رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الشيخ محمد السنين 18 سبتمبر، 2022 0 تعليق

كلمة مهمة بمناسبة الانتخابات

يقول الله -تبارك وتعالى-: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا}. والأمانة من أعظم ما يحمله الإنسان ويُسأل عنه يوم القيامة؛ فهي حمل ثقيل، كما قال الله -سبحانه وتعالى-: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا}. عرض الله هذه الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أي: امتنعن من حملها وأشفقن منها، بمعنى الخوف، وحملها هذا الإنسان الذي وصفه ربه -تبارك وتعالى- بأنه كان ظلوما جهولا، والظلوم أي الظالم لنفسه، والجهول بعاقبة أمره.

تعريف الأمانة

تكلم العلماء في الأمانة، فما هي؟ وكلامهم كثير في كتب التفسير، لكن خلاصة الكلام مؤداه إلى أنها الدين والتكاليف الشرعية. يقول الحسن البصري -رحمة الله عليه- وهذا أبلغ الأقوال يقول: الأمانة هي الدين فالدين كله أمانة، العبادة أمانة، وجوارحك أمانة، وحقوق الخلق أمانة، ومنصبك وكرسيك أمانة، والعلم عند العالم وعند طالب العلم أمانة، والحكم أمانة، وصوتك في الانتخابات أمانة؛ لأنه يترتب عليه نتائج قد تكون خيرا وقد تكون شرا؛ فهو إما لك هذا الصوت وإما عليك.

     والله -سبحانه وتعالى- حذرنا من الخيانة، (خيانة الأمانة وإضاعتها) قال -عز وجل-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ}. الله -سبحانه وتعالى- أمرنا بأداء الأمانة وحذرنا من خيانتها، وجاء في تفسير الآية كذلك ما رواه ابن أبي حاتم في تفسيره من طريق زاذان عن عبدالله بن مسعود] قال: «إن الشهادة (أي في سبيل الله) تكفر كل ذنب إلا الأمانة، والدين من الأمانة». يقول: يؤتى بالرجل يوم القيامة -وإن كان قُتل في سبيل الله- فيقول أدِّ أمانتك فيقول الرجل: وأنّى أؤديها وقد ذهبت الدنيا -ضيعها وفارق الدنيا- فتُمثّل له الأمانة في قعر جهنم فيهوي إليها فيحملها على عاتقه، فتنزل على عاتقه فيهوي على أثرها أبد الآبدين؛ لأن فيها حقوق الناس. قال راوي هذا الأثر: أتيت البراء بن عازب فحدثته هذا، فقال: صدق أخي ابن مسعود {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} وهذا سنده صحيح.

 

ضياع الأمانة

     ولعظيم شأن الأمانة استمع إلى هذا الحديث العظيم، وفيه تصوير بليغ لما سيقع لهذا الإنسان أو لمن خان الأمانة وأضاعها. روى مسلم في صحيحه عن حذيفة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «يُنصب الصراط على متن جهنم، وتُرسل الأمانة والرحم على جنبتي الصراط» قال النووي -رحمه الله تعالى في شرحه لصحيح مسلم-: إرسال الأمانة والرحم على جانبي الصراط، لتطالب كل من يمر على الصراط بحقهما. وجاء في رواية أنها تقول لقاطع الرحم: قطعك الله كما قطعتني، وتقول الأمانة لمن ضيعها: ضيعتني ضيعك الله. وهذا يدل على عظيم قدرهما عند ربهما -سبحانه وتعالى- فالأمانة حمل ثقيل.

الصوت أمانة سيُسأل عنه الإنسان

     اليوم يقول الناس في هذه الاستعدادات للانتخابات: صوتك أمانة، كل الأعضاء ينادون، وهذا صحيح، الصوت أمانة من جملة الأمانات التي سيُسأل عنها الإنسان، بل الصوت كذلك شهادة ستُسأل عنها أمام الله -جل في علاه-؛ فإذا أعطيت هذا الصوت وبذلته لمن لا يستحقه لقرابة أو صداقة أو فزعة وحمية لقبيلة أو لحزب أو لرشوة أُعطيت لك فقد خنت الأمانة، خنت الله وخنت دينك ووطنك وشهدت شهادة زور ستُكتب عليك وتُسأل عنها يوم القيامة، ولن ينفعك بعدها أحد، قال -تعالى-: {ستكتب شهادتهم ويسألون}. وقال -تعالى-: {إِلَّا مَن شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}.

     وشهادة الزور هذه من أكبر الكبائر كما جاء في حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي قال فيه: «ألا أخبركم بأكبر الكبائر؟! قالوا: بلى يا رسول الله، قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، ثم كان - صلى الله عليه وسلم - متكئا فجلس وقال: ألا وشهادة الزور، ألا وشهادة الزور، ألا وشهادة الزور! كررها ثلاث مرات لعظيم خطرها.

     أن تشهد لإنسان أو تصوّت لإنسان، صوتك لهذا الإنسان إذا لم يكن صالحا فهو شهادة منك على أن هذا هو الأصلح للعباد والبلاد، وهو ليس كذلك فهذه شهادة زور منك ستتحمل وزرها يوم القيامة، وهي من أكبر الكبائر.

المعلومات عن المرشحين متاحة

     واليوم لم يعد خافيا على الناس حال أي إنسان رشّح نفسه، فصارت المعلومات متاحة لكل أحد، ومن السهولة بمكان أن تعرف هذا الإنسان؛ فلا تأتي بعد ذلك وتقول -والله ما كنت أعرف عنه شيئا، رأيت الناس يصوتون له فصوّت له أنا أيضا، هذا لا تبرأ به ذمتك، بل تقف بين يدي الله -تبارك وتعالى- وتُسأل عن هذه الأمانة؛ ولذلك ينبغي لك أن تحرص وتنظر إن كان هذا من أهل الصدق والأمانة أو كان من أهل الكذب والخيانة، وتبحث عن الصادق الأمين القوي الذي يصلح للعمل في هذا المكان، فهذا المكان خطير؛ ففيه تُسن القوانين، وتوضع فيه أمور كثيرة، قد يكون فيها الخير وقد يكون فيها الشر.

إياك وإضاعة الأمانة!

     وإياك وإضاعة الأمانة! ففي صحيح البخاري يقول: عن أبي هريرة - رضي الله عنه - «أنّ أعرابيا دخل على النبي - صلى الله عليه وسلم - يوما وهو يحدث الناس، فقال الأعرابي: يا رسول الله، متى الساعة؟ فمضى النبي -صلى الله عليه وسلم - في حديثه ولم يرد، فلما قضى النبي - صلى الله عليه وسلم - حديثه، سأل عن السائل عن الساعة، فقال الأعرابي: أنا يا رسول الله، فقال - صلى الله عليه وسلم -: إذا ضُيّعت الأمانة فانتظر الساعة. قال الأعرابي: وكيف إضاعتها يا رسول الله؟ قال: إذا وسّد الأمر إلى غير أهله». حديث واضح جدا أن هذا من ضياع الأمانة وهو من علامات الساعة، عندما تفتقد الأمانة في الناس، وهذا واقع اليوم مع الأسف.

 

اختيار المرشح أمر خطير

     لهذا أقول باختصار شديد: أن اختيارك لمرشح أمر خطير ليس بالهيّن كما يتساهل فيه بعض الناس، إما لك أو عليك، فعمل هذا العضو في المجلس -الذي أوصلته أنت بصوتك- عمله يرضي الله وينفع البلاد والعباد فأنت شريكه في الأجر والثواب والذكر الحسن، وكلما كان لهذا الإنسان موقف حسن يعود بنفعه على البلاد والعباد فالناس تذكره بخير وتشكره على ذلك، وتشكر وتذكر كذلك من صوّت له، وساعد في إيصاله إلى هذا المكان. وإن كان العكس، وذلك بأن أوصلت إنسانا راشيا للناخبين ومرتشيا من قبل الجهات التي لها نفع وفائدة بأن توجه كلامه وصوته إلى ما يعود إليها بالنفع والمصلحة، فهذا تتحمل معه وزره ؛ لأنك شاركته في إيصالك له إلى قبة البرلمان، فسيذمه الناس ويذمون كذلك من صوّت له.

احذروا الرشوة!

     واحذروا من هذا البلاء والوباء الذي تفشى في هذه السنين المتأخرة وما كان معروفا في القدم وهي الرشوة! قبل أيام اتصل بي أحدهم يسأل ويقول هل عملي هذا صحيح؟ وكيف المخرج؟ يقول: أنا صوّت وأقسمت لأربعة أو خمسة أنني سوف أعطيهم صوتي، وحلفوني على المصحف، وحلفوني بعيالي، وكلام من هذا القبيل وكله مخالف للشرع جملة وتفصيلا. فقلت له: كيف تصوت لأربعة؟! قال: أنا محتاج وأنا مضطر وظروفي صعبة. فهذه هي مسوغات الناس، لكن هذا ليس بمسوّغ، بل هذا غاية الاستخفاف، كذب ورشوة وتزوير وخيانة أمانة، جمع الطامات كلها. قلت له: حرام ولا يجوز لك، لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وما أخذته من مال رده إلى صاحبه، وتبرأ من هؤلاء؛ لأنه لا يدفع الرشوة إلا إنسان يعرف نفسه أنه غير صالح. ويقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لعن الله الراشي والمرتشي» طردهم من رحمته.

     فأسأل الله -تبارك وتعالى- أن يعفو عنا وعنكم، وأن يعيننا وإياكم على ألا نكون من هؤلاء الناس. وأعلم أنكم لستم كذلك، لكن هذا تحذير يُنقل إلى كل من تهاون واستهتر بهذا الصوت وبذله وأعطاه لغير مستحق؛ فهذا حرام وخيانة وكذب وتزوير وإضاعة أمانة وشهادة زور.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك