رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: رفيقة دخان 25 يوليو، 2019 0 تعليق

كفلت الشريعة مبادئ إنسانية لحماية المدنيين في الحروب والأزمات – تربية الأطفال في ظل الكوارث والأزمات

اهتم الفقهاء المسلمون بوضع مبادئ وقواعد لقانون الحرب في الإسلام، وهي قواعد تضفي الصبغة الإنسانية على النزاع المسلح، عن طريق حماية أرواح غير المقاتلين، واحترام كرامة مقاتلي العدو، وحظر إلحاق الضرر بممتلكات العدو إلا إذا فرضت الضرورة العسكرية ذلك، أو إذا حدث الاعتداء دون قصد بوصفه ضررًا جانبيًّا وغيرها من المباديء الإنسانية التي تميزت بها الشريعة الإسلامية دون غيرها من الشرائع والقوانين.

ولا شك أن ما نشاهده اليوم في أنحاء عديدة من العالم من انتهاكات لحقوق المدنيين عموما، وحقوق الأطفال خصوصا من جرّاء اندلاع الحروب والنزاعات شيء يدعو إلى الحزن العميق؛ حيث يتأثر الأطفال بالأحداث والظروف التي تقع حولهم.

 وأرى أنه من الأهمية بمكان الإشارة للظروف والآثار النفسية الصعبة على الأطفال، بهدف الانتباه إليها، والتعامل معها مبكرا قبل أن تتفاقم وتزداد سوءاً.

توعية الأسرة والمربين

     وتشتد الحاجة في ظل الظروف القاسية والأحداث التي تمر بها الأمة إلى توعية الأسرة والمربين؛ لكيفية بث الطمأنينة في نفوس هؤلاء الأطفال، وتسعى هذه المقالات إلى تقديم المعلومات والطرائق التي تساعد في التدخل في هذه الظروف الصعبة؛ ليستفيد منها أكبر قدر ممكن من الأهل، والمهتمين، والمربين؛ ليمتلكوا عددا من الوسائل التي تؤهلهم وترشدهم للتعامل الصحيح مع الأطفال خلال الظروف الصعبة وحالات الطوارئ.

التفاعلات الاجتماعية

     ينضج الأطفال وينمون انفعاليا من خلال التفاعلات الاجتماعية الناجحة مع الآخرين، وتبين أن فاعلية وتأثير أي علاقة ناجحة وتأثيرها على الطفل تتطلب تواصلاً يتسم بالثقة والتقبل والاحترام من الراشدين نحو الأطفال؛ فإذا أردنا مساعدة الطفل في اجتياز تجربة توتر حادة؛ فعلينا التعامل مع آرائهم وأفكارهم على أنها مصادر تعلم وقوة؛ حيث إن أكثر ما يوتر الأطفال ويشغلهم هو المجهول، أي عدم وجود تصورات وتوقعات واضحة لما سيأتي بالمستقبل القريب والبعيد، كما أن تسارع الأحداث وشدتها يزيد من خوفهم وتوترهم وقلقهم.

المفاهيم لدى الأطفال

     الأطفال لم تتكون لديهم المفاهيم بعد، كالحرية، والعدالة، والابتلاء من الله، والجهاد في سبيل الله، كما أنهم عاجزون عن الوصول لقيم سامية في حياتهم، وهذا هو الذي يفرق الأطفال عن الكبار الذين تهون عليهم مصائبهم، أو يستطيعون حملها والتأقلم معها في سبيل تحقيق هذه المعاني، لكن الله -عز وجل- ميّز الأطفال بالقدرة على التعافي بأقل الآثار النفسية، وذلك من خلال توفير بيئة مناسبة لهم تتسم بالعلاقات الدافئة التي تتميز بالقبول والتقدير والاحترام لهم، كذلك منحهم الثقة بقدراتهم ومنحهم الحرية للتعبير والانفعال في نطاق مريح، يكون الكبار قدوات لهم في هذه البيئة، يتقبلونهم ويقدمون لهم المعلومات بطريقة مبسطة تساعدهم في فهم ما يجري.

تجارب الأطفال

     كما أن التجارب التي يمر بها الطفل خلال نموه تحدد الطبيعة التي سيكون عليها عند البلوغ؛ فهو ينمو ويتطور على الأصعدة الاجتماعية والثقافية والروحية، ولتحقيق نمو متوازن على هذه الأصعدة لابد من أن يعيش الطفل ضمن عائلة ترعاه، وتقدم له الحاجات الفسيولوجية اللازمة لحياته ونموه، وتحيطه بالرعاية والحب، وتولي أهمية لتعليمه وتدريبه شؤون الحياة.

الصدمات النفسية

     لكن تعرض الطفل لصدمات يؤثر في حاجاتهم الفسيولوجية والنفسية يؤدي لزعزعة النمو المتجانس لديه، وقد يؤثر -نتيجة ذلك مباشرة- في تطوره ونمو وظائفه العقلية والنفسية مدى الحياة، ويعاني الطفل لدى تعرضه لأي نوع من أنواع الصدمات النفسية، سواء ما نتج لأسباب طبيعية، كالزلازل، أم ما كان من صنع الإنسان، كالاعتداء، والعنف، والحروب، والحوادث بنتائجها وأنواعها، من فقد أحد أفراد الأسرة، أو التهجير والتشرد، أو فقد أحد الأطراف، كما قد تكون الصدمة مباشرة، بمعنى تعرضه للحدث بشخصه، أو غير مباشرة، بمعنى تعرض الطفل للصدمة نتيجة سماعه قصصاً حدثت لآخرين، ويُظهر الأطفال أنواعاً متعددة من ردود الفعل التي قد تظهر مباشرة، أو بعد أيام، أو شهور، أو حتى سنين.

صعوباتهم وردود أفعالهم

     ويعبر الأطفال عن صعوباتهم وردود أفعالهم تجاه الضغوطات والصعوبات التي تعرضوا لها، نتيجة الكوارث والحروب بأساليب مباشرة بالشكوى من الخوف، والتوتر، والضيق، وطرح التساؤلات بطريقة مفرطة، كما يعبرون بطريقة غير مباشرة عن طريق سلوكيات مختلفة وغير ملائمة للطفل؛ فقد تظهر التأتأة والتلعثم، كما قد يزداد لمسهم لأعضائهم التناسلية، أو فقدان السيطرة على عملية الإخراج؛ حيث قد يحصل لهم إما إمساك، أو عدم تحكم بالإفرازات، كما قد يصاب الطفل بالنكوص والتراجع إلى سلوكيات طفولية غير ملائمة لمرحلته العمرية التي يعيشها، والتوقف أو الإقلال من الأكل، وفقدان الشهية، أو الإفراط في تناول الطعام يعد من الأشكال البارزة للتعبير عن الاضطرابات، كما قد نلحظ اضطرابات في النوم من صعوبة في الدخول بالنوم، أو الكوابيس والمخاوف، ومن ثم الاستيقاظ المتكرر، أو الإفراط بالنوم، وصعوبة الاستيقاظ، والشعور بالتعب، والنوم لساعات طويلة، أو في الأوقات غير المعتادة للنوم.

ظواهر وأعراض

     وغالبية الآلام التي يُعبّر بها الأطفال عن توترهم ومشكلاتهم الضاغطة هي آلام في البطن والرأس، وأحيانا يشكون من آلام بالأطراف، وهذه الأعراض –غالباً- ناشئة عن تشنج العضلات الضاغطة، والتعلق بشخص واللصوق به، أو التعلق بلعبة، أو غرض معين، أو بطانية، أو حذاء، أو أي شيء يعطي الطفل الشعور بالأمان، وهذه الأمور  من صور التعبير غير المباشر عن الضغوط والصعوبات التي يشعرون بها، وهذا يوجب على المربين ملاحظة هذه السلوكيات والتنبه لها لمعرفة من الطفل الذي يقع في دائرة الخطر؟

خانة الخطر

     وقد ساعدت الأبحاث في معرفة من الطفل الذي يمكن وضعه في خانة الخطر انطلاقا من السلوك الذي يظهره، ومن المعروف أن ردود الأفعال الحادة تظهر لدى الأطفال الذين كانوا في مكان الكارثة، أو اختبروا تهديدا مباشرا لحياتهم، أو حياة من يحبون، أو تعرضوا لإصابة جسدية خطرة، أو سمعوا صراخاً واستغاثة ولم يتمكنوا من المساعدة، أو فقدوا الدعم من الكبار أثناء الكارثة، ويجب أن نلاحظ أن الصدمات التي تكون من فعل الإنسان، كالاغتصاب، والاعتداء، والتعذيب، تكون أكثر ضررا من الصدمات الناتجة عن الحوادث والكوارث التي لا مفر منها.

اضطرابات ثلاث

فأثناء الصدمة وبعدها يعاني الطفل مشاعر الذعر، والعجز، والرعب؛ ما يؤدي إلى اضطراب عاطفي حاد ومزمن، وهذا يؤدي عادة إلى ظهور اضطرابات على ثلاثة أنواع:

• اضطراب ما بعد الصدمة، القلق، واليأس، ونوبات الغضب المفاجئ، ومحاولات الانتحار، ومشكلات دراسية، ومشكلات بالذاكرة، ونقص في الانتباه والتركيز، ومشكلات في العلاقات مع الآخرين، وأشكال النكوص.

• اضطراب الضغط الحاد.

• اضطراب التكيف.

وهذه الاضطرابات تحتاج لمساعدة أخصائي نفسي ليؤازر دور الأسرة والمربين.

المهمة الأساسية

     المهمة الأساسية في تقديم الدعم للأطفال الذين شهدوا ظروفًا صعبة تكمن في توفير الدعم اللازم؛ بحيث يشعرون بأنهم ذوو قيمة، وأصحاب قدرات إيجابية، تسمح لهم بالتفاؤل بأنّ المستقبل سيكون أفضل، فتأمين الحاجات المادية الأساسية من مأكل ومشرب ومأوى وملبس، وتوفير جو عائلي يكسبهم الثقة والأمان باتصالهم ولعبهم مع الأشخاص المقربين، وإثارة خبرات جديدة، وتعليمهم من خلال التواصل واللعب مع الآخرين بأمان، وإسناد مسؤوليات داخل البيت وخارجه تشعرهم بالأهمية وتكسبهم الثقة، وتتقبَّل أخطاءهم، وتثني عليهم بتوازن، وتسمح لهم بالنشاط واللعب والحوار والتفاعل، كل هذا يعيد التوازن النفسي والعاطفي للطفل.

مؤازرة الكبار

     ونُنبِّه على وجوب مؤازرة الكبار الذين يتعاطون معهم عن قرب؛ ليتمكنوا من استعادة التفاعل مع هؤلاء الأطفال ثانية، وأخص من بين هؤلاء الكبار الأم إن وجدت أو الأم البديلة؛ حيث إن أسواء ما يمكن أن يحصل لهؤلاء الأطفال هو غياب أو فقد الأم؛ حيث إنها تُعد المصدر الأساسي لأمان الأسرة برمتها وتوازنها.

المساندة النفسية

     كما أن من المهم لأي فرد يريد توفير المساندة النفسية الاجتماعية للأطفال في حالات الطوارئ أن يتمتع بمعرفة واضحة عن مراحل تطور الطفل النفسي الاجتماعي، ولنتذكر أن مهمة الداعمين الرئيسية في تقديم الدعم لهؤلاء الأطفال، هو إشعارهم بأنهم ذوو قيمة، وأصحاب قدرات إيجابية، تسمح لهم بالنظر للمستقبل بعين متفائلة.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك