رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الشيخ/ صالح بن فوزان الفوزان 23 أبريل، 2017 0 تعليق

كتب العقيدة ومنهجية الاستفادة منها

أقامت مؤسسة الدعوة الخيرية قبل فترة محاضرة لفضيلة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان تحت عنوان: (كتب العقيدة ومنهجية الاستفادة منها)، ونظرًا لأهمية المحاضرة وما ألقي فيها من أسئلة نعرضها بإيجاز حتى يستفيد منها القراء الكرام.

     بدأ الشيخ -حفظه الله- محاضرته ببيان أهمية عقيدة التوحيد، وأنها الأساس الذي يُبنى عليهِ هذا الذين فقال: مكث النَّبيَّ -صلى الله عليه وسلم - في مكة بعد البعثة ثلاثة عشر عامًا يدعو إلى التوحيد، وإلى إفراد الله -جَلَّ وَعَلَا- بالعبادة وترك عبادة ما سواهُ، ويقول -صلى الله عليه وسلم -: «أيَهَا النَّاس: قَولُوا لَا إِلَهَ إِلَا الله تُفْلِحُوا» وقال لقريش لما اجتمعوا إليهِ عند الصفا قال لهم: «ألا أدلكم على كلمة تملكون بِهَا الْعَرَبُ وَتُؤَدِّي إليكم أهل الأديان الأخرى الجزية؟ قالوا بلى، قَالَ: قُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ». فهذه العقيدة هي معنى هذه الكلمة العظيمة.

لَا إِلَهَ إِلَا الله

     هذه الكلمة العظيمة تعني أنه لا معبود بحقٍ إلا الله-سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- كلُّ معبُودٍ سواهُ فهو معبُودٌ بالباطل، هذه الكلمة العظيمة التي بدأ الرسُول-صلى الله عليه وسلم - بالدعوةِ إليها، ولهذا فالسور المكية كلها لترسيخ هذه العقيدة، كلها في التوحيد السور المكية؛ فهذا يدل على أن العقيدة هي الأساس، وأنهُ لا فائدة من الدعوة إلى الله بدون البداءة بالعقيدة، فالذين يدعون إلى الله ولا يبدؤون بالعقيدة ولا يهتمون بها دعوتهم فاشلة ولم تنتج شيئًا، أما الذين دعوا إلى هذه العقيدة ونشروها و بينوها فهؤلاء هم الذين أفادوا العباد والبلاد.

دعوة شيخ الإسلام ابن تيمية

     وانظروا إلى شيخ الإسلام ابن تيمية-رَحِمَهُ الله- لما تبنى هذه العقيدة ودعا إليها وبينها وقررها، وألف فيها وتلميذهُ الإمام ابن القيم أيضا-رَحِمَهُ الله- لما تلاهُ هذا المنهج وكذلك بقية تلاميذ شيخ الإسلام ابن تيمية فإنهم لما بنوا على هذا الأساس، وأصلوا دعوتهم عليهِ نجحت دعوتهم والحمد لله، وأفادت وأثمرت كتبًا كثيرةً معلومةً بأيدي المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها؛ فهذه العقيدة هي الأساس الذي يُبنى عليه سائر الدين وسائر العبادات، فعملٌ بدون عقيدة هذا عملٌ ضائع وباطل، ودعوةٌ بدون العقيدة دعوةٌ فاشلة لا ثمرة فيها، فهذه العقيدة هي أساس دين المسلمين، ويجب على الدعاة وعلى العُلماء وعلى المدرسين أن يهتموا بهذه العقيدة الصحيحة، ويبينوها للناس في المدارس، في المساجد، في المجالس لأجل أن تنتشر، ولأجل أن تُعرف، ولأجل أن تُدحض العقائد الباطلة والدعوات المخالفة لها؛ فهذه العقيدة هي أساس هذا الدين.

العقيدة هي الأساس

     فالعقيدةُ هي أساس الدين، وهي قاعة المِلة، وهي أول ما يُسأل عنه العبد إذا وضع في قبره،ِ يقول له الملائكة: من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ هذه العقيدة لابد أن يعرفها؛ حتـى يثبته الله بالقول الثابـت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، كما قال -جَلَّ وَعَلَا-: {يثبت اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} فالذي يدعي الإسلام ولا يهتم بهذه العقيدة ولا يرفع بها رأسًا هذا إذا سُئل في قبره من ربك؟ يقول: هاها لا أدري سمعت الناس يقولون شيئًا فقلته، من نبيك؟ يقول: هاها لا أدري سمعت الناس يقولون شيئًا فقلته، من ربك؟ ومن نبيك؟ وما دينك؟ يقول: ما أدري سمعت الناس يقولون شيئًا فقلته، فيُضرب -والعياذ بالله- بمرزبة من حديـد يصيـح بها صيحة يسمعها كل شيء إلا الإنسـان لو سمعها الإنسان لصعـق، يعني لمات.

الجهل بالعقيدة

     هذه النتيجة نتيجة الجهل بالعقيدة وعدم العناية بها وعدم دراستها، فالعقيدة هي الأساس فإذا ضيـعت الأساس كيف تبني هذا الدين؟ تبنيه على جرفٍ هار؟! لا يصلح هذا في دين المسلمين، فالعقيدة أمرها مهم جـدا؛ ولهذا اهتم بها علماء هذه البلاد خصوصًا وعلماء المسلمين عمومًا قديمًا وحديثًا؛ لأن بعض الناس يقول: إن الناس مسلمون، وإذا سألت أحدهم عن الإسلام يقول: أنا مسلم! ما معنى الإسلام؟ ما يدري، الرسول -صلى الله عليه وسلم - قال لعلي بن أبي طالب لما أعطاه الرايـة يوم خيبـر قال: «انْفُذْ عَلَى رِسْلِكَ حَتَّى تَنْزِلَ بِسَاحَتِهِمْ» ساحة اليهود- ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ وَأَخْبِرْهُمْ» انتبهوا! «وَأَخْبِرْهُمْ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ مِنْ حَقِّ اللَّهِ فِيهِ»ليس إسلاماً فقط، إسلام وما الذي يجب في الإسلام؟ ما أحكامه؟ يجب أن تبين للناس، تبين توضح-!«وَأَخْبِرْهُمْ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ مِنْ حَقِّ اللَّهِ تعالى فِيهِ».

طريقة الدعاة

     وكثير من الدعاة يدعو إلى الإسلام، لكن لو تسأله ما معنى الإسلام؟ لا يستطيع أن يفسره التفسير الصحيح ! وهذا للجهل بهذه العقيدة، فكيف يدعو إلى شيء وهو يجهله ولا يعرفه؟! يجب على الداعية أن يتأهل أولًا، يتأهل بداية بأمر العقيدة حتـى يستطيـع أن يدعو إلى الله على بصيرة كما قال -جَلَّ وَعَلَا-: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بصيرة أنا وَمَنْ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنْا لْمُشْرِكِينَ} فأتباع الرسول- صلى الله عليه وسلم - يدعون إلى الله على بصيرة، على علم على معرفة، لا سيما بالعقيدة، أمر العقيدة هي أساس هذا الدين، وهي التي يـجب أن يُبدأ بها بالدعوة إلى الله، كما بدأ بها الرسول- صلى الله عليه وسلم - وكما بدأ بها الدعاة المخلصون من بعده.

وبعد المحاضرة طرحت على الشيخ أسئلة عدة كان أهمها ما يلي:

- ما أهم كتب العقيدة التي يبتدئ بها طالب العلم في بداية طلبه للعلم؟

- كتاب التوحيد للشيخ محمد بن عبدالوهاب هذا في توحيد العبادة، والعقيدة الواسطية لشيخ الإسلام ابن تيمية وهذه شاملة لكل أبواب العقيدة، والعقيدة الطحاوية للإمام أبي جعفر الطحاوي- رَحِمَه ُاللهُ- ثم شروح هذه العقائد: شرح الطحاوية، شرح كتاب التوحيد، شرح العقيدة الواسطية؛ ليستفيد الإنسان ويفيد، ولأجل أن يكون على بصيرةٍ من أمره، فالأمر ليس بالسهل، الأمر أمامنا سؤال وجواب حينما نوضع في القبر أمامنا سؤال وجواب فكيف نجيب؟ ويجب أن نهتم بهذا وأن نستعد لهذا.

- هل لابد من حفظ كتب العقيدة أم يكفي الإنسان أن يطلع عليها ويقرأها؟

- لا يكفي الاطلاع عليها وقراءتها، بل لابد أن يحفظها ويقرأها على العلماء، والعلماء يشرحونها له ويبينونها له، ليست مثل الجرائد التي تطالعها، لا! لابد أن تحفظها وتقرأها على عالم بصير بالعقيدة يشرحها لك ويبيَّنها لك.

- هل لابد لي في بداية الطلب أن أحفظ كتب الأصول الثلاثة وكتاب التوحيد أم أكتفي بقراءتها متكررة؟

- لابد من مدرس يعرف هذه العقيدة وهذه الكتب، فأول شيء وجود المدرس الذي يعرف هذه الكتب، ويستطيع أن يشرحها ويبينها ثم تحفظها وتقرأها عليه وتطالع شروحها أيضًا حتى تترسخ في ذهنك وفي ذاكرتك ليس من أجل دنيا أو راتب أو مكافأة، لا؛ بل من أجل ما أمامك من المخاطر التي لا تنجو منها إلا بتوفيق الله ثم بهذه العقيدة الصحيحة، أمامك سؤال وجواب، والذي يسألك ملك من الملائكة، فاستعد لهذا.

- ما الدليل على التقسيم الذي ذكره الشيخ محمد بن عبدالوهاب فيما يتعلق بالتوحيد؟

- نعم هذا من القرآن، كل الآيات التي تتحدث عن أفعال الله كالخلق والرزق والإحياء والإماتة فهذا
توحيد الربوبية، وكل الآيات التي تأمر بعبادة الله وتأمر بالصلاة والصيام والزكاة والحج كلها في توحيد الألوهية، كل الآيات التي تدل على أسماء الله وصفاته وتنزيه الله عن مشابهة المخلوقين وعن النقائص والعيوب هذا توحيد الأسماء والصفات، فهذه أنواع التوحيد: توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات.

- ما تفسير قوله -تعالى-: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْ كُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً}؟

- نعم العقيدة واحدة، عقيدة الرسل واحدة وهي إفراد الله-جَلَّ وَعَلَا- بالعبادة، وهذه عقيدة الرسل كلهم، وأما فروع المسائل والمعاملات وأمور التعامل بين الناس فهذا كل نبيَّ أو رسول له شريعة تليق بأمته، وتليق بوقته.

- هناك قائل يقول دعوة التوحيد في بلاد التوحيد غير لازمة؛ لأن الناس يعرفون التوحيد بل يحتاجون إلى تعلم بقية أمور الأحكام الشرعية؟

- هذا لو سألته ما التوحيد ما أجابك ولا استطاع! هذا الذي يقول كل الناس يعرفون التوحيد لو نسأله عن معنى التوحيد وتفاصيله ما استطاع أن يجيب، لابد من التعلم، الدعاوى إذا لم يقيموا بيناتٍ عليها أهلها أدعياءُ؛ فلابد من التعلم، ولابد من المعرفة، ولابد من التلقي عن العلماء.

- أنا إمام مسجد وهداني الله -عَزَّ وَجَلَّ- لطلب العلم مع محافظتي على إمامة المصلين فهل أستطيع أن أنيب عني من يقوم بالصلاة للذهاب لطلب العلم والدراسة على أيدي العلماء؟

- إذا كان ذهابك قليلاً تجد من ينوب عنك ويقوم بالواجب فلا بأس هذا من التعاون على البر والتقوى.

- نحن في بلاد تكثر فيها البدع ولا نستطيع أن نظهر كتب التوحيد، فهل نستطيع أن نقوم بالدعوة إلى الله -عَزَّ وَجَلَّ- دون أن نبتدئ هؤلاء بالتوحيد لأنهم ينفرون من ذلك؟

- نعم علموهم التوحيد لكي لا ينفروا لأن من جهل شيئًا عاداه، ما نفروا منه إلا لأنهم يجهلونه؛ فعلموهم إياه بالطريقة السهلة الميسرة مع حسن الخلق معهم وتلقي مشكلاتهم والجواب عنها، وسايروهم مسايرة.

- هل يبتدئ طالب العلم بالحفظ في أول طلبه للعلم أم يكتفي بالاهتمام بالفهم؟

- كيف يفهم وهو لا يحفظ لابد من الحفظ أولًا ثم الفهم، يفهم شيئاً لم يحفظه هذا أمر غير ممكن.

- ما الكتب التي يلزم لطالب العلم أن يبدأ بحفظها بعد كتاب الله -عَزَّ وَجَلَّ-؟

- كثيرة والحمد لله؛ هي كثيرة والكتب التي تُدرس عندنا في المدارس وفي المساجد هي الكتب التي يُعتنى بها، فعليك أن تتتبعها وتعرفها.

- ما نصيحتكم للدعاة لله-عَزَّ وَجَلَّ- للذين يقدمون على دعوة التوحيد بيان الأحكام الشرعية للناس؟

- طريقة الرسل-عَلَيهُم الصَّلاة وَالسَّلام- أنهم يبدؤون بالتوحيد كل رسول يقول: (يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَالَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ)، وكل رسول يبدأ بهذا، بالدعوة إلى التوحيد، ونبينا مُحمد - صلى الله عليه وسلم - أول ما بدأ بالتوحيد فأقام في مكة ثلاثة عشر عامًا يدعو إلى التوحيد.

- هل يصح لطالب العلم المبتدئ أن يقرأ كتب السلف التي تحدثت عن الفرق الضالة فيها؟ أم ينتظر حتى يتمكن من كتب العقيدة الأساسية؟

- لا يقرأ في كتب الخلاف حتى تثبت عنده العقيدة بأصولها ومناهجها، ثم بعد ذلك إذا صار عندهُ زيادة وقت يطلع على الأمور الأخرى يوسع ثقافتهُ، يوسع اطلاعهُ.

- هل يصلح لطالب العلم أن يقرأ في الكتب الخلافية في مسائل الفقه؟

- يتدرج ويترك الكتب الخلافية، وفي أولهِ يأخذ كتاباً على قولٍ واحد في المذهب أو روايةٍ واحدة في المذهب، ثم يتدرج ويتوسع شيئًا فشيئًا، أما أنهُ أول ما يبدأ في كتب الخلاف فإنه يضيع ولا يحصل على نتيجة ويتشتت ذهنهُ.

- أنا طالب علم وابتدأت بطلب العلم منذ فترة، لكني أجد صعوبةً في فهم كتب العقيدة؟

- ما لاشك إن فيها صعوبة ولكن تصبر على هذا، واسأل العلماء وجالسهم، حتى ينفتح لك باب العلم إن شاء الله، وهو ليس شيئاً يحصل بدون جهد ودون سبب.

- ما الذي ينبغي عليَّ وأنا أطلب العلم بين القيام بواجباتي، وبين أن أقوم بطلب العلم، (يقصد واجبات العمل)؟

- يجعل وقتًا لطلب العلم، ويجعل وقتًا لعمله، ولا يتزاحم هذا مع هذا الحمد لله.

- أنا في بلدٍ تُدرَّس فيه كتب الأشاعرة في جامعاتها وفي مدارسها، فكيف لي أن أقوم بطلب العلم وأنا أدرس بين هذه الجامعات؟

- عندك العلماء تدرس عليهم. ادرس بالجامعات لا بأس، واطَّلع لا بأس، لكن العقيدة الصحيحة تلقاها عن العلماء، وعن كتب السلف الصالح، وهذا ميسور ومُيسَّر ولله الحمد.

- ما أهم الكتب التي تنصح بها في طلب العلم لطالب العلم فيما يتعلق في الرد على أهل البدع في المسائل المختلفة في العقيدة؟

- هذا يرجع إلى المدرِّس الذي أنت تدرس عنده، هو الذي يوجهك إلى الكتب المناسبة، ليشرحها لك ويبينها لك.

- ما حكم دخول طالب العلم في المواقع التي تذكر مسائل الخلاف والاختلاف بين العلماء؟

- لا يدخل فيها؛ لأنها تشوش عليه، وتُحدِث عنده شيئاً من الارتباك، فلا يطَّلع عليها، ويقتصر على القراءة في الكتب، وعلى مجالس أهل العلم، وعلى السؤال والجواب من أهل العلم. هذا الذي يريد أن يتعلم عقيدته ويتعلم أمور دينه، لا يأخذ دينه عن المواقع وعن هذه الأشياء التي ذكرها، هذه فيها ضلال وفيها كثير من الأقوال الباطلة، وفيها خليط، وفيها ناس مشبوهون يدخلونها أيضًا، ولا يتخذ هذه وسيلة للتعلم، ولا يأخذ دينه عن المواقع.

- أنا طالب علم ابتدأت في طلب العلم، ثم توظفت ثم عدت بعد ذلك، ولكني أجد صعوبة في الجلوس للاستفادة من العلماء فهل أكتفي بسماع الأشرطة؟

- لا، الأشرطة ليست بتعلم، لأن فيها الصحيح وفيها غير الصحيح، وفيها شيء لاتفهمه وقد يكون كثيرا؛ فالعلم يؤخذ عن العلماء، والأشرطة يُستفاد منها لكن لا يُعتمد عليها.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك