رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: هيثم قطب 4 أكتوبر، 2016 0 تعليق

كشمير.. هل تفجر حربا نووية؟

 جنازة (برهان) حضرها 200 ألف كشميري وتم لف جثمانه بالعلم الباكستاني نكاية في الحكومة الهندية

بينما تقف الولايات المتحدة على مسافة تميل إلى قبلة الهند قليلًا نجد موقف الصين لا يختلف كثيرًا عنها

قُتل خلال الثلاثة أشهر الماضية حوالي 70 كشميريًا وأصيب أكثر من 11 ألفًا آخرين، منهم أكثر من سبعة آلاف كشميري وأكثر من أربعة آلاف من القوات الهندية الحكومية في أجواء وصفت بأنها الأكثر عنفًا منذ انتفاضة عام 2010

 

هناك دول قليلة في العالم ذات علاقات ثنائية يمكن الإشارة إليها بوصفها حالة واضحة تمثل كراهية مطلقة، أو بالأحرى تنظر كل منهما للأخرى على أنها تهديد وجودي لها ينبغي إزالته، لا وجود للحلول الوسطى هنا، إما الخضوع التام، وإما لا، ومن هذه الدول الهند وباكستان.

     (سوشما سواراج)، وزيرة العلاقات الخارجية الهندية، تقف  أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة مطالبة الدول الأعضاء بفرض عزلة دولية على باكستان، إن لم تتخل عن استخدامها للإرهاب، ومخاطبة الحاضرين بقولها: «بيننا دول تزرع الإرهاب، وتغذيه وتُصدره، بينما أصبح إيواء الإرهابيين بطاقة التعريف الخاصة بهم، ينبغي أن نحدد هذه الدول ونحاسبها»، وبالطبع يعرف أي دبلوماسي مبتدئ مقصد (سوشما)، كان ينقصها أن تسمي باكستان صراحة، في محفل سنوي يُعرف ببروتوكولاته الدبلوماسية الهادئة، ومجاملاته التي لا حصر لها.

رد باكستاني

     بالطبع لا يمكننا توقع صمت باكستاني، وجاءت التصريحات في مستوى مقارب أيضًا، وإن كانت تصريحات دفاعية في الأيام الأخيرة؛ فنفى (نواز شريف)، رئيس الوزراء الباكستاني، أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة الخميس قبل الماضي، الاتهامات الهندية كافة، وقائلًا إن إسلام أباد ستتخذ «كافة التدابير اللازمة للحفاظ على توازن الردع»، واتهم عدداً من مسؤولي الخارجية الباكستانية الهند، على مدار الأسابيع الماضية، برعاية الإرهاب، وانتهاكات عنيفة لحقوق الإنسان في جزء (كشمير) الهندي، وبدا وكأن البلدين يتراشقان الاتهامات نفسها تمامًا، بلا تغيير.

الدماء الكشميرية

     ويمكن تجسيد المشهد الدموي بحادثة فبراير من عامنا الحالي في كشمير، الإقليم الحدودي ذي الأغلبية المسلمة، عندما قام بضعة مسلحين، في السبت 20 فبراير، بنصب كمين لقافلة عسكرية هندية، في مدينة سريناغار، إحدى مدن القسم الإداري الهندي من كشمير، والعاصمة المفترضة للإقليم، لتقتل جنديين من القوات الخاصة الهندية، وتصيب 13 آخرين، ثم لجؤوا إلى معهد دراسي حكومي، ليدخلوا في حرب عصابات مع القوات الهندية، لـ 48 ساعة كاملة، يومين قامت فيهما القوات الهندية بقصف المبنى بقذائف الهاون، والقيام بأكثر من محاولة اقتحام، وخسارة خمسة آخرين، ومدني، قبل أن يسيطروا على المبنى ويقتلوا جميع المسلحين فيه.

     تعد هذه الحادثة حادثة عادية، وروتينا حياتيا بالإقليم، روتينٌ غالبًا ما يتبناه الانفصاليون، أو المجموعة التي ترفض السيطرة الهندية والباكستانية على الإقليم، وتطالب بإقليم مستقل، ودولة منفصلة، وبينما تنفي باكستان دائمًا صلتها بهم، فإن الهند تكيل الاتهامات، مرارًا وتكرارًا، لإسلام أباد بتدريب هؤلاء الانفصاليين، وتسليحهم وتمويلهم، ثم إرسالهم للجانب الهندي ليقوموا بـ«نشر الإرهاب»، على حد تعبيرات المسؤولين الهنود.

اغتيال (برهان مظفر)

     (برهان مظفر واني)، القائد الكشميري اللامع، وزعيم (حزب المجاهدين)، أكبر التنظيمات الانفصالية في إقليم كشمير، هو شاب يبلغ من العمر 22 عامًا فقط، وبدا وكأن سنه صعَّب من مهمة استيعاب نيودلهي لتأثيره في الإقليم، إلا أن صعوده السريع، وجرأته في الظهور بوجهه، خلافًا لقيادي الحركة، والحركات الانفصالية الكشميرية عمومًا، وتسجيلاته التي لاقت رواجًا ضخمًا على مواقع التواصل الاجتماعي، وفي وسائل الإعلام، والمصوبة دائمًا في اتجاه تعزيز كراهية الحكم الهندي، دفع الهند بعرض مكافآت مالية مغرية، لمن يقدم معلومات تفضي إلى اعتقال برهان، وبينما استمر برهان في نشاطه المؤجج لرفض الحكم الهندي وكراهيته، كانت نيودلهي تسعى خلفه بكل قوتها، ما أسفر بالفعل عن مقتله جراء هجوم هندي عليه، في الثامن من يوليو  الماضي، لتبدأ بعدها أنهار الدماء.

جنازة برهان

     كان المشهد الأول، المفاجئ للهند، هو جنازة (برهان)، التي حضرها ما تم تقديره بـ 200 ألف كشميري، فيما بدا وكأن كشمير كلها تمشي في جنازته، وتم لف جثمانه بالعلم الباكستاني، نكاية في الحكومة الهندية، مع الكثير من الغضب المشتعل، والرغبة في الثأر للشاب حديث السن بالغ التأثير.

     مر منذ مقتله وحتى الآن على الإقليم أقل من ثلاثة أشهر، قُتل فيها حوالي 70 كشميريًا، على أيدي القوات الهندية، وأصيب أكثر من 11 ألفًا آخرين، منهم أكثر من سبعة آلاف كشميري، وأكثر من أربعة آلاف من القوات الهندية الحكومية، في أجواء وصفت بأنها الأكثر عنفًا منذ انتفاضة عام 2010.

     مع تزايد العنف وضعت السلطات الهندية الإقليم تحت الحكم العرفي، وأعلنت حظر التجول لحوالي 53 يومًا متتاليين، قبل أن ترفعه في 31 أغسطس الماضي، إلا أن أعمال العنف لم تنته عند هذا الحد، وبدا وكأن كشمير تخرج تراكمات (القمع الهندي)، وتسترجع ذكرى إعدام (أفضل غورو) في 2013، ولكن بطريقة أكثر عنفًا بكثير، وعلى خلفية مقتل شخص أكثر شعبية بما لا يقاس.

العودة الباكستانية

     صباح يوم الأحد، 18 من سبتمبر، استيقظ رئيس الوزراء الهندي على تقرير أمني عاجل، لم يرغب في رؤيته بالتأكيد، نقل له مقتل وإصابة العشرات من الجنود، في معسكر للجيش الهندي قرب بلدة أوري الحدودية، الواقعة قرب خط الهدنة الهندي الباكستاني في كشمير.

     هزت العملية أركان الحكومة الهندية، كونها الأعنف منذ عقدين على الأقل، وبينما يصرح مسؤول الجيش الهندي بمقتل منفذي العملية الأربعة، كان الهنود يعدون قتلاهم البالغين 18 جنديًا على الأقل، ومصابيهم الذين بلغوا أكثر من 35 آخرين، وبينما عملت المروحيات العسكرية الهندية على نقلهم إلى المستشفيات، كان أعضاء الحكومة الهندية بدءًا من رئيس الوزراء (ناريندرا مودي)، ووصولًا إلى وزير الداخلية (راجناث سينغ)، يصبون جام غضبهم واتهاماتهم على الجارة باكستان، في الساعات الأولى للعملية، وبلا انتظار لأي تحقيق.

موقف المجتمع الدولي

     تقع الولايات المتحدة بين حجري رحا، فمن ناحية تمثل الهند بالنسبة لواشنطن شريكًا استراتيجيًا اقتصاديًا لا غنى عنه، وسوقًا بالغ الضخامة للولايات المتحدة، ولاسيما في قطاعي الطاقة والتكنولوجيا؛ الأمر الذي يؤكده الجانبان في كل مؤتمر سنوي بينهما، الذي يطلق عليه (الحوار الاستراتيجي السنوي)، وتؤكده تصريحات (كيري) في مؤتمر هذا العام، نهاية أغسطس الماضي، بأن الولايات المتحدة «تشجع الحوار بين الجانبين والعمل على حل المشكلات»، تصريحات شديدة الروتينية والتقليدية، وبلا أثر حقيقي، وبلا مخاطرة بإغضاب الهند، وفي الوقت نفسه بلا تحيز لها، مراعاة لكون باكستان بوابة واشنطن الأمنية، بالغة الأهمية، لبسط سيطرتها على أفغانستان.

      وربما تبدو كشمير الآن قضية ضئيلة الأهمية، كأغلب القضايا الأخرى، في نهاية ولاية إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما، إلا أنه من المرجح أن تعود لتحتل مكانًا مناسبًا في أجندة الرئيس القادم، مع ما يبدو وكأنه عقلانية ديموقراطية، من قبل (هيلاري كلينتون)، وزيرة الخارجية السابقة المتمرسة، وما يبدو وكأنه ميل غريزي وحاد للهند إن نجح (دونالد ترامب)، لدواعي اقتصادية، وأيضًا لدواعي تهميشه الغريزي، بوصفه جمهورياً، للدول ذات الأغلبية المسلمة، إلا أن ذلك العامل الأخير لن يكون مؤثرًا كالعوامل الاقتصادية (تكنولوجيا- طاقة تحديدًا).

الموقف الصيني

     وبينما تقف الولايات المتحدة على مسافة تميل إلى قبلة الهند قليلًا، نجد موقف الصين لا يختلف كثيرًا؛ على الرغم مما روجته صحيفة (ديلي داون)الباكستانية، ومن ورائها صحف أخرى محلية، في الأيام الأخيرة، عندما قالت إن (يو بورين)، قنصل الصين العام في مدينة لاهور الباكستانية، نقل رسالة من الحكومة الصينية مفادها: إن «الصين سوف تقف مع باكستان وتدافع عنها ضد أي عدوان هندي مستقبلي».

     بالطبع نفت الصين ذلك، ولم تكتف بالنفي مرة واحدة وإنما مرتين في الأسبوع الحالي، وانتهجت سبيل الولايات المتحدة نفسها، في رؤيتها للطرفين على أنهما صديقان لبكين، ورغبتها في رؤية حوار موسع حول كشمير؛ الأمر الذي لا يختلف عند تنقلنا من دولة كبرى لأخرى؛ فالجميع تقريبًا يقفون على مسافات متساوية من الجانبين، مع ميل مفهوم لنيودلهي، الطرف الأقوى، والأكثر منفعة اقتصادية بلا جدال.

     على الرغم من ذلك، فإن أقطاب العالم الكبرى تقف بمثابة موانع ضخمة لـ«احتمالية حرب نووية»، الأمر الذي يخشاه عدد من الفاعلين في الجانبين، إلا أنه يبدو أمرًا مستبعد الحدوث، في ظل توازن ردع نووي فعال وصامد، وفي ظل معرفة أن أية حرب نووية ليس لها إلا نتيجة واحدة، وهي تدمير الدولتين، ومقتل ما لا يقل عن 12 مليون شخص من الجانبين؛ مما لا يدع مجالًا للجوء لحل كهذا، إلا أنه لا ينفي في الوقت ذاته احتمالية قيام حرب أخرى، وإن كانت مستبعدة تبعًا لفارق القوة الحالي لصالح الهند.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك