رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د.وليد خالد الربيع 23 أغسطس، 2016 0 تعليق

{قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ}

الخبيث له إطلاقات في القرآن الكريم وهو ما يكره رداءة وخساسة وذلك يتناول الباطل في الاعتقاد والكذب في المقال والقبيح في الفعال

  الطيب هو كل ما تستلذه الحواس أو النفس ويطلق على ما خلا من الأذى والخبث ويوصف به من تخلى عن الرذائل وتحلى بالفضائل

 

من الأضداد التي ذكرت في القرآن الكريم (الطيب والخبيث)، وتعدد ذكرهما في مواضع عديدة؛ مما يؤكد ضرورة التمييز بينهما، والحرص على الطيب واجتناب الخبيث، فمن مقاصد القرآن الكريم الامتثال والعمل كما قال تعالى: {اتَّبِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ} (سورة الأعراف: 3).

     فالطيب هو كل ما تستلذه الحواس أو النفس، ويطلق الطيب على ما خلا من الأذى والخبث، ويوصف بالطيب من تخلى عن الرذائل وتحلى بالفضائل.

     كما يطلق الطيب على الحلال المستلذ من الأطعمة كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} (سورة البقرة172). ويطلق على الحسن من الكلام ومنه قوله تعالى: {والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات} (سورة النور: 26).

     وأما الخبيث فله إطلاقات في القرآن الكريم كما قال الراغب: «الخبث والخبيث: ما يكره رداءة وخساسة، محسوسا كان أم معقولا. وذلك يتناول الباطل في الاعتقاد، والكذب في المقال، والقبيح في الفعال، قال عز وجل: {ويحرم عليهم الخبائث} (سورة الأعراف: 157)، أي: ما لا يوافق النفس من المحظورات،

     وقوله تعالى: {ونجيناه من القرية التي كانت تعمل الخبائث} (سورة الأنبياء: 74)، فكناية عن إتيان الرجال.  وقال تعالى: {ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب} (سورة آل عمران: 179)، أي: الأعمال الخبيثة من الأعمال الصالحة، والنفوس الخبيثة من النفوس الزكية. وقال تعالى: {ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب} (سورة النساء: 2)، أي: الحرام بالحلال.

     وقال تعالى: {قل لا يستوي الخبيث والطيب} (سورة المائدة: 100)، أي: الكافر والمؤمن، والأعمال الفاسدة والأعمال الصالحة.  وقوله تعالى: {ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة} (سورة إبراهيم: 26)، فإشارة إلى كل كلمة قبيحة من كفر وكذب ونميمة وغير ذلك». وينبغي العلم أن الطيب ما أحله الله -سبحانه- كما قال -تعالى-: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ} (سورة المائدة: 4).

     قال الشيخ ابن عثيمين في فوائد الآية: «إن الإحلال والتحريم ليس للعباد، بل هو إلى الله -عزوجل- وقد حذرنا الله عزوجل من أن نحلل أو نحرم بأهوائنا فقال: {ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب} (النحل: 116).

     ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يستقل بالتحليل أو التحريم، وقد صرح النبي -  صلى الله عليه وسلم - بذلك؛ حيث قال للصحابة: «من أكل من هذه الشجرة الخبيثة فلا يقربن مساجدنا» فذهب الصحابة يقولون: حرمت حرمت، فبلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال لهم: «إنه ليس لي تحريم ما أحل الله، ولكني أكره ريحها» أخرجه مسلم.

     وقد نهى الله -تعالى- عن تحريم الطيبات فقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ} (سورة المائدة: 87).

     قال الشوكاني: «الطيبات: هي المستلذات مما أحله الله لعباده، نهى الذين آمنوا عن أن يحرموا على أنفسهم شيئا منها، إما لظنهم أن في ذلك طاعة لله وتقربا إليه، وأنه من الزهد في الدنيا لرفع النفس عن شهواتها، أو لقصد أن يحرموا على أنفسهم شيئا مما أحله لهم كما يقع من كثير من العوام من قولهم: حرام علي وحرمته على نفسي ونحو ذلك من الألفاظ التي تدخل تحت هذا النهي القرآني.

     قال ابن جرير الطبري: لا يجوز لأحد من المسلمين تحريم شيء مما أحل الله لعباده المؤمنين على نفسه من طيبات المطاعم والملابس والمناكح، ولذلك رد النبي  صلى الله عليه وسلم التبتل على عثمان بن مظعون. فثبت أنه لا فضل في ترك شيء مما أحله الله لعباده، وأن الفضل والبر إنما هو في فعل ما ندب الله عباده إليه، وعمل به رسول الله  صلى الله عليه وسلم ، وسنه لأمته، واتبعه على منهاجه الأئمة الراشدون».

     وقد امتن الله -تعالى- على عباده بأن رزقهم من الطيبات فقال سبحانه: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} (سورة الإسراء: 70)

     قال ابن سعدي: «وهذا من كرمه عليهم وإحسانه الذي لا يقادر قدره؛ حيث كرم بني آدم بجميع وجوه الإكرام، فكرمهم بالعلم والعقل وإرسال الرسل وإنزال الكتب، وجعل منهم الأولياء والأصفياء، وأنعم عليهم بالنعم الظاهرة والباطنة.

     {وحملناهم في البر} على الركاب من الإبل والبغال والحمير والمراكب البرية. وفي {البحر} في السفن والمراكب {ورزقناهم من الطيبات} من المآكل والمشارب والملابس والمناكح. فما من طيب تتعلق به حوائجهم إلا وقد أكرمهم الله به ويسره لهم غاية التيسير».

     وقال سبحانه: {اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ذَالِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} (سورة غافر: 64)

     قال ابن كثير: «أي: فخلقكم في أحسن الأشكال، ومنحكم أكمل الصور في أحسن تقويم، {ورزقكم من الطيبات} أي: من المآكل والمشارب في الدنيا. فذكر أنه خلق الدار، والسكان، والأرزاق، فهو الخالق الرازق».

     وأمر سبحانه بالأكل من الحلال الطيب فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا} (سورة البقرة: 168).

     قال الطبري: «يعني تعالى ذكره بذلك: يا أيها الناس كلوا مما أحللت لكم من الأطعمة على لسان رسولي محمد -  صلى الله عليه وسلم - فطيبته لكم».

وقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} (سورة البقرة: 172)

     قال القرطبي: «هذا تأكيد للأمر الأول يعني قوله تعالى{يا أيها الناس كلوامما في الأرض حلالا طيبا}، وخص المؤمنين هنا بالذكر تفضيلا. والمراد بالأكل الانتفاع من جميع الوجوه».

وأمر سبحانه بالإنفاق من الطيب فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ} (سورة البقرة: 267)

     قال ابن عباس: «أمرهم بالإنفاق من أطيب المال وأجوده وأنفسه، ونهاهم عن التصدق برذالة المال ودنيه وهو خبيثه؛ فإن الله طيب لا يقبل إلا طيبا».

     وبين القرآن الكريم أن جزاء طيب الاعتقاد والعمل هو الحياة الطيبة كما قال تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (سورة النحل: 96).

     قال ابن كثير: «هذا وعد من الله -تعالى- لمن عمل صالحا - وهو العمل المتابع لكتاب الله تعالى وسنة نبيه من ذكر أو أنثى من بني آدم، وقلبه مؤمن بالله ورسوله، وإن هذا العمل المأمور به مشروع من عند الله - بأن يحييه الله حياة طيبة في الدنيا وأن يجزيه بأحسن ما عمله في الدار الآخرة.والحياة الطيبة تشمل وجوه الراحة من أي جهة كانت».

     وبين سبحانه عاقبة الطيبين فقال تعالى: {الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُون} (سورة النحل: 32)

     قال ابن عاشور: «والطيب: بزنة فيعل، مثل قيم وميت، وهو مبالغة في الاتصاف بالطيب، وهو حسن الرائحة، ويطلق على محاسن الأخلاق وكمال النفس، فقوله تعالى هنا: {طيبين} يجمع كل هذه المعاني».

وقال القرطبي: «{وطيبين} فيه ستة أقوال:

- الأول: طيبين طاهرين من الشرك، الثاني: صالحين، الثالث: زاكية أفعالهم وأقوالهم الرابع: طيبين الأنفس ثقة بما يلقونه من ثواب الله -تعالى- الخامس: طيبة نفوسهم بالرجوع إلى الله. السادس: طيبين أن تكون وفاتهم طيبة سهلة لا صعوبة فيها ولا ألم ; بخلاف ما تقبض به روح الكافر والمخلط. والله أعلم». فنسأل الله تعالى أن يطيب قلوبنا وأعمالنا وعاقبتنا إنه سميع مجيب.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك