رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الشيخ: د. محمد الحمود النجدي 1 فبراير، 2011 0 تعليق

كلمات في رحاب حديث: « تسمع وتطيع»

 

 فقد سأل بعض الإخوة عن حديث النبي [: «تسمع وتطيع للأمير، وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك « ما صحته؟ وماذا يراد به شرعا؟ وما حكم من تعرض لظلم من قبل الحاكم؟

      والجواب:  أن هذا الحديث صحيح ثابت، رواه مسلم في صحيحه ( 3/1476)، في كتاب الإمارة، باب وجوب ملازمة جماعة المسلمين: وهو عن حذيفة رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله إنا كنا بشرٍ، فجاء الله بخير، فنحن فيه، فهل من وراء هذا الخير شر؟ قال [: « نعم « قلت: هل وراء ذلك الشر من خير؟، قال: « نعم « قلت: كيف؟ قال [: « يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهداي، ولا يستنون بسنتي، وسيقوم فيهم رجالٌ قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس « قال: قلت: كيف أصنع يا رسول الله إن أدركت ذلك؟ قال: « تسمع وتطيع للأمير، وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك، فاسمع وأطع».

     ويشهد له: حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه: عن النبي [ قال: « اسمع وأطع في عسرك ويسرك، ومنشطك ومكرهك، وأثرة عليك، وإن أكلوا مالك، وضربوا ظهرك «رواه ابن حبان في صحيحه (4562- الإحسان ).

وغيرها من الأحاديث الكثيرة في معناه في هذا الباب.

وعند النظر في اعتداء الحاكم على الرعية، نجد أنه لا يخلو من حالتين:

- الحالة الأولى: أن يكون اعتداؤه على الرعية في أنفسهم بما دون القتل، كالضرب والجلد، وأخذ المال وغير ذلك.

- والحالة الثانية: أن يكون اعتداء الحاكم على نفس أحد من الرعية، بالقتل والإهلاك وسفك الدم.

- أما الحالة الأولى: فالحكم الشرعي هنا: هو وجوب الصبر على ذلك، والسمع والطاعة، وتحريم منازعة الحاكم في الإمامة، أو الخروج عليه، وقد جاء هذا الحكم منصوصاً عليه كما في حديث حذيفة عن النبي [ السابق.

    فرسول الله [ أمر الرعية بالسمع والطاعة، وإن ضرب الحاكم الظهر وجلد، وأخذ المال، وبين أن هذا الاعتداء بالضرب وأخذ المال،  لا يبيح للمسلم الخروج، ونزع اليد من الطاعة.

وهذه أقوال علماء الأمة في ذلك:

      قال الإمام الحافظ أبو العباس القرطبي رحمه الله: فأما قوله في حديث حذيفة: «اسمع وأطع، وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك «فهذا أمر للمفعول به ذلك للاستسلام، والانقياد وترك الخروج عليه مخافة أن يتفاقم الأمر إلى ما هو أعظم من ذلك »المفهم ( 4/39 ).

     وقال العلامة صديق حسن خان رحمه الله: «وفيه دليل على وجوب طاعة الأمراء، وإن بلغوا في العسف والجور إلى ضرب الرعية، وأخذ أموالهم، فيكون هذا مخصصاً لعموم قوله تعالى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} (البقرة: 194) وقوله سبحانه: {وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا} (الشورى: 40) انتهى.

    وقال الإمام أبو بكر الآجري رحمه الله أيضا: « فإن قال قائل: أيش الذي يحمل عندك قول عمر رضي الله عنه فيما قاله؟ قيل له: يحتمل – والله أعلم – أن نقول: من أمر عليك من عربي أو غيره، أسود أو أبيض أو عجمي، فأطعه فيما ليس لله فيه معصية، وإن حرمك حقا لك، أو ضربك ظلما لك، أو انتهك عرضك أو أخذ مالك فلا يحملن ذلك على أن تخرج عليه بسيفك حتى تقاتله، ولا تخرج مع خارجي يقاتله، ولا تحرض غيرك على الخروج عليه، ولكن اصبر عليه « الشريعة ( 1/381 – 382 ).

      فدلت هذه النصوص السابقة من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، وأقوال سلف الأمة، على أن الاعتداء من قبل الحاكم على النفس فيما دون القتل، كالضرب والجلد وأخذ المال، ليس عذرا لنزع اليد من الطاعة، ولا مسوغا للخروج على الحكام، أو تحريض الآخرين على الخروج، فإن غاية هذا الاعتداء على النفس أن يكون معصية أو كبيرة من الكبائر، والخروج على الحكام من شروطه الأساسية أن يرتكب الحاكم كفرا بواحاً، عندنا فيه من الله برهان، كما سيأتي تقرير ذلك.

      لكن للمعتدى عليه من الرعية أن يستنفد سبل الوقاية من هذا الاعتداء بطرق لا يكون فيها نوع من أنواع الخروج، كالنصح له، وتبيين حرمة هذا الاعتداء، أو طلب من يقوم بنصحه، خاصة ممن يسمع منه كعالم مبجل، أو كبير من كبراء الناس وأصحاب الجاه.

     وأما الحالة الثانية لهذا الاعتداء وهي: ما لو كان اعتداء الحاكم على نفس أحد من الرعية بالقتل والإهلاك وسفك الدم، والاعتداء على النفس إما أن يكون من صائلٍ ظالم لا ولاية له، وإما أن يكون من حاكم ظالم، له جند وأتباع وحكومة، والعلماء مختلفون في وجوب دفع الصائل إذا أراد النفس، مع قولهم بجواز ذلك.

      قال النووي رحمه الله: « وأما المدافعة عن الحريم فواجبة بلا خلاف، وفي المدافعة عن النفس بالقتل خلاف في مذهبنا ومذهب غيرنا « شرح صحيح مسلم  (2/344).

     قال ابن المنذر رحمه الله: « والذي عليه عوام أهل العلم أن للرجل أن يقاتل عن نفسه وماله وأهله إذا أريد ظلما، لقوله عليه السلام: « من قتل دون ماله فهو شهيد»، ولم يخص وقتا دون وقت، ولا حالا دون حال، إلا السلطان، فإن كل من نحفظ عنهم من علماء الحديث، كالمجمعين على أن من لم يمكنه أن يدفع عن نفسه وماله إلا بالخروج على السلطان ومحاربته، ألا يفعل، للآثار التي جاءت عن النبي [ بالأمر بالصبر على ما يكون منه من الجور والظلم، وترك القيام عليهم ما أقاموا الصلاة» كما في الفتح للحافظ ابن حجر ( 5/124) وفي سبل السلام ( 3/530) للصنعاني.

ومن تلكم الآثار النبوية أيضا،  التي أمرت بالصبر على ما يكون من الولاة من جور وحيف وظلم:

      ما جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما: قال: قال رسول الله [: « من رأى من أميره شيئا يكرهه فليصبر، فإنه من فارق الجماعة شبرا فمات، فميتةٌ جاهلية» رواه مسلم ( 1849).

والميتة الجاهلية هي صفة موتهم؛ حيث كانوا فوضى لا إمام لهم، ولا راع يقودهم.

     وعن أسيد بن حضير رضي الله عنه: أن رجلا من الأنصار خلا برسول الله [ فقال: ألا تستعملني كما استعملت فلانا؟ فقال: « إنكم ستلقون بعدي أثرة، فاصبروا حتى تلقوني على الحوض» رواه البخاري (7/117) ومسلم ( 3/1474) باب الأمر بالصبر عند ظلم الولاة واستئثارهم.

وما جاء عن سلمة بن يزيد الجعفي: أنه سأل رسول الله [ فقال: يا نبي الله ! أرأيت إن قامت علينا أمراء يسألونا حقهم، ويمنعونا حقنا، فما تأمرنا؟ فأعرض عنه، ثم سأله فأعرض عنه، ثم سأله في الثانية أو في الثالثة فجذبه الأشعث بن قيس، فقال رسول الله [: « اسمعوا وأطيعوا، فإنما عليهم ما حملوا وعليكم ما حملتم «رواه مسلم في الموضع السابق ( 1846).

أي: هم يجب عليهم ما كلفوا به من العدل، وإعطاء كل ذي حق حقه من الرعية، فإن لم يفعلوا فعليهم وزرهم، وأما أنتم فعليكم ما كلفتم به من السمع والطاعة، ولكم في ذلك الأجر والمثوبة.

وغير ذلك من الأحاديث الناهية عن الخروج على الولاة ما أقاموا الصلاة، والأحاديث المشترطة للخروج برؤية الكفر البواح، أي: الكفر المعلن الظاهر، الذي عندهم من الله تعالى فيه برهان، ومع وجود القدرة على ذلك، كما ذكر أهل شروط الخروج وضوابطه.

      لكن لا حرج على المعتدى عليه أن يستنفد وسائل الدفع عن النفس بما هو دون المقاتلة والخروج، كرفع أمره للقضاء، أو كالإيعاز لأهل المكانة عند الحاكم بالشفاعة له في هذا الأمر، أو توجيه النصح له للحاكم، وبيان مغبة هذا الاعتداء في الدنيا والآخرة.

     وله كذلك إن علم أو غلب على ظنه أن السلطان مريد لدمه، وتوعد بقتله، أن يهرب ويختفي عنه حفاظا على نفسه، كما فعل عدد من السلف لما خافوا بطش الحجاج الظالم، وهربوا من ظلمه وجبروته، ومنهم الإمام الشعبي – رحمه الله – فإنه قد اختفى عن الحجاج أكثر من تسعة أشهر، كما في طبقات ابن سعد (6/249 ) وكما فعل الإمام أحمد أيام الفتنة في زمن الواثق، كما في سير أعلام النبلاء للذهبي (11/264 ) وغيرهم من السلف.

      نسأل الله تعالى أن يقينا شر الفتن، ما ظهر منها وما بطن. وأن يحفظنا بالإسلام قائمين وقاعدين وراقدين. والحمد لله رب العالمين

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك