كونوا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون
قال الله -عز وجل- في كتابه الكريم: {وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ}، وقد ورد أثر عن قتادة أنه قال: كان - صلى الله عليه وسلم - إذا تلا هذه الآية قال: هذه لكم، وقد أُعطي القومُ بين أيديكم مثلها {وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ}.
ومن المعلوم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبر أن أمته ستتفرق على ثلاث وسبعين شعبة: اثنان وسبعون في النار وواحدة في الجنة، وهي التي تسير على كتاب الله وعلى سنته - صلى الله عليه وسلم -، ويؤكد ذلك حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - في الصحيحين، قال - صلى الله عليه وسلم -: «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى تقوم الساعة»، وفي رواية: «حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك»، ومعنى {يَهْدُونَ بِالْحَقِّ} أي يهتدون به في أنفسهم ويهدون الناس به، ومعنى {وَبِهِ يَعْدِلُونَ} أي بالحق يحكمون وبالحق يقضون.
تدعو إلى الله على بصيرة
فهم طائفة تدعو إلى الله على بصيرة، تعلمت الإيمان وعلومه وطبَّقته على نفسها؛ فظهر واضحا على سلوك أفرادها في حِلّهم وترحالِهم، وفي أقوالهم وفي أفعالهم، ولم يكتفوا بذلك بل دعوا الناس إليه؛ حيث تحقق فيهم قول الحق -تبارك وتعالى-: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ}، هذه الفرقة بلا شك هي الأمة التي تهتدي بالحق وتهدي الناس به، وبه يعدلون في أحكامهم وفي أنفسهم وأهليهم وما وُلُّوا، والمساواة بين الناس هي شغلهم الشاغل، لا فضل عندهم لأعجمي على عربي ولا لعربي على أعجمي، ولا لأبيض على أسود ولا لأسود على أبيض إلا بالتقوى.
الحق يتطلب كمالات كثيرة
ومن المعلوم أن الحق والهداية به والعدل يتطلب كمالات كثيرة في معاني الخير التي تنفع الأمة، ومن المستحيل أن يتوفر ذلك في شخص واحد يكون قدوة في كل شيء، لكنها تكون موزعة على أفراد هذه الأمة، فهذا قدوة في الصلاة وفي المحافظة عليها في جماعة، وهذا قدوة في الإنفاق في سبيل الله، وآخر قدوة في الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، وهكذا؛ فإذا تلاحم جميع أفراد الأمة معا صارت الأمة في مجموعها يهدون بالحق وبه يعدلون.
إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً
وقد بيَّن ربُّنا -تبارك وتعالى- في كتابه الكريم أن فردا واحدا اجتمعت فيه وحده كمالات أمة بأسرها وهو الخليل إبراهيم -عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام-؛ حيث قال -عز وجل-: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}، وسواء أُريد بكلمة «أمَّة» جماعة أم طائفة أم أريد بها إماما وقدوة ومعلما للخير، فإن كلا المعنيين يحقق المطلوب في أنه ظهر وحده في زمانه يواجه المشركين، ويجدد عقيدة التوحيد، ويدعو إليها بمفرده، حتى أعز الله به الإسلام، وقضى به على الشرك الذي هو أعظم الظلم، وأعلى به راية التوحيد الذي هو أعظم الحق والعدل والخير، إلى أن ظهر خاتم الأنبياء والمرسلين - صلى الله عليه وسلم .
قلة عدد المتميزين في الأمة
إن المتأمل في واقع الأمة المعاصر يتحسر على قلة عدد المتميزين في الأمة، الذين يصلحون قدوة في بعض كمالات الحق والعدل والخير، ويمكن أن ينطبق عليهم المعنى العظيم الذي ورد في الآية أنهم صاروا قدوة الأمة في أي مجال من المجالات المفيدة للمسلمين.
واقع شباب الأمة
لقد انحرف كثير من أبناء الأمة عن طريق الرشاد، وتكاسلوا عن كل ما يرفع شأن أمتهم، ويعزز مكانتهم بين الأمم، واستسلموا للّهو واللعب، وجرفتهم الدنيا إلى طريق الخسارة والبوار، ويالها من مصيبة كبرى! حين نجد الملايين من شباب الأمة يقضون معظم أوقاتهم حول مواقع العبث الاجتماعي التي تمتلئ بالكذب والزور والفجور والسب والقذف، ووجهوا لذلك هممهم، وأعطوا ظهورهم لكل ما ينفعهم وينفع أمتهم (أمة الصادق المصدوق -[)، لقد غابت القدوة إلا فيما ندر.
لاتوجد تعليقات