رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 28 مارس، 2018 0 تعليق

كتب وإصدارات- أثَرُ السُّنَّة النَّبَويَّة فِي تَكوِينِ العَقلِيَّة العِلمِيَّة

 لا يشك منصفٌ في تكامل المنهج العلمي الإسلامي وقوته، ولا شك أيضًا أن منهجًا مترابطًا متكاملًا، لابد وأن يكون قد نشأ على يد عقليات علمية أُعدَّت وكُوِّنت وهُيِّئت لبنائها، وعلى الرّغم من كثرة الكتابات حول العلم أو النظر العقلي أو نظرية المعرفة في القرآن أو في الإسلام عموما، إلا أن جانب دور السنة في البناء العلمي مع أهميته لم يحظَ بذلك الاهتمام، ومن هنا سطر الباحث أ. د. أَحمَد قُوشْتِي عَبْد الرَّحِيم كتابه لتجلية دور السنة النبوية في تكوين تلك العقلية وذلك عن طريق تتبُّع عناصر تكوينها في السنة النبوية القولية والفعلية من خلال هذا المصنف الذي أسماه أَثَرُ السُّنَّة النَّبَويَّة فِي تَكوِينِ العَقلِيَّة العِلمِيَّة، والكتاب يقع في (215 ص) طباعة مَركَز إِحسَان لدِرَاسَات السُّنَّة النَّبَويَّة.

عناصر تكوين العقلية العلمية

عدد الباحث عناصر تكوين العقلية العلمية من خلال السنة النبوية؛ فذكر منها:

1- الإعلاء الشديد من شأن العلم، والحث على تعلمه وتعليمه.

2- تحديد مفهوم العلم وتوسيع مجالاته.

3- ترسيخ مجموعة من القواعد المنهجية الضابطة لطرائق تحصيل العلم والمعرفة.

4- أخلاقيات العلم وآدابه.

ومن هذه العناصر التكوينيَّة نفسها كوَّن المؤلف خطة بحثه.

مقدمة الكتاب

     جعل الباحث المقدمة في الحديث عن المنهجية العلمية الإسلامية والعقليات العلمية التي ساهمت في بنائها، وافتتحه بالحديث عن تكامل المنهج العلمي الإسلامي وسبقه على كل الحضارات، وسيادته على الأمم آمادًا وقرونًا؛ حيث غيَّرت طريقة التفكير البشري، بل وألهمت الأمم تلك المنهجية؛ فنهلت منها البشرية على حد سواء، كل ذلك بفضل هذه المنهجية العلمية التي بُنيت داخل البيت الإسلامي، وأكَّد المؤلف أن تقريره هذا يشهد به الشانئين للإسلام قبل المحبين له.

المبحث الأول

     في المبحث الأول: تكلم عن الإعلاء الشديد من شأن العلم والحث على تعلمه وتعليمه، وبيَّن في فاتحته أنه لا يكاد يوجد دين اهتمَّ بالعلم وحث عليه كالإسلام، وأن أول كلمة نزلت في كتابه ودستوره هو {اقْرَأْ }(العلق: 1)، والامتنان بنعمة آلة العلم (القلم)، ثم طفق يورد النصوص الدالة على ذلك من السنة، وركَّز بحثه على النصوص التي تبيِّن العناية الشديدة بالعلم، كقوله صلى الله عليه وسلم : «طلب العلم فريضة على كل مسلم»، وقوله صلى الله عليه وسلم : «فضل العالم على العابد، كفضلي على أدناكم»، وغيرها من الأحاديث، بلغت عشرة أحاديث، معقبًا لها بذكر أقوال السلف التي تبيِّن مقصود البحث.

المبحث الثاني

     وفي المبحث الثاني جعله المؤلف لتحديد مفهوم العلم وتوسيع مجالاته، وفيه تحدث عن تباين آراء الناس في حقيقة العلم وتعريفه، وأن السَّلف لم يقفوا طويلًا عند تعريفه؛ نظرًا لوضوح هذا المصطلح وعدم احتياجه إلى الشرح، وما صحيح البخاري إلا نموذج رائع لطريقة السلف في ذلك، هذا عن مفهوم العلم في الفكر الإسلامي، بينما مفهوم العلم لدى الفكر الغربي ظل قرونًا طويلة تحت ظلمات الفلسفة، لا يفرقون بين العلم العقلي والتجريبي، ثم انفصلت عن الفلسفة فأضحى لا يطلق إلا على العلم التجريبي فحسب!!

      وبيَّن أن العلم في النصوص الشرعية يراد به كل معرفة صحيحة مبنية على الحجة والبرهان، وعقَّبه بذكر محترزات التعريف، ثم تحدث عن تقسيم العلم إلى دينية ودنيوية أو نقلية وعقلية، إنما هو باعتبار أوصافه فقط، وأن العلم في الإسلام إنما يُصنف بالشرعي وغير الشرعي، كما ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية، وهذا التقسيم يقضي على النزاع الوهمي بين العلم الشرعي وغيره من العلوم كالعلوم الطبيعية والتجريبية وغيرها.

المبحث الثالث

     وكان المبحث الثالث في: ترسيخ مجموعة من القواعد المنهجية الضابطة لطرق تحصيل العلم والمعرفة، وقد ابتدأه بذكر أهمية هذا الجانب من جوانب البحث، وتبعًا لأهميته فقد أطال المؤلف الحديث فيه؛ حيث استغرق قريبًا من نصف الكتاب، ويعد هذا المبحث أطول مباحث الكتاب، وقد سوغ المؤلف سبب ذلك في مفتتح المبحث فقال: “نظرًا لما لهذه القواعد من دور مهم وجوهري في غرس النزعة العلمية، وتخريج شخصية ذات سمات منهجية واضحة في كيفية تلقي العلوم والمعارف والتعامل معها”، ثم تحدَّث عن تنوِّع مجالات هذه القواعد بدءًا بمصادر المعرفة وكيفية تحصيلها أو اكتسابها، ومرورًا بشيوع حرية التعلم، وهو ما يظهر في صدر الإسلام بين العبيد والموالي، ثم أكَّد المؤلف أصالة هذه القواعد الإسلامية، وعدم تأثرها بأي لون من ألوان الفكر البشري، ثم شرع يتكلَّم عن هذه القواعد، وذكر منها: ذم القول بغير علم، وعدم قبول أي دعوى بلا برهان معتبر.

حرص الرسول صلى الله عليه وسلم على الربط بين كلامه، وبين ما يدل عليه من آيات القرآن الكريم، مع أن كلامه وحي، وكاف في الحجة والبرهان.

الاعتداد بسائر المصادر المعرفية المعتبرة.

     ذم الطنطنة اللفظية الفارغة التي تزيف الحقائق، وتصرف الأنظار عنها. ودعا إلى الدقة في استخدام المصطلحات، وإعادة تصحيح بعض المفاهيم الخطأ، وعدم الاقتصار على ظواهر الأشياء وعوارضها، والعناية التامة بالفهم لحقائقها، والتأكيد على أن العبرة بالكيف والحقيقة، وليس بالكم والمظهر.

التأكيد على فكرة السنن الربانية وثباتها.

الأمر بالتدبر والتفكر في آيات الله المتلوة والمنظورة.

الفصل بين كل من عالَم الغيب والشهادة، واختلاف منهجية التعامل مع كل منهما.

تعليم النساء وتعليم الأطفال والصبيان.

اتخاذ الحوار وسيلة للتعليم وحل مشكلات الأمة.

تنويع وسائل التعليم.

إلى غير ذلك من أمثال هذه القواعد التي بلغت ثمانية وثلاثين قاعدة، وقد أتبع كل قاعدة من تلك القواعد ما يدل على عناية السنة النبوية بها، وآثار السلف فيها.

المبحث الرابع

     أسفر المبحث الرابع عن: أخلاقيات العلم وآدابه، وافتتحه ببيان تفرُّد المنهج الإسلامي به من بين المناهج الأخرى؛ فلا يوجد بين الأمم أمة اهتمت بأخلاقيات العلم كأمة الإسلام على مرِّ العصور؛ فإن علماء الإسلام أقاموا فيها الدروس، وأفردوا لها التصانيف، ومن ذلك: أخلاق العلماء للآجري، وأخبار الشيوخ وأخلاقهم للمروذي، والجامع لأخلاق الراوي، وآداب السامع للخطيب البغدادي، والتبيان في آداب حملة القرآن للنووي، وعُنُوا أيضًا بالجانب الآخر؛ حيث ألَّفوا كتبًا في السلوكيات المنافية للعلم وأهله، كزغل العلم للذهبي، وتلبيس إبليس لابن الجوزي. ثم تطرَّق للحديث عن الحاجة الماسَّة إلى الأخلاقيات العلمية، ولاسيما في عصرنا الذي تضاءلت فيه قيمة العلم ومكانة أهله، مع أن الثروة الحقيقة لأي أمة هي العلم كما يشهد التاريخ والواقع.

     وأكَّد أن العلم وحده لا يكفي، بل لابد معه من الأخلاقيات العلمية، وقد حفل التراث الإسلامي بالعديد من الكتابات في الآداب عامةً وفي آداب العلم خاصة، وممن أفرده بالتصنيف؛ البخاري في الأدب المفرد، وابن مفلح في الآداب الشرعية، وابن عبد القوي في غذاء الألباب شرح منظومة الآداب، والماوردي في أدب الدنيا والدين، وغيرها كثير. كما أن هناك من الكتب المتخصصة في جانب من جوانب العلم؛ كتذكرة السامع والمتكلم لابن جماعة، والجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع للخطيب، وغيرها، ثم طفق يذكر شيئًا من تلك الآداب، ومنها: (الإخلاص، المنهجية في الطلب، الأدب مع الأستاذ والكتب والرفاق، آفات يجب أن يتجنبها العالم والمتعلم).

وأخيرًا الكتاب في مجمله خفيف وسهل واضح ونافع على اختصاره، يجلِّي لقارئه نصاعة المنهج المعرفي الإسلامي وقوة تماسكه.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك