رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: وائل رمضان 28 ديسمبر، 2020 0 تعليق

كلام نفيس لشيخ الإسلام ابن تيمية – فــــي بيـــان خطــــــــورة الخـــــــــروج على الحكام


هذا كلام نفيس لشيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- يستعرض فيه خطورة الخروج على الحكام ومضاره عبر التاريخ.

قال -رحمه الله-: «ففي الجملة أهل السنة يجتهدون في طاعة الله ورسوله بحسب الإمكان، كما قال -تعالى-: {فاتقوا الله ما استطعتم} (التغابن: 16)، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم»، ويعلمون أن الله -تعالى- بعث محمدا - صلى الله عليه وسلم - بصلاح العباد في المعاش والمعاد، وأنه أمر بالصلاح ونهی عن الفساد، فإذا كان الفعل فيه صلاح وفساد رجحوا الراجح منهما، فإذا كان صلاحه أكثر من فساده رجحوا فعله، وإن كان فساده أكثر من صلاحه رجحوا تركه.

تحصيل المصالح وتكميلها

     فإن الله -تعالى- بعث رسوله - صلى الله عليه وسلم - بتحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها، فإذا تولى خليفة من الخلفاء - كيزيد وعبدالملك والمنصور وغيرهم- فإما أن يقال: يجب منعه من الولاية وقتاله حتى يولى غيره، وكما يفعله من يرى السيف، فهذا رأي فاسد، فإن مفسدة هذا أعظم من مصلحته، وقل من خرج على إمام ذي سلطان إلا كان ما تولد على فعله من الشر أعظم مما تولد من الخير، كالذين خرجوا على يزيد بالمدينة، وكابن الأشعث الذي خرج على عبدالملك بالعراق، وابن المهلب الذي خرج على ابنه بخراسان، وكأبي مسلم صاحب الدعوة الذي خرج عليهم بخراسان أيضا، وكالذين خرجوا على المنصور بالمدينة والبصرة، وأمثال هؤلاء.

إما أن يَغلبوا وإما أن يُغلبوا

     وغاية هؤلاء إما أن يَغلبوا وإما أن يُغلبوا، ثم يزول ملكهم فلا يكون لهم عاقبة؛ فإن عبد الله بن علي وأبا مسلم هما اللذان قتلا خلقا كثیرا، وكلاهما قتله أبو جعفر المنصور، وأما أهل الحرة وابن الأشعث وابن المهلب وغيرهم فهزموا وهزم أصحابهم، فلا أقاموا دينا ولا أبقوا دنيا، والله -تعالى- لا يأمر بأمر لا يحصل به صلاح الدين ولا صلاح الدنيا، وإن كان فاعل ذلك من أولياء الله المتقين ومن أهل الجنة، فلیسوا أفضل من علي وعائشة وطلحة والزبير وغيرهم، ومع هذا لم يحمدوا ما فعلوه من القتال، وهم أعظم قدرا عند الله وأحسن نية من غيرهم، وكذلك أهل الحرة كان فيهم من أهل العلم والدین خلق، وكذلك أصحاب ابن الأشعث كان فيهم خلق من أهل العلم والدين، والله يغفر لهم كلهم.

عليكم بالاستكانة والتضرع

     وكان الحسن البصري يقول: إن الحجاج عذاب الله، فلا تدفعوا عذاب الله بأيديكم، ولكن عليكم بالاستكانة والتضرع، فإن الله -تعالى- يقول: {وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُم بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ} (المؤمنون:76)، وكان طلق بن حبيب يقول: اتقوا الفتنة بالتقوى.

فقيل له: أجمل لنا التقوى، فقال: أن تعمل بطاعة الله على نور من الله، ترجو رحمة الله، وأن تترك معصية الله على نور من الله تخاف عذاب الله.

النهي عن الخروج

     وكان أفاضل المسلمين ينهون عن الخروج والقتال في الفتنة، كما كان عبدالله بن عمر وسعيد بن المسيب وعلي بن الحسين وغيرهم ينهون عام الحرة عن الخروج على يزيد، وكما كان الحسن البصري ومجاهد وغيرهم ينهون عن الخروج في فتنة ابن الأشعث، وهكذا استقر أمر أهل السنة على ترك القتال في الفتة للأحاديث الصحيحة الثابتة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وصاروا يذكرون هذا في عقائدهم، ويأمرون بالصبر على جور الأئمة وترك قتالهم، وإن كان قد قاتل في الفتنة خلق كثير من أهل العلم والدين.

قتال أهل البغي

     وباب قتال أهل البغي والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يشتبه بالقتال في الفتنة، وليس هذا موضع بسطه، ومن تأمل الأحاديث الصحيحة الثابتة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا الباب، واعتبر أيضا اعتبار أولي الأبصار، علم أن الذي جاءت به النصوص النبوية خير الأمور، ولهذا لما أراد الحسين رضي الله عنه  أن يخرج إلى أهل العراق لما كاتبوه كتبا كثيرة أشار عليه أفاضل أهل العلم والدين، كابن عمر وابن عباس وأبي بكر بن عبدالرحمن وابن الحارث بن هشام ألا يخرج، وغلب على ظنهم أنه يقتل، حتى إن بعضهم قال: أستودع الله من قتيل، وقال بعضهم: لولا الشفاعة لأمسكتك ومنعتك من الخروج، وهم في ذلك قاصدون نصيحته طالبون لمصلحته ومصلحة المسلمين، والله ورسوله إنما يأمر بالصلاح لا بالفساد، لكن الرأي يصيب تارة ويخطئ أخرى.

لا مصلحة دين ولا مصلحة دنیا

     فتبين أن الأمر على ما قاله أولئك، ولم يكن في الخروج لا مصلحة دين ولا مصلحة دنیا، بل تمكن أولئك الظلمة الطغاه من سبط رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتی قتلوه مظلوما شهيدا، وكان في خروجه وقتله من الفساد ما لم يكن حصل لو قعد في بلده، فإن ما قصده من تحصيل الخير ودفع الشر لم يحصل منه شيء، بل زاد الشر بخروجه وقتله، ونقص الخير بذلك، وصار ذلك سببا لشر عظيم، وكان قتل الحسين مما أوجب الفتن، كقتل عثمان.

الصبر على جور الأئمة

     وهذا كله ما يبين أن ما أمر به النبي - صلى الله عليه وسلم - من الصبر على جور الأئمة وترك قتالهم والخروج عليهم هو أصلح الأمور للعباد في المعاش والمعاد، وأن من خالف ذلك متعمدا أو مخطئا لم يحصل بفعله صلاح بل فساد، ولهذا أثنى النبي - صلى الله عليه وسلم - على الحسن بقوله: «إن ابني هذا سيد، وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين» و لم يثن على أحد لا بقتال في فتنة ولا بخروج على الأئمة ولا نزع يد من طاعة ولا مفارقة للجماعة».

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك