رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: مستور بن سعود السلمي 19 يونيو، 2014 0 تعليق

كـيـف نستـقـبـل شـهـر رمضــان؟


الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على المصطفى وعلى آله وصحبه وبعد:  لقد أقبل شهر الرحمات والغفران والعتق من النيران، لقد أقبل شهر الصيام القرآن والقيام فكيف لنا أن نستقبل شهراً أعطيت الأمة فيه من الخصال ما لم تعط في شهر غيره؟

وفي الصحيحينِ عن أبي هريرةَ رضي الله عنه  أن النبيّ صلى الله عليه وسلم  قَالَ: «مَنْ صَامَ رمضان إيماناً واحْتساباً غُفِرَ لَهُ ما تقدَّم مِن ذنبه» يعني: إيماناً باللهِ ورضاً بفرضيَّةِ الصَّومِ عليهِ واحتساباً لثَوابه وأجرهِ، لم يكنْ كارِهاً لفرضهِ ولا شاكّاً فيَ ثوابه وأجرهِ، فإن الله يغْفِرُ له ما تقدَم من ذنْبِه.

وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة أيضاً أن النبي  صلى الله عليه وسلم  قال: «الصَّلواتُ الخَمْسُ والجمعةُ إلى الجمعةِ ورمضانُ إلى رمضانَ مُكفِّراتٌ مَا بينهُنَّ إذا اجْتُنِبت الْكَبَائر.

فكيف نستقبل هذا الشهر العظيم؟

1- نستقبله بالتوبة الى الله الرؤوف الرحيم التواب، ثبت في الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم  أنه قال: «لله أشد فرحا بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة، فانفلتت منه، وعليها طعامه وشرابه فأيس منها فأتى شجرة فأضطجع في ظلها – قد أيس من راحلته – فبينا هو كذلك إذا هو بها قائمة عنده فأخذ بخطامها ثم قال من شدة الفرح اللهم أنت عبدي وأنا ربك – أخطأ من شدة الفرح.

     ابن القيم -رحمه الله- في مدارج السالكين؛ حيث قال: وهذا موضع الحكاية المشهورة عن بعض العارفين أنه رأى في بعض السكك باباً قد فتح وخرج منه صبي يستغيث ويبكي، وأمه خلفه تطرده حتى خرج، فأغلقت الباب في وجهه ودخلت فذهب الصبي غير بعيد ثم وقف متفكرا، فلم يجد له مأوى غير البيت الذي أخرج منه، ولا من يؤويه غير والدته، فرجع مكسور القلب حزينا. فوجد الباب مرتجا فتوسده ووضع خده على عتبة الباب ونام، وخرجت أمه، فلما رأته على تلك الحال لم تملك أن رمت نفسها عليه، والتزمته تقبله وتبكي وتقول: يا ولدي، أين تذهب عني؟ ومن يؤويك سواي؟ ألم اقل لك لا تخالفني، ولا تحملني بمعصيتك لي على خلاف ما جبلت عليه من الرحمة بك والشفقة عليك. وإرادتي الخير لك؟ ثم أخذته ودخلت.

فكيف فرحة الله بتوبة عبده؟ تخيل ذلك في نفسك.

2- استشعار الفضل العظيم والأجر الكبير المترتب على الصيام؛ لأن تجديد النية أمر مهم؛ فبعض الناس تعود على الصيام ولم يستشعر الأجر والثواب المترتب على الصيام، ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة أن رسول الله[ قال: «من صام رمضان إيمانا ً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه». قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: المراد بالإيمان: الاعتقاد بفرضية صومه. وبالاحتساب: طلب الثواب من الله تعالى. وقال الخطابي: احتسابا أي: عزيمة، وهو أن يصومه على معنى الرغبة في ثوابه طيبة نفسه بذلك غير مستثقل لصيامه ولا مستطيل لأيامه. اهـ. وقال المناوي في فيض القدير: من صام رمضان إيماناً: تصديقاً بثواب الله أو أنه حق، واحتساباً لأمر الله به، طالباً الأجر أو إرادة وجه الله، لا لنحو رياء، فقد يفعل المكلف الشيء معتقداً أنه صادق لكنه لا يفعله مخلصاً بل لنحو خوف أو رياء. وقال الإمام النووي: معنى إيماناً: تصديقاً بأنه حق مقتصد فضيلته، ومعنى احتساباً، أنه يريد الله تعالى لا يقصد رؤية الناس ولا غير ذلك مما يخالف الإخلاص.

3- استشعار الفضل العظيم والأجر الكبير المترتب على القيام في هذا الشهر عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم  قال: «من قام رمضان إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه». متفق عليه؛ فالاهتمام بالمحافظة على صلاة التراويح مع الإمام حتى ينصرف من أفضل الأعمال؛ ففي حديث أبي ذر أن النبي قال: «من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة». رواه أبو داود وغيره. فهي نصيحة بالمحافظة على القيام مع الإمام حتى ينصرف ولا يتهاون بأن يصلي أربع ركعات ثم يذهب، فبالتالي لا يحصل على الأجر المترتب على القيام مع الإمام حتى ينصرف وبالتالي كم ضيع من ثواب وأجر عظيم على نفسه بسبب تفريطه وتسويفه وكسله ولو أراد أن يصرف شيكا لانتظر ساعة وساعتين في الانتظار ولو كانت عرضة في زواج لجلس يرقص الليل كله {بل تؤثرون الحياة الدنيا والآخرة خير وابقى}(الأعلى: 16).

4- الابتعاد عن تضييع أيامه بالنوم ولياليه بالسهر فمن كان هذا ديدنه فلم يستفد من شهره شيئا، بل لربما كان وبالا عليه.

5- الحرص على تفطير الصائمين فعن زيد الجهني رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم : «من فطر صائما كان له مثل أجر صومه غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيء» رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح. غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيء. استدراك لما قد يتوهم من أن إثابته كذلك تنقص ثواب الصائم؛ وإنما لم تنقص إثابته بذلك إثابة الصائم لاختلاف جهة ثوابهما، كما لا ينقص ثواب الدال علي الهدى ثواب فاعله، ويتلمس المحاويج والفقراء ويعطف عليهم، ولاسيما الأيتام؛ فالرسول صلى الله عليه وسلم  وكافل اليتيم كهاتين في الجنة وأشار بالسبابة والتي تليها.

6- الإكثار من تلاوة القرآن الكريم وتدبر معانيه وتمعنه فعن عثمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «خيركم من تعلم القرآن و علمه».

     عن أبي أمامة رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ قال سمعت رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم  يقول: «اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه» رَوَاهُ مُسلِمٌ. فلقد عرض جبريل القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم  مرة وفي السنة الأخيرة قبل موته عليه السلام مرتين؛ فلذا كان السلف يختمون القرآن كل ثلاث ليال، وفي العشر الأخيرة كل ليلة! يا لها من همم عظيمة عرفت الدنيا والآخرة ففضلت الآخرة على الأولى قال تعالى: {وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الأولى} (الضحى: 4).

7- حفظ اللسان وبقية الجوارح عن الحرام فعن أبي هريرة رضي الله عنه  قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه»، وأن هذه الأشياء صيام الصائم في الصحيح من أقوال أهل العلم، لكنها وبدون شك تنقص من أجر الصائم، فينبغي الابتعاد عنها وتوقيها.

8- نستقبل شهر رمضان بحسن الخلق مع الناس كلهم ولاسيما المراجعين لمعاملاتهم، ولا نجعله شهر هم وحزن وطفش، وجعل الشماغ يميط به على فمه وأنفه ويقول: إني صائم، ويقصر في علمه الذي أوكل إليه من قبل ولي أمر المسلمين، أو أنه يقرأ القرآن في عمله ويقول: شهر القرآن ويقول للمراجعين إذا شربنا الماء بعد العيد راجعونا، فهذا آثم في عمله وغير مأجور، فعن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقا، وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحا، وببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه». رواه أبو داود وحسنه الألباني رحمهما الله تعالى.

وعن جابر رضي الله عنه  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم  قال: «ان من أحبكم الي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا» رواه الترمذي وحسنه الالباني.

9- ومما يستغل في هذا الشهر الإكثار من الدعاء؛ لأنه شهر الدعاء فأتت آية الدعاء بين آيات الصيام ليدل دلالة واضحة على أهمية الدعاء.

والدعاء له فضل عظيم:

قال تعالى : {وقال ربكم ادعوني أستجب لكم}(غتفر: 60)، وقال تعالى: {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون}(البقرة: 186).

وقال صلى الله عليه وسلم : «الدعاء هو العبادة»، ثم قرأ {وقال ربكم ادعوني استجب لكم}.

وقال صلى الله عليه وسلم : أفضل العبادة الدعاء.

وقال صلى الله عليه وسلم :ليس شيء أكرم على الله تعالى من الدعاء.

وقال صلى الله عليه وسلم :إن ربكم تبارك وتعالى حيي كريم يستحيي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفرا خائبتين.

وقال صلى الله عليه وسلم : لا يرد القضاء إلا الدعاء ولا يزيد في العمر إلا البر.

10- الاعتناء بالعشر الأواخر من رمضان بمزيد عبادة؛ حيث فيها ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، وكان من ديدن النبي صلى الله عليه وسلم  أنه يشد مئزره ويعتزل أهله ويحيي ليله كما قالت أم المؤمنين رضي الله عنها. 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك