رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الدكتور الشيخ يوسف محمد السعيد 10 أغسطس، 2017 0 تعليق

قواعد وضوابط لنشر العقيدة السلفية

 

للدكتور الشيخ يوسف محمد السعيد رئيس قسم العقيدة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - تعليق الشيخ العلامة المفتي عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ

 

من ضوابط نشر العقيدة السلفية أن تنشر هذه العقيدة على أنها هي عقيدة المسلمين التي لا ينبغي الحِياد عنها؛ ولهذا لا ينبغي الدعوة إليها على أنها توجه ما أو فكرًا ما،  والالتزام بالمنهج السلفي في نشر العقيدة؛ إذْ لا يسوغُ عقلا ولا شرعاً أن يسعى الإنسان في نشر عقيدة السلف مع مخالفتهم في طريقة نشرها، فالله تعالى يقول: {أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون}.

القصد الحسن

     القصد الحسن في نشر هذه العقيدة؛ فلا ينبغي أن يكون قصد الإنسان المماراة أو الدعوة إلى العصبية الجاهلية؛ فالنبي -صلى الله عليه وسلم- لما قال الرجل: يا للأنصار، وقال الآخر يا للمهاجرين، قال النبي صلى الله عله وسلم : «ما بال دعوى الجاهلية؟! دعوها فإنها منتنة»، فسماها النبي صلى الله عله وسلم  دعوى الجاهلية مع كون هذين الاسمين محبوبين عند الله تعالى، لكن لما أخذا مأخذ التعصب سماها النبي صلى الله عله وسلم  دعوى الجاهلية.

ربط الناس بالوحي

     ربط الناس بالوحي وترك ما عداهُ مما يُعَارِضُهُ، وتحت هذا الضابط الدعوة للتحاكم إلى الكتاب والسنة؛ فإن النفوس تُقبل على من يدعُو إلى ربها ويعيدُها إلى الأمر الأول الذي من أجله خُلقت {فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون}.

المخاطبة بالحجج الشرعية

المخاطبة بالحجج الشرعية والحجج العقلية المقنعة؛ فالمسلمون في الجملة إذا خوطبوا بالدليل الشرعي من الكتاب والسنة رجعوا إليهما؛ لأنهم يعلمون أن هذا هو ما يقتضيه إيمانهم بالله تعالى وإيمانهم برسوله صلى الله عليه وسلم.

الاحتجاج على المخالفين

     الاحتجاج على المنكرين المخالفين بما أقروا به كما هي طريقة القرآن، فالقرآن يحتج على المنكرين لتوحيد الإلهية بما أقروا به من توحيد الربوبية قال تعالى: {ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله فأنى يؤفكون}، فتلك طريقة القرآن؛ لهذا ينبغي للداعي لنشر هذه العقيدة السلفية أن يحتج على أولئك بما اقروه وأخذوا به.

الدعوة التفصيلية

     الدعوة التفصيلية لا الإجمالية؛ فالإجمال كل يدعيه ولكن عند التفصيل تحار بعض القلوب، ومعلوم أن عقيدة السلف جزء واحد لا يتجزأ، فمن شذ عن شيء منها فقد فارقها بقدر شذوذه، ولهذا نجد من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم الدعوة التفصيلية؛ فهو صلى الله عله وسلم  أمر بعبادة الله وحده ونهى عن الشرك على وجه الإجمال ودعا إلى ذلك على وجه التفصيل، فنهى عن الاستعانة بغير الله تعالى، ونهى عن الحلف بغيره فقال: «من كان حالفا فليحلف بالله». ونهى عن التطير والسحر والكهانة فقال: «ليس منا من تَطير أو تُطير له أو سَحر أو سُحر له أو تَكهن أو تُكهن له» ونهى صلى الله عله وسلم  عن غير ذلك من أنواع والشرك.

تجَنُّبُ الحديث الضعيف

     تجَنُّبُ الاستدلال بالحديث الضعيف سواء ما كان ذلك من الأدلة النقلية أم من الأدلة العقلية، فيتجنب الاستدلال به من جهة إسناده ويتجنب الاستدلال به من جهة الدلالة، فلا يُورد أحاديث ضعيفة يستدل بها على ما يدعو إليه لأن العقائد لا تثبت بالأحاديث الضعيفة وذلك لأن الاستدلال بها من باب الظنون والعقائد مجزوم بها، وكذلك لا يورد أحاديث صحيحة وتكون دلالتها غير واضحة؛ فهذا يكون وهنا في دعوته، وكذلك الأدلة القطعية فإذا أراد أن يستدل بدليل عقلي فعليه أن يتخير من الأدلة أوضحها وأقواها ويتجنب ما عدا ذلك.

عدم التنازل عن أمور الاعتقاد

     عدم التنازل عن شيء من أمور الاعتقاد؛ لأنه ليس للداعية أن يتنازل عن شيء مما جاء في كتاب الله أو في سنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-؛ لأن الله -تعالى- قد أكمل لنا الدين قال -تعالى- {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا}.

مجموع الأقوال

 َ    خْذُ منهجِ السلف من مجموع أقوالهم لا من أفرادها، وعدم إحكام هذا الأمر جعل الكثير من طلبة العلم لحرصهم على منهج السلف يقيمون ما قام عند السلف مقام ما قام عند النبي -صلى الله عليه وسلم- فيحتجون بأفراد ما ورد على أفراد سلف الأمة، وهذا أمر ينبغي أن يتفطن له طالبُ العلم؛ فالسلف يُؤخذ منهجهم من مجموع الأقوال وأما الأفراد فلا يُؤخذ قول كل أحد على أنه يمثل السلف، فعلى سبيل المثال: نجد بعض الأئمة أخطأ في بعض الأمور فلا ينبغي أن يؤخذ خطؤه على أنه منهج السلف، مثال ذلك حديث «الصورة» فقد أخطَأَ بعضهم في تفسير حديث الصورة فلا يُقال حينئذ: إن السلف اختلفوا في حديث الصورة بل يقال: إن فلانا أخطأ، وفرق بين أن يُقال إن فلانا أخطأ ولا يؤخذ على أن منهجه يمثل منهج السلف، وأن يعامل معاملة المبتدعة، فليس الرجل من السلف يعامل معاملة المبتدعين لكن لا يُتابع على خطئه، نقل شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- في كتابه المخطوط (بيان تلبيس الجهمية) عن أبي موسى المديني قال: سمعتُ قوام السنة يقول: «أخطأ محمد بن إسحق بن خزيمة في حديث الصورة ولا يطعن عليه بذلك، بل لا يؤخذ عنه هذا فحسب».اهـ، يعني لا يؤخذ عنه خطؤه ولكن لا يجوز الطعن فيه.

ربط المتأخرين بالمتقدمين،

ربط المتأخرين بالمتقدمين، وفائدة هذا بيان وحدة المنهج والعقيدة فلا فرق بين المتقدمين منهم والمتأخرين، وعدم هذا التفريق ناتج عن كونهم يأخذون من مَعين واحد وهو الكتاب والسنة.

نشر عقيدة السلف

أنه ينبغي لمن نشر عقيدة السلف أن يسلك مسلك الحكمة، ولمسلك الحكمة مظاهر منها:

- مراعاة أحوال المدعوين من حيث علمهم وجهلهم ومن حيث مكانتهم الاجتماعية، وأحوالهم الاقتصادية وأحوالهم النفسية، فما يُقدم لطلبة العلم وما يناقشون فيه ليس هو ما يناقش فيه العامة أو يدعون إليه، فأولئك يفهمون ما يريد المتكلم من أوجه الدلالات وغيرها والآخرون ليسوا كذلك.

الحكمة

- الأخذ بالألفاظ والأساليب المناسبة لكل قوم، وهذا نجده كثيرا في طريقة أئمة الدعوة -رحمهم الله تعالى-، فنجد الإمام محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله تعالى- يخاطب الناس بما يفهمونه، فتجد ألفاظه الألفاظ العامية التي تجدها مع الناس وكأنه يخاطب قوما لا يعرفون من العربية شيئا وهكذا منهج تلاميذه؛ لأن القصد إيصال الخير إلى الناس بأي طريقة شرعية كانت.

-إظهار الشفقة والرحمة بالمدعوين وكثرة الدعاء لهم وهذا نجده أيضا في منهج إمام هذه الدعوة وهو كثيرا ما يبدأ رسائله بالدعاء لمن يكتب لهم وهذه صفة الرسل وأتباع الرسل عليهم الصلاة والسلام، فالله -جل وعلا- يقول مخبراً عن نوح عليه السلام: {قال يا قوم ليس بي ضلالة ولكني رسول من رب العالمين أبلغكم رسالة ربي وأنصح لكم وأعلم من الله ما لا تعلمون}.

-ترك الغلظة إلا فيما تدعو الحاجة إليه، قال -تعالى-: {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة} وقال تعالى: {ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك}، ولكن إذا احتيج إلى الغلظة في موضعها فلا بأس كما قال -تعالى- مخبرا عن نبيه موسى -عليه السلام- أنه قال لفرعون: «وإني لأظنك يا فرعون مثبورا». وذلك حين قال له {إني لأظنك يا موسى مسحورا} ولا يفهم من هذا: التعدي على الناس أو ظلمهم فإن هذا لا يجوز ولو كان مع كافر، بل يجب أخذه بالقسط كما قال تعالى: {يأيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط}، وقال -تعالى-: {ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا هو أقرب للتقوى}، وأنا نبهتُ إلى هذا، لأن بعض الناس قد شوهوا الدعوة السلفية بإظهار الانتماء إليها ثم القيام بأعمال تخريبية إجرامية سواء كانت مع الكفار أم المسلمين، والدعوة السلفية منها بريئة بل لربما إيغالا في الإضلال احتجوا بكتب أئمة الدعوة وأئمة الدعوة منا براءٌ.

-العناية بالأهم ثم المهم، وهذه هي طريقة الرسل -عليهم السلام- فتوحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات يوجد من يُخالف فيهما ولكن ليست تبلغ تلك المخالفة ما تبلغه المخالفة في توحيد العبادة من الكثرة؛ فقد كانت الرسل تولي العناية بتوحيد الألوهية وإن لم تكن تترك توحيد الربوبية والأسماء والصفات.

تجنب الألفاظ المجملة

     تجنب الألفاظ المجملة؛ لأن الداعية ليس قصده التعمية ولا الإلغاز وإنما قصده البيان والإيضاح، والألفاظ المجملة التي لا يتبين المراد منها تؤدي إلى الزعزعة والشك في الداعي والمدعُو إليه وهذه ليست طريق السلف وإنما هي طريقة الطوائف الباطنية التي تنتهج منهج التلبيس والتدليس، قال الله -تعالى-: {وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم}، وقال -تعالى-: {إنا أنزلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون}.

فهم مصطلحات السلف

     فهم مصطلحات السلف؛ لأن فهم مصطلحاتهم يزيل الكثير من الإشكالات الموجودة، فعلى سبيل المثال مصطلح: (الولاء والبراء) فهمه بعضُ الناس فهما سطحيا نتج عنه مخالفة للنصوص وظن أن كل متعامل مع الكفار يُعدُّ موالاة لهم وكفرا.

المنهجية الصحيحة

الأخذ بالمنهجية الصحيحة في التعامل مع الشبه المثارة ضد عقيدة السلف، فلا ينبغي أن تكون الشبهة والرد عليها مجالا لنشر عقيدة السلف وإنما يُرد على الشبهات إذا احتيج لذلك، والدعوة منطلقها الكتاب والسنة.

الدعوة للاجتماع

 الدعوة للاجتماع وترك الفرقة والاختلاف، وذلك ببيان أن هذه العقيدة السلفية تدعو إلى الاجتماع على الكتاب والسنة تحقيقا لقوله- تعالى-: {واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا}.

وجوب العدل والإنصاف

     وجوب العدل والإنصاف؛ فأهل السنة والجماعة هم أهل العدل والإنصاف لا يبخسون الناس شيئا، ولا يحمّلون أقوالهم ما لا تحتمل، والعدل كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى-: أصل السنة مبناها على الاقتصاد والاعتدال دون البغي والاعتداء. ويقول: قد قال -سبحانه-: {ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى}، فنهى أن يحمل المؤمنين بغضهم للكفار على ألا يعدلوا معهم، فكيف إذا كان البغض لفاسق أو مبتدع متأول من أهل الإيمان، وهو أولى أن يجب عليه أن يحمله ذلك على أن يعدل مع المؤمن، وإن كان ظالما له، فهذا موضعٌ عظيم المنفعة في الدين والدنيا، فإن الشيطان موكل ببني آدم وهو يعرض للجميع. انتهى.

فيجب العدل والإنصاف معهم ويحرم الظلم والبغي عليهم.

مراعاة المصالح والمفاسد

     وجوب مراعاة المصالح والمفاسد؛ فدرء المفاسد مقدم على جلب المصالح، والشرع جاء لتحصيل المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها، فكل ما أمر الله -جل وعلا- به أو أمر به رسوله -صلى الله عليه وسلم-، فمصلحته راجحة على مفسدته، ومنفعته راجحة على المضرة، وإن كرهته النفوس، والذي ينشر عقيدة السلف لا بد أن يراعي هذا الأمر جدا؛ فإنه مهم، وذلك أنه ربما حمله الحماس لنشر عقيدة السلف على ترك النظر في هذا فيؤدي هذا إلى مفاسد كبيرة.

     الضابط التاسع عشر: ترك الإلزام في المسائل الاجتهادية، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى-: كان أئمة السنة والجماعة لا يلزمون الناس بما يقولون من موارد الاجتهاد، ولا يكرهون أحدا عليه؛ ولهذا لما استشار هارون الرشيد مالك بن أنس في حمل الناس على «موطئّه» قال له: لا تفعل هذا يا أمير المؤمنين فإن أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تفرقوا في الأمصار فأخذ كل قوم عمل من كان عندهم. ونقل شيخ الإسلام -رحمه الله -أقوالا عن الأئمة في هذا ثم قال: فإذا كان هذا قولهم في الأمور العملية وفروع الدين لا يستجيزون إلزام الناس بمذاهبهم مع استدلالهم عليها بالأدلة الشرعية فكيف بإلزام الناس وإكراههم على أقوال لا توجد في كتاب الله ولا في حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم  ولا تؤثر عن الصحابة أو التابعين ولا أحد من أئمة المسلمين؟!

     ومما قاله تعليقا على هذه الضوابط فضيلة الشيخ سماحة مفتي المملكة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ – حفظه الله».. وبعد: لقد تفضل الدكتور يوسف محمد السعيد بالحديث حول هذا الموضوع، وأفاض فيه وأبدى وأعاد، وذكر الأدلة من الكتاب والسنة، ومما نقله عن علماء الأمة ذوي العلم والتقى في هذا الباب، جزى الله الشيخ يوسف على ما قال وكتب خيرا..». 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك