة لا تكون إلا به -سبحانه-، وأن الله هو الذي ينجي في الشدائد إذا عُرف في الرخاء، كما أن الحديث يربي الطفل على التفاؤل ليستقبل الحياة بشجاعة وأمل، وليكون فردا نافعا في أمته، فإذا ما حفظ الطفل هذا الحديث وفهمه جيدا، لم تقف أمامه عثرة، فهو يدفع الطفل نحو الأمام بفضل استعانته بالله ومراقبته له وإيمانه بالقضاء والقدر.

 

الشعور بالعزة والفخر

     ما أجمل أن نحكي للطفل قصة سيدنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - عندما كان في طريقة الشام فوصل إلى مَخَاضَةٍ (بحيرة أو مستنقع) فيها ماء، فنزل عمر وحمل نعليه على كتفيه وخاض في الماء ليقطع الماء، فالتفت إليه أبو عبيده بن الجراح وقال: يا أمير المؤمنين، كيف تفعل هذا؟ تضع حذاءك على كتفيك! ما يسرني لو أنهم إستشرفوك (لو أن الروم رأوك وأنت على هذه الحالة)، فالتفت إليه عمر وقال له: أوه (كلمة تأنيبية) أوه يا أبا عبيده لو قالها غيرك لجعلته نكالاً للأمة. يا أبا عبيده: كنا قبل الإسلام أذلَّ قوم فأعزنا الله بالإسلام، فمهما نطلب العزة بغيره أذلنا الله.

 

لا عزة إلا بالإسلام

     إذًا لا عزة إلا بالإسلام، هذا المفهوم لابد من غرسه في الطفل فيدرك انتماءه للإسلام ويفخر بذلك ويردد «أنا مسلم»، ويعرف أن الإسلام هو دين الله الذي لا يقبل غيره، وأنَّ ما أصاب الأمة من هزائم ونكبات ما كان ليحصل إلا بسبب تفريط المسلمين في الالتزام بدينهم، كما يلقن الطفل أنه ما قام المسلمون بدعوة الله والتزام منهجه إلا كان الانتصار في النهاية للإسلام وأهله، ولا بأس أن يحفظ الطفل شيئًا من الأناشيد التي تبعث في نفسه شعور العزة بالإسلام، ويُعطى فرصاً لإلقائها بين أفراد العائلة، لينمو ذلك الشعور في نفسه.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك