كــــــوســــــوفا: تمـــــــــــــــــــدد التنصيــــــــــــر في فراغــات الفقـر والجـهل والغيــــــــــــــــــــــاب الإســـــــــــلامي
يمثل النصارى الكاثوليك في كوسوفا، نحو 5% وفق التقديرات الكنسية. بيد أن هذا الرقم الضئيل يستخدمه الفاتيكان، بوصفه فأراً ميتا؛ لتنجيس كوسوفا وألبانيا والجزء الألباني من مقدونيا. كما يستخدم آخرين من قوميات أخرى للمهمة نفسها في المنطقة. إلى جانب ذلك تعمل المنظمات التنصيرية التي تعمل تحت غطاء الإغاثة على ردة المسلمين، مستغلة البطالة والفقر والعوز وجهل أغلبية المسلمين بدينهم ، فتقدم لهم المساعدات بهدف تنصيرهم وإخراجهم من الإسلام بطرق ملتوية وأساليب غاية في الخبث والتمويه. بل إن جهات داخل قوات «كي فور» ولا سيما المختصة بالجانب المعنوي والبعثات الكنسية المرافقة لتلك القوات تقوم هي الأخرى بدور تنصيري، وفق متابعين ألبان، التقتهم «الفرقان» .
ولا توجد إحصاءات دقيقة عن عدد الذين تم تضليلهم، ولكن كل المؤشرات تؤكد أن الألبان ورغم كل المشكلات الاجتماعية والاقتصادية التي يواجهونها، يرفضون المقايضة الحقيرة التي يستخدمها النصارى في التنصير واصطياد الجهلة والضحايا من كل صنف. ويخشى من أن يكون من بين الأعداد التي تخرج من كوسوفا بسبب الأوضاع الاجتماعية بعض من تم شراؤهم بالمال .
تمدد في فراغات قاتلة:
ويزيد عدد المنظمات التنصيرية في كوسوفا وحدها عن 538 منظمة تنصيرية، في وقت تعيش فيه منظمات الإغاثة الإسلامية حالة من الانحسار، بسبب سياسة بعض الدول التي تتلقى الأوامر من حكومات غربية على صلة بالمنظمات التنصيرية . وغالبا ما تتخذ تلك الاتصالات طابعا مغايرا للحقيقة، كلافتة محاربة الإرهاب، وتجفيف ينابيعه، بينما الحقيقة هي إفراغ الساحات الإغاثية من نشاط هيئات الإغاثة الاسلامية ليخلو الجو للمنظمات التنصيرية التي لها أجندة تلتقي مع سياسات الهيمنة للدول الغربية، مثل أمريكا والدول «الاستدمارية» في أوروبا، وفي مقدمتها فرنسا، وبريطانيا، وإيطاليا، وإسبانيا وغيرها . وقد ساعد ذلك الدول والمنظمات المتحالفة معها التي تتلقى للأسف الشديد معونات سخية من أموال الدول الاسلامية التي تسهم في ميزانيات الأمم المتحدة للإغاثة؛ الأمر الذي يستدعي مراجعة شاملة لمصارف تلك الأموال من قبل الدول الأعضاء، ويمكن لمنظمة المؤتمر الإسلامي، وللبرلمانيين في العالم الإسلامي المبادرة بفتح هذه الملفات الشائكة وشديدة الخطورة، وإلا كيف يرضى بعضهم بأن يُنصَر المسلمون بأموال المسلمين؟!
وقال الباحث الألباني أمير آدمي في لقاء مع "الفرقان" إن "أعضاء الكنيسة الكاثوليكية ينشطون بشكل كبير جدا ولديهم أموال طائلة حصلوا عليها من الفاتيكان لإغراء المسلمين ولا سيما الشباب للدخول في الكاثوليكية"، وذكر أن شقيقه"تمت دعوته من قبل ثلاثة أشخاص ألبان كاثوليك ليشرب معهم القهوة، وعند الجلوس عرضوا عليه الدخول في الكاثوليكية على أن يحققوا له جميع رغباته لكنه كان مسلما واعيا فدعاهم بدوره للدخول في الإسلام مبينا لهم أن الاعتقاد بألوهية عيسى - عليه السلام - كفر، وأن عيسى لم يدع لعبادته ولم يقل إنه إله أبدا، فتركوه دون نقاش بحثا عن ضحية أخرى".
وعن الأساليب التي يعتمدها المنصرون في كوسوفا لتنصير المسلمين قال: "إلى جانب الإغراء المادي والوعود بتأشيرات عمل في أوروبا والولايات المتحدة يستشهدون بإبراهيم روغوفا الذي كان يعلق صورة بابا الفاتيكان يوحنا بولس الثاني وما نسب إليه من دعوة الألبان للردة إلى النصرانية". وتابع: "نشاط التنصير ليس وليد اللحظة، بل يعود لعقود خلت، وتزايد في عهد بابا الفاتيكان الهالك يوحنا بولس الثاني الذي أعلن في سنة 1982م عن خطة لتنصير العالم، والمناطق المسلمة في أوروبا وتركز الأمر على الألبان أكثر من غيرهم؛ نظرا للفترة التاريخية التي مروا بها تحت حكم الأنظمة الشيوعية التي نشأت في ظلها أجيال تجهل الإسلام، بل صنع من بينها أعداء ألداء للإسلام، يسهمون في تأجيج ناراً لإسلاموفوبياً في منطقة البلقان ولا سيما ألبانيا وكوسوفا والبوسنة"، وكان وزير التعليم في كوسوفا، البريطاني الجنسية، والنصراني، قد دعا إلى منع تعليم المواد الدينية الإسلامية والشرعية ضمن مناهج التعليم في مدارس الإقليم كلها إلا في المدارس المتخصصة في تعليم الشريعة، وأمر بإلغاء هذه المواد.
وأكد مدير مدرسة سليمان رضا ذلك الاعتداء السافر على تعليم الإسلام في كوسوفا:" لا نرضى بإلغاء المواد الدينية من تعليمنا، وسنستمر في تقديم هذه العلوم الشرعية من دون النظر إلى توجيهات وزير التعليم الذي لا يحق له اتخاذ مثل هذا الإجراء في أي حال ".
وأضاف مدير المدرسة التي دمرها العدوان الصربي وأعادت هيئة إغاثية سعودية أهلية تأهيلها وترميمها وتجهيزها: "إن موقفهم معاد للإسلام ولا يمكن أن يقبل به أي مواطن من مواطني الإقليم المسلم وعليهم ألا يتناسوا أنه مسلم".
وكانت هناك دعوات تحض على منع المحجبات من دخول المدارس في دولة كوسوفا .
وعلى الرغم من كل ذلك، فإن المشيخة الإسلامية تجد نفسها وحيدة في مواجهة الجهل بتعاليم الإسلام، وبإمكانات متواضعة مقابل ماكينة تنصيرية وانحلالية غربية (هناك علاقة وثيقة بين الانحلال والتنصير فهما بضاعة شيطانية واحدة)؛ حيث تصرف مليارات من الدولارات على التنصير أو إبعاد المسلمين عن الإسلام بكل الطرق .
إن العوامل التي تجعل الإسلام أكثر رسوخا كما يراها مفتي كوسوفا نعيم ترنافا في رده على أسئلة "الفرقان" هي "الاستقلال الذي احتفل بالذكرى الأولى لإعلانه في 17 فبراير الماضي. الذي يمكن 97٪ من سكان كوسوفا من حرية التدين ، والمساجد التي أعيد ترميمها أو بنيت حديثا، ويزيد عددها الآن عن 700 مسجد، والطلبة في الكلية الاسلامية والمدارس الثانوية الإسلامية الخمسة الذين يزيد عددهم عن 1550 طالبا منهم 600 طالب وطالبة في الكلية الإسلامية سيكونون دعاة في المستقبل داخل كوسوفا ".
ولا يميل مفتي كوسوفا كثيرا للاعتقاد السائد بأن "الألبان يغلب عليهم الانتماء القومي"، ويرى أن "الإسلام تعرض لتغييب طويل داخل كوسوفا، ترك فيها الكثير من الناس أداء الفروض لكنهم لم ينسوا أنهم مسلمون كما لم ينسوا أنهم ألبان، وربما يأتي الاعتقاد بأن الألبان قوميون أكثر منهم مسلمين كون القومية ليس لديها واجبات معينة تؤدى في أماكن معينة كالمساجد". وأشار المفتي إلى أن الاحتفال بالمناسبات الإسلامية مثل العيدين وخلال شهر رمضان" يعزز من أهداف ترسيخ الإسلام لدى شعب كوسوفا ولا سيما الشباب، والكثير من الطلبة ينقلون أجواء الاحتفالات إلى بيوتهم، كما يحضر تلك الاحتفالات والأنشطة العديد من المسلمين الذين أبعدوا عن دينهم دهرا طويلا". وأكد المفتي الشيخ نعيم تيرنافا على أن "المشيخة الإسلامية تعمل على إنشاء 30 دارا لحضانة الأطفال لتنشئتهم نشأة إسلامية منذ الصغر".
وعن مغزى الاحتفالات التي تمت في كوسوفا عام 2007 م بمناسبة مرور 600 عام على دخول الإسلام إلى كوسوفا قال: "إنه تذكير للشعب بأنه مسلم، وتذكير العالم بأننا مسلمون راسخون في المكان والزمان فنحن هنا الأصل، ونحن شعب أوروبي والإسلام الذي نعتنقه مر على وجوده في هذا المكان أكثر من 600 عام"، وعما إذا كان الاحتفال سيستمر سنويا، ذكر أن ذلك متروك لتقويمات أهل الرأي في المشيخة الإسلامية.
وعن دورعلماء الإسلام في بلورة مشروع الاستقلال قال مفتي كوسوفا: إن "الأئمة المسلمين هم الآباء المؤسسون لحركة التحرير الألبانية التي انطلقت من جامع محمد باشا في بريزرن في 10 يونيو 1878م ويعد المفتي عمر مدرسي إلى جانب أئمة مرموقين آخرين من أهم شخصيات حركة التحرر الوطني الألبانية.
وعن المساجد والمؤسسات الإسلامية التي تعرضت للعدوان على يد الصرب أثناء المواجهات التي تمت في سنتي 1998 و1999 قال المفتي الشيخ نعيم ترنافا: "لقد تعرضت الكثير من المنازل والمساجد للهدم والحرق منها أكثر من 100 مسجد، وكانت أوامر هدمها وحرقها تتم من قبل السلطات الدينية والسياسية الصربية، بينما جرت ردود الأفعال الألبانية من قبل أشخاص، وهذا ما تدركه الجهات الدولية في كوسوفا، فنحن ندين أي عمل يستهدف أماكن العبادة للآخرين".
وحول مشاركة الألبان في الحج قال المفتي: إن "هناك نحو ألفي حاج من كوسوفا يؤدون فريضة العمر سنويا، ونأمل أن يرتفع العدد في المستقبل، كما نأمل أن يعفى أبناء الأقليات الإسلامية والدول التي تعيش أوضاعا خاصة مثل كوسوفا من نظام الحصص المعمول به في الحج".
وعن المساعي الجارية لتدريس الإسلام في المدارس الحكومية ولا سيما الابتدائية والثانوية جدد المفتي حرصه الخاص وحرص المشيخة الاسلامية على "حق الطلبة المسلمين وغيرهم في تعلم دينهم داخل المدارس الابتدائية، أسوة بمختلف الدول المجاورة مثل صربيا وكرواتيا والبوسنة ومقدونيا وغيرها التي تدرس للطلبة مادة الدين في مدارسها". وعد القضية مسألة وقت؛ لأن الدستور في كوسوفا ينص على حرية التدين والعبادة"، ونعتقد بأن تدريس الإسلام لأبناء المسلمين يدخل في صلب هذا المبدأ الذي نرجو ترسيخه في أقرب وقت ممكن".
وأبدى المفتي تفاؤلا بهذا الخصوص لا سيما أن المشيخة الإسلامية في كوسوفا تمثل نموذجا فريدا للتسامح والتعايش بين مختلف الطوائف والأديان "والأفضل أن تتولى المشيخة الإسلامية مسؤولية توجيه النشء وتعليمه مبادئ دينه، لأن تركه يعني الاستقاء من منابع أخرى".
وقال كمال مورينا، مسؤول ملف حوار الأديان في المشيخة الإسلامية، إن الإسلام راسخ الأقدام واثق الخطى، حي في كوسوفا، لا يمكن لمساعي التنصير أن تؤثر فيه، حتى وإن تساقط بعض الأفراد، إلا أن ذلك لم يمثل ظاهرة، فالوثائق تثبت أن اعتناق الإسلام تم بين أبناء المجتمع الألباني في مختلف أنحاء البلاد خلال القرنين الخامس عشر والسابع عشر، وهناك من يرى أن تاريخ وصول الإسلام بدأ مبكراً مع معركة كوسوفا أو قوصوة 1389م. غير أن الثابت اليوم هو أن كوسوفا دولة إسلامية في أوروبا نسبة المسلمين فيها نحو 97٪. ويعتمد اقتصادها اعتمادا رئيساً على التجارة، وعوائد الدولة فيها مكونة من الجمارك التي تشكل أهم روافد موازنة الإقليم الذي يخضع حتى الآن لرقابة الأمم المتحدة.
ويذكر الكوسوفيون الدولة العثمانية بكل خير ويشيدون بطباعة السلطان عبدالحميد للكتب الألبانية في إسطنبول؛ إذ كانت المطبعة العـامرة التي بدأت العمل عام 1915م تطبع بالحرف الألباني بحسب الدراسات التي تمت بهذا الخصوص. وقد برز علماء أجلاء من أصل ألباني في مقدمتهم الشيخ العلامة محمد ناصر الدين الألباني -رحمه الله- ، المشهور بوصفه محدثاً ومحققاً، والشيخ شعيب الأرناؤوط المقيم في عمان والمولود في سكودرا في ألبانيا ثم الشيخ عبدالقادر الأرناؤوط -رحمه الله- والباحث في التحقيق والتراث العربي محمود الارناؤوط وسامي فراشري، وجميعهم كان له إسهام كبير في الثقافة والحضارة الإسلاميتين. ويرى الكوسوفيون أنهم الدولة الإسلامية الأولى في أوروبا بعد ألبانيا والبوسنة باعتبار أنهم مسلمون أصيلون على خلاف الإسلام الأوروبي الآخر، ولذا يبدو الكوسوفيون متمسكين برصد وتوثيق تاريخهم الثقافي إلى جانب البحث عن دورهم الحضاري خارج البلقان.
لاتوجد تعليقات