قواعد نبوية (14) (وخالق النـاس بخلـق حسـن)
- عامل الناس بما تحب أن يعاملوك به بأن تحمل نفسك على معاشرتهم بجميل المعاشرة
- من أهم ثمرات الأخلاق الحسنة أن ينال الإنسان رضى الله تعالى وأن يكون بجوار النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة
قاعدة عظيمة من قواعد النبي - صلى الله عليه وسلم -، من جوامع كلامه، قال - صلى الله عليه وسلم -: «اتَّقِ اللهَ حيثُما كنتَ، وأتبِعِ السَّيِّئةَ الحسَنةَ تَمْحُهَا، وخالِقِ النَّاسَ بخُلُقٍ حَسنٍ»، هذه القاعدة العظيمة (وخالِقِ النَّاسَ بخُلُقٍ حَسنٍ) تضمن للإنسان محبة الناس له، وتضمن له الراحة والطمأنينة، وأجورا وحسنات عظيمة، إذا تخلّق المسلم بأخلاق الإسلام، مثل: الصدق، والأمانة، ورعاية العهد، والحذر من الخيانة والكذب وغير ذلك، ويحذر من الأخلاق السيئة والأخلاق الذميمة.
ومن أهم ثمرات العمل بهذه القاعدة، أن ينال الإنسان رضى الله -تعالى-، وأن يكون بجانب النبي - صلى الله عليه وسلم - في الجنة، قال - صلى الله عليه وسلم -: «إنَّ أحبَّكم إليَّ وأقربَكم منِّي في الآخرةِ، محاسنُكم أخلاقًا»، وهذا رجاء كلنا يرجوه.منقبة عظيمة وفضل كبير
كيف يتحصل الإنسان على هذه المنقبة العظيمة والفضل الكبير؟ أن يكون بجانب النبي - صلى الله عليه وسلم -، وتعرفون أين مكان رسولنا -صلوات ربي وسلامه عليه- في الجنة، في الفردوس الأعلى، المكان الذي تتفجر منه أنهار الجنة، أعلى مراتب الجنة، يتحصل الإنسان على هذه المكانة بالعمل بهذه القاعدة: (وخالِقِ النَّاسَ بخُلُقٍ حَسنٍ)، وهذا يدلنا على أن الأخلاق لها مكانة عظيمة جدا في الإسلام، لا يقول الإنسان أنا أتعبد لله، وأنا إنسان صالح، أو أنا إنسان مصل، أو أنا إنسان على دين، وفي الوقت نفسه بعيد عن الأخلاق.ارتباط الأخلاق بالإسلام
ارتباط الأخلاق بالإسلام ارتباط وثيق جدا، قال النبي -[-: «أكملُ المؤمنينَ إيمانًا أحاسنُهم أخلاقًا»؛ فالناس يتفاوتون في الأخلاق، بعضهم على خلق كريم وعلى خلق حسن، وبعضهم بين هذه وبين تلك، وبعضهم على أخلاق سيئة، أكمل الناس بالإيمان هم أحاسن الناس بالأخلاق؛ فكما أن الله -تعالى- أمرنا بالصلاة والصيام والزكاة والحج وسائر العبادات، الله -تعالى- أيضا أمرنا بالأخلاق الكريمة والأخلاق الحسنة، قال - صلى الله عليه وسلم -: «وخالِقِ النَّاسَ بخُلُقٍ حَسنٍ».الوصايا الثلاث
وهذه الوصايا الثلاث: اتق الله حيثما كنت، تضمن نجاة العبد يوم القيامة. وأتبِعِ السَّيِّئةَ الحسَنةَ تَمْحُهَا، إذا أذنب الإنسان ذنبا يتبعه بحسنات، هذه الحسنات تمحو السيئات، وهذه علاقة الإنسان مع نفسه. وخالِقِ النَّاسَ بخُلُقٍ حَسنٍ، وهذه تكون في علاقة الإنسان بمن حوله من الجيران والأهل والزملاء والأصحاب، بل حتى في الطريق، وفي الأماكن العامة، وفي المسجد.وصية عظيمة
وخالِقِ النَّاسَ بخُلُقٍ حَسنٍ، هي وصية عظيمة، نحتاجها اليوم، ولا سيما عندما انسلخ بعض الناس أو ابتعدوا عن أخلاق الإسلام، وأصبح الكذب عند بعض الناس -مع الأسف- من أسهل ما يكون، يكذب ويتحرى الكذب، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «وما يَزالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ ويَتَحَرَّى الكَذِبَ حتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ كَذّابًا»، مع الأسف أصبحت هذه الخصلة -التي هي من خصال المنافقين- سهلة ويسيرة، يكذب على الناس، ويكذب على نفسه، ويكذب على أولاده، وهذه الخصلة الذميمة من مساوئ الأخلاق، أما الإسلام فقد أمرنا بالصدق، أن يكون الإنسان صادقا في تعامله مع غيره، صادقا حتى ولو كان ذلك على حساب نفسه، أو كان ذلك يسبب له إشكالية. قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «وما يَزالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ ويَتَحَرَّى الصِّدْقَ حتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ صِدِّيقًا»، انظروا إلى هذه المنقبة والفضل العظيم، أنه يكتب عند الله فلان بن فلان هو صديق، وكان أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - يلقب بالصديق؛ لأنه كان يصدق النبي - صلى الله عليه وسلم .العودة إلى أخلاق الإسلام
إننا اليوم أحوج ما نكون إلى أن نعود إلى أخلاق الإسلام، أخلاق نبينا - صلى الله عليه وسلم -، هذه الأخلاق التي تضمن لنا الراحة والطمأنينة والسعادة والأجر والثواب. هل أنا مأجور إذا تخلقت بالأخلاق الحسنة، وتأتيني حسنات والله يكتب لي الثواب؟ نعم، أنت مأجور عندما تحترم الكبير وترحم الصغير، وعندما تعفو وتصفح وتغفر وتتجاوز عن الآخرين، وتتغافل عن أخطاء أسرتك أو عائلتك، نعم، أنت مأجور على هذا العمل، أنت مأجور على التخلق بأخلاق الإسلام، أنت مأجور على الصدق، بل مأجور حتى على أبسط الأخلاق وهي الابتسامة. قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «تبسُّمُكَ في وجهِ أخيكَ صدقةٌ».عظمة ديننا الإسلامي
تخيل عظمة هذا الدين العظيم، وأن ديننا دين أخلاق، بل قال النبي - صلى الله عليه وسلم - مبينا أن من مقاصد بعثته ومن أهدافها قوله: «إنَّما بُعثتُ لأتمِّمَ مكارمَ الأخلاقِ»، يعني من أهداف إرسال النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه يكمل الأخلاق، وقد كان عند العرب في الجاهلية أخلاق، كرم، وأمانة، وشهامة، وغيرها من الأخلاق؛ فجاء الإسلام ليعزز تلك الأخلاق الكريمة، ويحذّر من الأخلاق السيئة.ما نحتاجه اليوم
إننا اليوم نحتاج إلى أن نتعلم أخلاق نبينا - صلى الله عليه وسلم -، ثم نجعل هذه الأخلاق واقعا عمليا في حياتنا، فليس الهدف معرفة الأخلاق معرفة نظرية، بل الهدف أن تكون تلك الأخلاق واقعا عمليا في حياتنا.كيف أعامل الناس بالأخلاق الحسنة؟
معاملة الناس بالأخلاق الحسنة تكون بمعاملتهم بما تحب أن يعاملوك به مما هو مباح شرعا، وبأن تحمل نفسك على معاشرتهم بجميل المعاشرة، من طلاقة الوجه، ولين الجانب، والتلطف في سياستهم، ومقابلة السيئة بالحسنة، ونحو ذلك، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «اتَّقِ اللهَ حيثُما كنتَ، وأتبِعِ السَّيِّئةَ الحسَنةَ تَمْحُهَا، وخالِقِ النَّاسَ بخُلُقٍ حَسنٍ». وخالِقِ النَّاسَ، أمر من المخالقة، مأخوذ من الخلق مع الخلق؛ أي: خالطهم وعاملهم بخلق حسن أي: تكلف معاشرتهم بالمجاملة في المعاملة وغيرها؛ فإن فاعل ذلك يرجى له في الدنيا الفلاح، وفي الآخرة الفوز بالنجاة والنجاح. وقال المناوي في فيض القدير: أي تكلف معاشرتهم بالمجاملة من نحو طلاقة وجه، وحلم، وشفقة وخفض جانب، وعدم ظن السوء بهم، وتودد إلى كل كبير وصغير، وتلطف في سياستهم مع تباين طباعهم. يقال: فلان يتخلق بغير خلقه، أي: يتكلف، وجمع هذا بعضهم في قوله: وأن تفعل معهم ما تحب أن يفعلوه معك، فتجتمع القلوب وتتفق الكلمة، وتنتظم الأحوال وذلك جماع الخير وملاك الأمر. اهـ. وفي شرح الأربعين النووية: وقوله: وخالق الناس بخلق حسن، معناه: عامل الناس بما تحب أن يعاملوك به، واعلم أن أثقل ما يوضع في الميزان الخلق الحسن، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة، أحاسنكم أخلاقا». وحسن الخلق من صفات النبيين والمرسلين وخيار المؤمنين، لا يجزون بالسيئة السيئة بل يعفون ويصفحون ويحسنون مع الإساءة إليهم. وقال بعض أهل العلم: حسن الخلق كظم الغيظ لله، وإظهار الطلاقة والبشر إلا للمبتدع والفاجر، والعفو عن الزالين إلا تأديبا، وإقامة الحد، وكف الأذى عن كل مسلم ومعاهد، إلا تغيير منكر وأخذا بمظلمة لمظلوم من غير تعد.
لاتوجد تعليقات