رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: وائل رمضان 1 نوفمبر، 2015 0 تعليق

كلمة في حق الحاج أمين الحسيني مفتي القدس

 لا يموت حق وراؤه مُطالب.. إن كان هناك مثال عملي لهذه المقولة فإنه الحاج محمد أمين الحسيني، عاش الرجل بهموم قضية فلسطين حتى آخر نفس في حياته، أثناء حياته دعت المنظمات اليهودية لقتله قائلة: «يجب أن يموت أمين الحسيني حتى نجد من الفلسطينيين من يتفاوض معنا».

 

وبعد موته قال أحد زعماء الكيان الصهيوني: «قد كان مقدراً أن تنشأ دولة إسرائيل خلال عشر سنوات أو خمس عشرة سنة من بدء المشروع، ولكن أمين الحسيني جعل الأمر يحتاج إلى عشرات السنين».

     مسيرة جهاد بلغت ستين عامًا من عمر أمين الحسيني مفتي فلسطين، حمل خلالها راية الجهاد المقدس ضد اليهود الغاصبين، وطوى مشارق الأرض ومغاربها من أجل قضية بلده، فاضحًا أساليب السياسة البريطانية ومكائد اليهود، ومنبهًا المسلمين إلى ما يحاك ضدهم، وعاش حياته يقظًا لم يذق طعم النوم أو لذة الراحة، وكيف ينام الحر الأبي وهو يرى وطنه يسرق، وتاريخه يغتال، وشعبه يحتل؟

     نشأ بين أسرة كريمة من أعرق البيوت في القدس فضلاً ومقامًا، ولد محمد أمين الحسيني في سنة (1315هـ = 1897م)؛ وعاش في كنف والده الذي يتصل به بالحسين بن علي، وكان يعمل مفتيًا لمدينة القدس، فجمع إلى جلالة العلم شرف النسب والأصل، وعني الوالد بابنه الصغير فحفظه القرآن الكريم، وثقفه بالعلوم الدينية واللغوية، وأدخله مدرسة الفرير بالقدس ليتعلم الفرنسية، ثم بعث به إلى القاهرة ليستكمل تعليمه.

     وفي القاهرة التحق بالأزهر، واتصل بالشيخ محمد رشيد رضا، وانتظم في دار الدعوة والإرشاد التي أسسها الشيخ رشيد، وكان يتردد على الجامعة المصرية القديمة ليستمع إلى المحاضرات التي يلقيها كبار الأساتذة المصريين، فاجتمع له زاد من الثقافة الدينية العميقة والعلوم العصرية الجديدة.

     وشاء الله ألا يستكمل الطالب النابه دراسته بالقاهرة؛ فقد نشبت الحرب العالمية الأولى وكان في القدس في زيارة لأهله، فحيل بينه وبين العودة، وأرسله والده إلى الأستانة ليلتحق بالمدرسة الحربية وتخرج فيها ضابطاً، والتحق بالجيش العثماني في ولاية أزمير؛ مما أكسبه خبرة جيدة، كان لها الأثر الأكبر في شخصيته وحياته.

بعد نهاية الحرب، عاد الضابط الحسيني إلى القدس، وأصبح يعرف بين الناس بالحاج أمين الحسيني؛ إذ كان قد اكتسب لقب الحاج عندما حج برفقة والدته.

المواجهة المبكرة للوجود الصهيوني

نذر أمين الحسيني حياته للقضية الفلسطينية، وعاش من أجلها، وأدرك خطورة الوجود الصهيوني على أرضها، ومكرهم الخفي في التسلل والاستيلاء على الأراضي المقدسة.

     وقاوم عملية هجرة اليهود إلى فلسطين وامتلاكهم الأراضي التي كان الاحتلال البريطاني يمنحها لهم، وشارك في الإضراب العام الذي تم في سنة (1355هـ = 1936م)، ودعا إلى استمراره حتى يستجيب الاحتلال لمطالبهم المشروعة التي تتمثل في منع الهجرة اليهودية إلى فلسطين، وأصدر بيانًا دعا فيه الناس إلى الامتناع عن دفع الضرائب إلى الحكومة مالم تستجب لهذه المطالب الوطنية.

     وأدرك أمين الحسيني أن الأقوال لا قيمة لها ما لم تُقرن بالعمل، وأن الخطب والبيانات لا تحرر أرضًا دون جهاد ونضال، فقام باستنهاض همة شعبه للجهاد، وأوقد في أفئدته جذوة الكفاح وشعلة المقاومة، فكوَّن جماعات مسلحة ضد المحتلين الغاصبين سنة (1350هـ = 1931م)، وظلت تقوم بعملها المسلح حتى قامت منظمة الجهاد المقدس سنة (1354هـ = 1935م) بقيادة عبدالقادر الحسيني، وإشراف المفتي.

     وظلّ أمين الحسيني على العهد حتى أخريات عمره، لا يعوقه عن أداء رسالته مرض أو هِرم أو دعايات مغرضة تنهش عرضه وتحاول تشويه جهاده، وشاء الله أن تقرّ عينه بانتصار المسلمين في معركة رمضان المجيدة سنة (1393هـ  1973م)، ولم تطل الحياة بالمفتي عقب هذا النصر المجيد فلقي الله في يوم الخميس الموافق (14 من جمادي الآخرة 1394هـ الموافق 4 من يوليو 1974م  بعد حياة عريضة، ودُفن في مقبرة الشهداء ببيروت. 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك