قواعد نبوية (23) ما نقصت صدقةٌ من مالٍ
- الصَّدقات يزيد الله بها الأموال ويُنزل بها البركات ويُعَوِّض الله فيها صاحبها الخير العظيم
من قواعد النبي - صلى الله عليه وسلم - العظيمة، ومن جوامع كلمه - صلى الله عليه وسلم - قوله: «ما نقصت صدقةٌ من مالٍ، وما زاد اللهُ عبدًا بعفوٍ إلا عزًّا، وما تواضع عبدٌ إلا رفعه اللهُ»، قاعدة عظيمة جدًا يحتاجها الإنسان في إنفاقه، في بذله، في عطائه، في تطوعه لله -تعالى.
عندما ينفق الإنسان من المال يظن أنه قد قلّ ماله أو نقص، قال -عليه الصلاة والسلام-: «ما نقصت صدقةٌ من مالٍ»، وهذا فيه إشارة إلى أن الله -تعالى- يبارك في مال المتصدق، وأن الله -تعالى- يبارك في ذرية المتصدق، وهي بركة عظيمة، بل إنَّ الصدقة لتطهر المال وتزكيه وتنميه، فالصدقة كلها خير وبركة؛ لذلك قال نبينا - صلى الله عليه وسلم -: «سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ في ظِلِّهِ، يَومَ لا ظِلَّ إلَّا ظِلُّهُ، ومنهم: ورَجُلٌ تَصَدَّقَ، أخْفَى حتَّى لا تَعْلَمَ شِمَالُهُ ما تُنْفِقُ يَمِينُهُ»، وهذا دليل على الإخلاص في الصدقة، الإخلاص في الإنفاق، الإخلاص في التطوع للفقراء والمساكين والبذل والعطاء لله -جل وعلا-، قال الله -تعالى-: {من ذا الذي يقرض الله مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} (البقرة:245).حاجة الإنسان إلى بذل الخير
فيحتاج الإنسان إلى أن يكون باذلا للخير، باذلا للمال، متصدقا في أوجه الخير الكثيرة جدا، مثل: الفقراء والمساكين، ونشر الخير بين المسلمين، وبناء المساجد، وحفر الآبار، وغيرها الكثير من أعمال الخير وأوجه الخير، المهم أن يكون الإنسان باذلا منفقا متصدقا، ويتعلم هذه القاعدة النبوية الكريمة (ما نقصت صدقةٌ من مالٍ)، لا تظن في يوم من الأيام أو في وقت من الأوقات أن مالك قد نقص، أو أن رصيدك قد نقص، بل الله -تعالى- يزيدك من الخير، وهذه الزيادة تكون في أمور عدة: أولا البركة في المال الذي بقي عند الإنسان؛ لأن بعض الناس عنده خير كثير، عنده الآلاف بل مئات الآلاف بل أكثر من ذلك، لكن سبحان الله! تجده مالا غير مبارك، قد يسبب له المشكلات، مال قد يورده المهالك، مال قد يكون عليه دينا، مال قد يشتري به ما حرّم الله -تعالى-، مال قد يتنافس عليه حتى الورثة فيتقاطعون؛ لأنه مال غير مبارك.المال المبارك خير على الإنسان
أما المال المبارك يكون خيرا على الإنسان، خيرا على بيته، خيرا على أولاده، خيرا على أمواله، قد تكون الزيادة أولا بالبركة، ثانيا قد تكون الزيادة وعدم النقصان بأن الله -تعالى- يفتح على العبد، يفتح على ذلك المتصدق أبوابا لم تخطر له ببال؛ لذلك قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذه القاعدة النبوية: (ما نقصت صدقةٌ من مالٍ).دعوة من النبي - صلى الله عليه وسلم
هنا لما بيّن لنا النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذه القاعدة النبوية العظيمة، وفي هذا الحديث الشريف أن الصدقة لا تُنقص المال، ولو أخذت مئة مئتين، ألف ألفين، أكثر أو أقل، فإنها لا تنقص من المال، بل تبارك فيه، هي دعوة من النبي - صلى الله عليه وسلم - لأن ينفق الإنسان النفقات الكثيرة وأن يتطوع، وأن يتصدق حتى يبارك الله له في ماله؛ فإن الصدقة نماء، فإن الصدقة خير، فإن الصدقة بركة على الإنسان وعلى أولاده.الرَّجلُ في ظلِّ صدقتِه
يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «الرَّجلُ في ظلِّ صدقتِه حتَّى يُقضَى بين النَّاسِ»، إذا تصدق يأتي يوم القيامة والصدقة تظله، وكلنا يعلم أن يوم القيامة تدنو الشمس من الخلائق مقدار ميل، فمن الناس من يكون عرقه إلى كعبيه، ومنهم من يكون إلى ركبتيه، ومنهم من يكون إلى حقويه، ومنهم من يلجمه العرق إلجاما، إلا أهل الصدقة وأهل الإنفاق، وأهل الخير فإنهم يكونون في ظل صدقاتهم يوم لا ظل إلا ظل الله. في ظل هذه الصدقات التي أنفقوها لله -جل وعلا- وأخلصوا فيها العمل لله -جل وعلا.الملائكة تدعو للمتصدق
لذلك قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ما نقصت صدقةٌ من مالٍ»، قاعدة نبوية عظيمة، على الإنسان أن يكون متصدقا وأن يكون منفقا، قال -عليه الصلاة والسلام-: «ما من يومٍ يُصبحُ العبادُ فيه إلا وملَكانِ ينزلانِ، فيقولُ أحدُهما: اللهمَّ أعطِ مُنفقًا خلفًا، ويقولُ الآخرُ: اللهمَّ أعطِ مُمْسكًا تَلفًا»، ما نقصت صدقة من مال؛ لأن الملائكة تدعو لذلك المتصدق، الملائكة تدعو لذلك المنفق، لذلك المعطي، لهذا الإنسان الكريم.الشيطان يعدكم الفقر
وكل يوم إذا لم يتصدق الإنسان، الملائكة تدعو عليه؛ لأنه لم ينفق، والله أعطاه من الخير الكثير، قال الله -جل وعلا-:{وآتوهم من مال الله الذي آتاكم}، بعض الناس ينفق ويتبرع ويبدأ بالمن على الله -تعالى! لا تمن على الله؛ لأن الله غني عنا وعن أموالنا وعن صدقاتنا، وعن كل عباداتنا، نحن المحتاجون إلى الله {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُل لَّا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُم بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ}، أنفق وتصدق؛ فما نقصت صدقة من مال، قاعدة نبوية عظيمة، وتأكد أن الشيطان سيصدك عن هذا الباب من أبواب الخير؛ لأنه دائما يذكر الإنسان بالفقر {الشيطان يعدكم الفقر}.فضل الصدقة
من الأحاديث الدالة على فضل الصدقة قوله - صلى الله عليه وسلم -: «ما منكم من أحدٍ إلا سيُكلِّمُه اللهُ يومَ القيامةِ، ليس بينه وبينه تَرجمانُ، فينظرُ أيْمنَ منه، فلا يرى إلا ما قدَّم، وينظرُ أشأَمَ منه، فلا يرى إلا ما قدَّم، وينظرُ بين يدَيه، فلا يرى إلا النَّارَ تِلقاءَ وجهِه، فاتَّقوا النَّارَ، ولو بشِقِّ تمرةٍ، ولو بكلمةٍ طيِّبةٍ»، ومن فوائد الصدقة ما يلي:
- أولًا: أنّها تطفئ غضب الله -سبحانه وتعالى- كما في قوله - صلى الله عليه وسلم -: «إن صدقة السر تطفئ غضب الرب -تبارك وتعالى».
- ثانيًا: أنّها تمحو الخطيئة، وتذهب نارها كما في قوله - صلى الله عليه وسلم -: «والصدقة تطفئ الخطيئة كما تطفئ الماء النار».
- ثالثًا: أنّها وقاية من النار كما في قوله - صلى الله عليه وسلم -: «فاتقوا النّار، ولو بشق تمرة».
- رابعًا: أنّ المتصدق في ظل صدقته يوم القيامة كما في حديث عقبة بن عامر -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «كل امرئ في ظل صدقته، حتى يقضى بين الناس». قال يزيد: «فكان أبو مرثد لا يخطئه يوم إلا تصدق فيه بشيء ولو كعكة أو بصلة»، قد ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: «رجل تصدق بصدقة فأخفاها، حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه».
- خامسًا: أنّ في الصدقة دواء للأمراض البدنية كما في قوله - صلى الله عليه وسلم -: «داووا مرضاكم بالصدقة»، يقول ابن شقيق: «سمعت ابن المبارك وسأله رجل: عن قرحةٍ خرجت في ركبته منذ سبع سنين، وقد عالجها بأنواع العلاج، وسأل الأطباء فلم ينتفع به، فقال: اذهب فاحفر بئرًا في مكان حاجة إلى الماء، فإني أرجو أن ينبع هناك عين ويمسك عنك الدم، ففعل الرجل فبرأ».
- سادسًا: إنّ فيها دواء للأمراض القلبية كما في قوله - صلى الله عليه وسلم - لمن شكى إليه قسوة قلبه: «إذا أردت تليين قلبك فأطعم المسكين، وامسح على رأس اليتيم».
- سابعًا: أنّ الله يدفع بالصدقة أنواعًا من البلاء كما في وصية يحيى -عليه السلام- لبني إسرائيل: «وآمركم بالصدقة؛ فإن مثل ذلك رجل أسره العدو فأوثقوا يده إلى عنقه، وقدموه ليضربوا عنقه، فقال: أنا أفتدي منكم بالقليل والكثير، ففدى نفسه منهم».
- ثامنًا: أنّ العبد إنّما يصل حقيقة البر بالصدقة كما جاء في قوله -تعالى-: {لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ} (سورة آل عمران: 92).
لاتوجد تعليقات