قواعد نبوية (3) – الاستثمار الحقيقي بعد الممات
- الموفق من يموت ويترك له آثارًا من أعمال صالحة يجري ثوابها وأجرها له بعد موته من صدقة جارية أنفذها في حياته أو علم يُنتفع به بقيت آثاره بعد مماته أو دعاء ولد صالح
- الحياة فرصة عظيمة للأحياء في أن يتاجروا مع الله تعالى ويتزودوا بالأعمال الصالحة وينيبوا إلى الله جل وعز
حديث عظيم يمثل قاعدة مهمة جدا لكل إنسان، ويضمن له استمرار الأجر والثواب حتى بعد وفاته، ثبت في الحديث الصحيح عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا مات ابنُ آدمَ انقطع عملُه إلا من ثلاثٍ: صدقةٍ جاريةٍ، وعلمٍ ينتفعُ به، وولدٍ صالحٍ يدعو له».
هذه قاعدة مهمة جدا، لابد للإنسان أن يحرص عليها؛ لأنها الاستثمار الحقيقي بعد الوفاة، بعض الناس اليوم يسعى للاستثمار إما بالأسهم أو بالبيع والشراء أو بالتجارة؛ لأجل أن ينمي ما عنده من أموال ومن خيرات، حتى يستطيع أن يستغني بنفسه عن الآخر في الأمور الدنيوية، ولكن أعظم استثمار عندما تستثمر الأجور والثواب والحسنات، عندما تتاجر مع الله -تعالى-، نعم هي تجارة مع الله -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ، تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} (الصف:10)، وقال -تعالى-: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ}، وقال -تعالى-: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ}، وقال -تعالى-: {مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ}، قرض تقدمه لله -جل وعلا-، مع أن الله -تعالى- غني عنا وعن أموالنا وعن أعمالنا وعباداتنا؛ فلذلك هي تجارة مع الله -تعالى.الحياة فرصة عظيمة
في هذا الحديث العظيم يبين النبي - صلى الله عليه وسلم - أن عمل الإنسان ينقطع بالموت؛ لانتقاله إلى دار الجزاء والحساب، ولذلك فإن الحياة فرصة عظيمة للأحياء، في أن يتزودوا بالأعمال الصالحة، وينيبوا إلى الله -تعالى- ويرجعوا إليه، ولذلك فقد نُهِي عن تمني الموت؛ لأنه بالموت تنقطع الأعمال، ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا يتمنين أحدكم الموت لضرّ نزل به؛ إن المؤمن إذا مات انقطع عمله، وإن المؤمن لن يزيده عمره إلا خيراً». وفي هذا الحديث العظيم يخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - بأن أموراً ثلاثة لا تنقطع بالموت، وإنما يجري للإنسان أجرها وثوابها بعد موته، نعم إن الموت تنقطع به الأعمال، لكن هذه الأمور الثلاثة لا تنقطع بالموت.- الأمر الأول: صدقة جارية
- الأمر الثاني: «علم يُنتفع به»
- الأمر الثالث: ولد صالح يدعو له
الآثار الصالحة بعد الممات
إن من الناس من يموت ولا يكون له أي آثار من أعمال صالحة، بل تطوى صحيفة حسناته بموته، ومن الناس مَن يوفق فيكون له آثار من أعمال صالحة وهو في عداد الأموات، لكن ثوابها وأجرها يجري له من صدقة جارية أنفذها في حياته، أو علم يُنتفع بها بقيت آثاره بعد مماته، أو دعاء ولد صالح. وكل الناس يتمنون أن يكون لهم آثار من أعمال صالحة يجري ثوابها لهم بعد مماتهم، ولكن بعض الناس يُؤتى من جهة التفريط، وطول الأمل حتى يبغته الموت، فلا يستطيع حينئذ أن يقدم ما كان يتمناه، ولهذا قال -عليه الصلاة والسلام-: «وما حق امرئ مسلم يبيت ليلتين له شيء يريد أن يوصي به إلا وصيته مكتوبة عند رأسه».. قال ابن عمر -رضي الله عنها-: «ما بت ليلة إلا وصيتي مكتوبة عند رأسي».من أوضح الواضحات
قال الشيخ عبدالعزيز ابن باز -رحمه الله-: هذا الحديث من أوضح الواضحات، يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: إذا مات ابن آدم، انقطع عمله إلا من ثلاث، يعني ينقطع عمله الذي يجري عليه بعد الموت إلا من هذه الثلاث: صدقة جارية قد وقفها، مثل: وقف مسجد يصلى فيه، أو عمارة تؤجر، ويتصدق بأجرتها، أو أرض زراعية يتصدق بما يحصل منها، أو ما أشبه ذلك، فهذه صدقة جارية، يجري عليه أجرها بعد وفاته، ما دامت ينتفع بها الناس، أو علم ينتفع به: إما كتب ألفها، وانتفع بها الناس، أو اشتراها، وأوقفها، وانتفع بها الناس من الكتب الإسلامية النافعة، أو نشره بين الناس، وانتفع به المسلمون، وتعلموا منه، وتعلم بقية الناس من تلاميذه، هذا علم ينتفع به، فإن العلم الذي مع تلاميذه، ونشروه في الناس ينفعه الله به، كما ينفعهم أيضًا، وهكذا الولد الصالح الذي يدعو له، تنفعه دعوة ولده الصالح، كما تنفعه دعوة المسلمين أيضًا، وإذا دعا له إخوانه، أو تصدقوا عنه، نفعه ذلك.
لاتوجد تعليقات