رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د.بسام خضر الشطي 11 مارس، 2014 0 تعليق

كل المسلم على المسلم حرام

     لا شك أن ما حدث في البحرين مؤخرًا من تفجيرات إجرامية طائفية نذير خطر يجب علينا أن نتنبه له جميعًا، ويجب ألا يمر هذا الحادث مرور الكرام، كما أننا لا يجب بحال من الأحوال أن لا نفصل هذا الحدث عما يحدث في سائر بلداننا العربية؛ فالأمة الآن نكبت من داخلها، ولم يعد الأمر مقتصرا فقط على بطش أعداء الله، ولكن صار الأمر بين المسلمين بعضهم بعضًا، وهانت الدماء لدى بعضهم، فأصبح من السهولة عليه أن يصوب نيرانه إلى صدر أخيه المسلم، فيرديه قتيلا دون حرج أو خوف أو وجل، ولا شك أن هذا من البلاء العظيم، ولقد حذرنا النبي صلى الله عليه وسلم  من ذلك وبين أن المسلم له حرمته عند الله، ومكانته بين المسلمين، فلا يحل لأحدٍ أن يَحُطّ من قدره، ولا يهينه بأي وجه من الوجوه، أو أن يفعل ما يكون سبباً في انتهاك حرمته قال رسول الله صلى الله عليه وسلم  : «لا تحاسدوا، ولا تناجشوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، ولا يبِعْ بعضُكم على بيع بعض، وكونوا عباد الله إخواناً، المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يخذله، ولا يحقره؛ التقوى هاهنا – ويشير إلى صدره ثلاث مرات- بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعرضه».

     وحثنا على الترابط والتماسك والوحدة فقال صلى الله عليه وسلم : «المسلم للمسلم كالبنيان يشد بعضه بعضاً»، وقد حرم الإسلام كل ما يخدش هذه العلاقة الوطيدة، ورتب على تجاوز تلك الحُرمات العقاب الأليم، والعذاب الشديد، لقد حرَّم الإسلام الاعتداء على المسلم في أموره كلها، وذلك يشمل:

1- حرمة دمه: وهذا يعنى أن دم المسلم على المسلم حرام، ولا يحل دمه إلا بإحدى ثلاث، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم  : «لا يحل دم امرئٍ مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة». والمسلم أعظم عند الله من الدنيا كلها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجلٍ مسلم»، ونظر ابن عمر إلى الكعبة فقال: «ما أعظمك وما أشد حرمتك، والله للمسلم أشد حرمة عند الله منك».

2- حرمة عرضه: وذلك يتضمن أمورا عدة منها: حرمة الحقد، والحسد، والسب، والقذف، والغيبة، والنميمة وغير ذلك، فهذه كلها مما حرمها الإسلام، كما قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}(النور:23)،وقال:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَىٰ أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ ۚ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ }(الحجرات: 11)، واجتناب سوء الظن والغيبة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ۖ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا ۚ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ  وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ }(الحجرات: 12). وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم   في الحديث السابق: «كل المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعرضه». 

والعرض يشمل -أيضاً- حفظ المسلم في أهله، فلا ينتهك عرضه بالوقوع في الحرام كفعل الفاحشة أو مقدماتها؛ ولهذا حرم الزنا لما فيه من التعدي على أعراض الآخرين، مع اختلاط الأنساب، وكذا الأمراض القاتلة المنتشرة اليوم، والتمزق الإنساني المشين.

3- حرمة ماله:  فقد حرم الإسلام سرقة مال المسلم أو غصبه، والتعدي عليه، وأكله بالباطل: كالربا؛ وغير ذلك، كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ  وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ  إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا }(النساء: 29). وقال الله عن الربا: {وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ}(البقرة: 279). فسمى الربا ظلماً؛ لأن فيه ضرراً على المأخوذ منه.. وكذا حرم الإسلام البيع على بيع الآخر، كأن يبيع سلعة بسعر كذا، فيأتيه آخر يقول: أبيعك مثلها بأرخص منها، أو يبيع الرجل لآخر سلعة وذلك بالاتفاق بينهما؛ ثم ينقض البيع دون اتفاق، فيبيعها لآخر، وقد سبق في الحديث: «ولا يبيع بعضكم على بيع بعض»، وحرم النجش، وهو: رفع ثمن السلعة لا لأجل شرائها؛ ولكن لمخادعة الناس، كما يحصل اليوم عند أصحاب المعارض والمحلات المختلفة..

      ولهذا قال صلى الله عليه وسلم  : «ولا تناجشوا». وكذا حرم الغش لما فيه من الخداع وأكل الأموال بالباطل، فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم  جاء إلى السوق فوجد رجلاً يبيع طعاماً فوضع الرسول يده أسفل الطعام فوجده مبتلاً فقال: «ما هذا يا صاحب الطعام؟»، قال: أصابته السماء يا رسول الله! قال: «أفلا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس؟ من غشَّ فليس مني»، وحرم التدليس وأكل أموال العقارات ومحاولة الزيادة فيها، فقال: «من ظلم قِيد شِبْر من الأرض طُوِّقَه من سبع أَرَضِين»، وحرم المماطلة في قضاء الديون؛ إذا كان المدين غنياً، فقال: «مَطْلُ الغنيِّ ظُلمٌ». ومعناه: أن تأخير الغني سداد الدين لصاحبه ظلم.. وغير ذلك من المحرمات التي لا يجوز بها أكل مال المسلم..

     ولما خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم   في حجة الوداع بيَّن هذا الأمر تبييناً جلياً؛ فعن أبي بكرة رضي الله عنه قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم   يوم النحر فقال: «أي يوم هذا ؟»، قلنا: الله ورسوله أعلم، حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، فقال صلى الله عليه وسلم : «أليس ذو الحجة؟»، قلنا: بلى، قال صلى الله عليه وسلم : «أتدرون أي بلد هذا؟»، قلنا: الله ورسوله أعلم، قال: فسكت حتى ظننا أن سيسميه بغير اسمه، فقال صلى الله عليه وسلم : «أليس بالبلدة؟»، قلنا: بلى، قال صلى الله عليه وسلم : «فإنَّ دماءكم وأموالكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، إلى يوم تلقون ربكم، ألا هل بلغت ؟»، قالوا: نعم، قال صلى الله عليه وسلم : «اللهمَّ اشهد، ليبلغ الشاهد الغائب، فرب مبلغٍ أوعى من سامع، ألا فلا ترجعُن بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض».

وهذه من آخر الوصايا النبوية الجامعة، من جوامع كلمه التي أوتيها صلى الله عليه وسلم ، وقد جمعت الحرمات كلها من كبار الأمور وصغارها: حرمة الدم والعرض والمال.. 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك