رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: عبد المنعم الشحات 21 نوفمبر، 2016 0 تعليق

كتابات في الدفاع عن السنة – رسالة (منزلة السنة في الإسلام وبيان أنه لا يستغنى عنها بالقرآن)للعلامة الألباني

اصطفى الله -تبارك وتعالى- محمدًا صلى الله عليه وسلم  بنبوته واختصه برسالته، فأنزل عليه كتابه وأمره أن يبيِّنه للناس سواء بيان اللفظ ونظمه أم بيان معنى اللفظ أم الجملة أم الآية مما تحتاج الأمة إلى بيانه

للسنة أهمية في التشريع؛ حيث إنه لا سبيل إلى فهم القرآن الكريم فهمًا دقيقًا إلا مقرونًا بالسنة

 

قدَّمنا في مقالة سابقة لجهود علماء الحديث على مرِّ العصور في رد السهام عن سنة النبي صلى الله عليه وسلم ، واليوم نستعرض رسالة وجيزة للعلامة الألباني في الدفاع عن قضية السنة، كانت في الأصل محاضرة؛ فنشرت في رسالة  بعنوان: (منزلة السنة من الإسلام، وبيان أنه لا يستغنى عنها بالقرآن)، وهي من الرسائل المختصرة التي يُمكن تداولها وقراءتها وتدريسها، وسنتعرض لكلام الشيخ في تلك الرسالة الماتعة، ثم بعض التعليقات والإضافات المستفادة من كلامه -رحمه الله- في رسالة (الحديث حجة بنفسه)، أو من كلام المحقق محمد عيد عباسي.

وظيفة السنة في القرآن

     قال العلامة الألباني -رحمه الله-: تعلمون جميعًا أن الله -تبارك وتعالى- اصطفى محمدًا صلى الله عليه وسلم  بنبوته، واختصه برسالته؛ فأنزل عليه كتابه القرآن الكريم، وأمره فيه -في جملة ما أمره به- أن يبيِّنه للناس، فقال تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ}. الذي أراه أن هذا البيان المذكور في هذه الآية الكريمة يشتمل على نوعين من البيان:

بيان اللفظ ونظمه

- الأول: بيان اللفظ ونظمه، وهو تبليغ القرآن، وعدم كتمانه، وأداؤه إلى الأمة كما أنزله الله -تبارك وتعالى- على قلبه صلى الله عليه وسلم ، وهو المراد بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ}، وقد قالت السيدة عائشة -رضي الله عنها- في حديث لها: «ومن حدَّثكم أن محمدًا كتم شيئًا أُمِر بتبليغه فقد أعظم على الله الفرية. ثم تلت الآية المذكورة» أخرجه الشيخان. وفي رواية لمسلم: لو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم  كاتمًا شيئًا أُمر بتبليغه لكتم قوله تعالى: {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ}.

بيان معنى اللفظ أو الجملة أو الآية

- والآخر: بيان معنى اللفظ أو الجملة أو الآية الذي تحتاج الأمة إلى بيانه، وأكثر ما يكون ذلك في الآيات المُجملة أو العامة أو المطلقة؛ فتأتي السنة فتُوضِّح المُجمل، وتُخَصِّص العام، وتُقيِّد المطلق. وذلك يكون بقوله صلى الله عليه وسلم ، كما يكون بفعله وإقراره.

ضرورة السنة لفهم القرآن

     وقوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} مثال صالح لذلك؛ فإن السارق فيه مطلق كاليد؛ فبينت السنة القولية الأول منهما، وقيدته بالسارق الذي يسرق ربع دينار، بقوله صلى الله عليه وسلم : «لا قطع إلا في ربع دينار فصاعدًا» أخرجه الشيخان. كما بينت الآخر بفعله صلى الله عليه وسلم  أو فعل أصحابه وإقراره؛ فإنهم كانوا يقطعون يد السارق من عند المفصل -كما هو معروف في كتب الحديث-، وبينت السنة القولية اليد المذكورة في آية التيمم: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ} بأنها الكف أيضًا بقوله صلى الله عليه وسلم : «التيمم ضربة للوجه والكفين». أخرجه أحمد والشيخان وغيرهم من حديث عمار بن ياسر -رضي الله عنهما.

وإليكم بعض الآيات الأخرى التي لم يمكن فهمها فهمًا صحيحًا على مراد الله تعالى إلا مِن طريق السنة.

1 - قوله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ}؛ فقد فهم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم  قوله: (بظلم) على عمومه الذي يشمل كل ظلم، ولو كان صغيرًا، ولذلك استشكلوا الآية فقالوا: يا رسول الله أينا لم يلبس إيمانه بظلم؟ فقال صلى الله عليه وسلم : «ليس بذلك، إنما هو الشرك، ألا تسمعوا إلى قول لقمان: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}. أخرجه الشيخان وغيرهما.

2 - قوله تعالى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا}؛ فظاهر هذه الآية يقتضي أن قصر الصلاة في السفر مشروط له الخوف، ولذلك سأل بعض الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالوا: ما بالنا نقصر وقد أمنا؟ قال: «صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته». رواه مسلم.

3 - قوله تعالى: {حُرِّمَت عليكم المَيتة والدم}؛ فبينت السنة القولية أن ميتة الجراد والسمك والكبد والطحال مِن الدم حلال؛ فقال صلى الله عليه وسلم : «أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ: الْجَرَادُ وَالْحُوتُ (أي السمك بجميع أنواعه) والكبد والطحال». أخرجه البيهقي وغيره مرفوعًا وموقوفًا، وإسناد الموقوف صحيح، وهو في حكم المرفوع؛ لأنه لا يُقال من قِبَل الرأي.

 4 - قوله تعالى: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ}. ثم جاءت السنة فحرمت أشياءً لم تُذكر في هذه الآية؛ كقوله صلى الله عليه وسلم : «كل ذي ناب من السباع، وكل ذي مخلب من الطير حرام». وفي الباب أحاديث أخرى في النهي عن ذلك. كقوله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر: «إن الله ورسوله ينهيانكم عن الحمر الإنسية؛ فإنها رجس». أخرجه الشيخان.

 5 - قوله تعالى: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ}؛ فبيَّنت السنة أيضًا أن من الزينة ما هو مُحرَّم؛ فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم  أنه خرج يومًا على أصحابه، وفي إحدى يديه حرير، وفي الأخرى ذهب فقال: «هذان حرام على ذكور أمتي حل لإناثهم». أخرجه الحاكم وصححه.

والأحاديث في معناه كثيرة معروفة في (الصحيحين) وغيرهما، إلى غير ذلك من الأمثلة الكثيرة المعروفة لدى أهل العلم بالحديث والفقه.

 ومما تقدَّم يتبيَّن لنا أيها الإخوة أهمية السنة في التشريع الإسلامي؛ فإننا إذا أعدنا النظر في الأمثلة المذكورة فضلًا عن غيرها مما لم نذكر، نتيقن ألا سبيل إلى فهم القرآن الكريم فهمًا إلا مقرونًا بالسنة.

معنى الظلم

     في المثال الأول فَهِمَ الصحابة (الظلم) المذكور في الآية على ظاهره ومع أنهم كانوا -رضي الله عنهم- كما قال ابن مسعود: (أفضل هذه الأمة أبرها قلوبًا، وأعمقها علمًا، وأقلها تكلفًا)؛ فإنهم مع ذلك قد أخطؤوا في ذلك الفهم، فلولا أن النبي صلى الله عليه وسلم  ردهم عن خطئهم وأرشدهم إلى أن الصواب في (الظلم) المذكور إنما هو الشرك لاتبعناهم على خطئهم، ولكن الله -تبارك وتعالى- صاننا عن ذلك؛ بفضل إرشاده صلى الله عليه وسلم وسنته.

قصر الصلاة في السفر

     وفي المثال الثاني: لولا الحديث المذكور لبقينا شاكين على الأقل في قصر الصلاة في السفر في حالة الأمن إن لم نذهب إلى اشتراط الخوف فيه، كما هو ظاهر الآية، وكما تبادر ذلك لبعض الصحابة، لولا أنهم رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم  يقصر ويقصرون معه وقد أمنوا.

تحريم الطيبات

-  وفي المثال الثالث: لولا الحديث أيضًا لحرمنا طيبات أُحلت لنا: الجراد والسمك والكبد والطحال.

- وفي المثال الرابع: لولا الأحاديث التي ذكرنا فيه بعضها لاستحللنا ما حرم الله علينا على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم من السباع وذوي المخلب من الطير.

- وكذلك المثال الخامس: لولا الأحاديث التي فيه لاستحللنا ما حرم الله على لسان نبيه من الذهب والحرير. ومن هنا قال بعض السلف: السنة تقضي على الكتاب.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك