رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الشيخ: فهد الجنفاوي 25 نوفمبر، 2024 0 تعليق

قواعد نبوية  في الأخلاق والمعاملات – فضل الفقه في الدين

  • العلم حياة القلوب من الجهل ومصابيح الأبصار من الظلم ويبلَغُ العبد بالعلم منازل الأخيار والدَّرجات العلا في الدنيا والآخِرة
  • الفقه في الدِّين سببٌ لمعرفة الأحكام والتمييز بين الحلال والحرام وأداء حقِّ الله على وجهٍ صحيح
 

من القواعد النبوية العظيمة قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «مَن يُرِدِ اللَّهُ به خَيْرًا يُفَقِّهْهُ في الدِّينِ»، بمعنى أن الله -تعالى- إذا أراد بعبد خيرًا أعطاه الفقه في دين الله -تعالى-، ومعنى الفقه أي الفهم في كتاب الله، وفي سنة رسول الله، وفي العبادات.

       وهل هذا الأمر صعب؟ هل صعب أن أتعلم الدين أو الشريعة؟ لا والله، بل سهل ويسير، يقول ربنا -جل وعلا-: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ}، ويقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «بُعِثْتُ بالحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَةِ»، ويقول - صلى الله عليه وسلم -: «إنَّ هذا الدينَ يسرٌ، ولن يشادَّ الدينَ أحدٌ إلا غلبهُ، فسدِّدوا وقارِبوا وأبشِروا ويسِّروا واستعينُوا بالغَدوةِ والروحةِ وشيءٍ من الدُّلجةِ».

الفقه في الدين سهل يسير

        إذًا الفقه في الدين، الفقه في القرآن، الفقه في العبادة سهل ويسير أن يتعلم الإنسان دين الله وشريعة الله، والله -عز وجل- أمر نبيه - صلى الله عليه وسلم - أن يدعوه بالتزود من العلم، كما قال الله -تعالى-: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا}، لم يقل زدني مالا ولا منصبا ولا جاها ولا غير ذلك، بل قال: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا}، أمره الله -تعالى- أن يدعوه بأن يتزود من العلم؛ لأن العلم زكاة النفوس، وبالعلم يتعرف الإنسان على الله -تعالى- {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}.

أقرب الناس خشية لله -تعالى

          الذين عرفوا وتعلموا صفات الله وأسمائه الحسنى هؤلاء هم أقرب الناس خشية من الله -تعالى-، وكلما تعلم الإنسان وارتقى في مراتب العلم، ازداد خشية من الله؛ لذلك قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذه القاعدة العظيمة «مَن يُرِدِ اللَّهُ به خَيْرًا»، هذا الذي أراد الله به أن يكون من أهل الخير ومن أهل السعادة ومن أهل الفوز ومن أهل الجنة يفقهه في الدين.

كيف يتفقه الإنسان ويتعلم؟

         كيف يتعلم الإنسان دين الله -تعالى- ويتفقه فيه؟ المسألة ليست بالإلهام ولا بنزول الوحي؛ فقد انقطع الوحي بوفاة النبي - صلى الله عليه وسلم -، بل العلم أن يبذل الإنسان في أبواب العلم، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّما العلمُ بِالتَّعَلُّمِ، وإِنَّما الحِلْمُ بِالتَّحَلُّمِ، ومَنْ يَتَحَرَّ الخَيْرَ يُعْطَهُ، ومَنْ يَتَّقِ الشَّرَّ يُوقَهُ»، عندما يريد الإنسان أن يتعلم أمرا من الأمور، عليه أن يبذل وأن يجتهد وأن يطرق أبواب العلم، وأن يجتهد في تعلم هذا الأمر من أمور الشريعة والدين؛ فالذي يريد الله -تعالى- به خيرًا يفقه في الدين.

الفقه في الدين على نوعين

ذكر العلماء أن الفقه في الدين على نوعين:
  • النوع الأول: هو النوع الواجب الذي لا يعذر المسلم بالجهل به، هذا العلم هو العلم المتعلق بالأركان والواجبات، بمعنى لا يعذر الإنسان بأنه لا يعرف كيف يصلي؟ أو يصلي صلاة غير صحيحة، والنبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «صَلُّوا كما رَأَيْتُموني أُصلِّي»، وهذا من العلم الواجب، واجب على كل مسلم ومسلمة أن يتعلم أركان الإسلام، وأول هذه الأركان بعد التوحيد، الصلاة، يروى أنَّ رَجُلًا دَخَلَ المَسْجِدَ فَصَلَّى، ورَسولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - في نَاحِيَةِ المَسْجِدِ، فَجَاءَ فَسَلَّمَ عليه، فَقَالَ له - صلى الله عليه وسلم -: «ارْجِعْ فَصَلِّ فإنَّكَ لَمْ تُصَلِّ» فَرَجَعَ فَصَلَّى ثُمَّ سَلَّمَ، فَقَالَ - صلى الله عليه وسلم -: «وعَلَيْكَ، ارْجِعْ فَصَلِّ فإنَّكَ لَمْ تُصَلِّ» قَالَ في الثَّالِثَةِ: فأعْلِمْنِي، قَالَ - صلى الله عليه وسلم -: «إذَا قُمْتَ إلى الصَّلَاةِ، فأسْبِغِ الوُضُوءَ، ثُمَّ اسْتَقْبِلِ القِبْلَةَ، فَكَبِّرْ واقْرَأْ بما تَيَسَّرَ معكَ مِنَ القُرْآنِ، ثُمَّ ارْكَعْ حتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا، ثُمَّ ارْفَعْ رَأْسَكَ حتَّى تَعْتَدِلَ قَائِمًا، ثُمَّ اسْجُدْ حتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ ارْفَعْ حتَّى تَسْتَوِيَ وتَطْمَئِنَّ جَالِسًا، ثُمَّ اسْجُدْ حتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ ارْفَعْ حتَّى تَسْتَوِيَ قَائِمًا، ثُمَّ افْعَلْ ذلكَ في صَلَاتِكَ كُلِّهَا».
بعض الناس اليوم في الصلاة دائما في عجلة، ويريد أن ينتهي من الصلاة وكأنه طير ينقر يريد أن يأكل من الأرض، وهذا مما نهى عنه النبي - صلى الله عليه وسلم -، بل قال: «ارجع فصلي فإنك لم تصلي» فعلمه الطمأنينة في جميع أركان الصلاة، قال: «ثم اركع حتى تطمئن راكعا، ثم ارفع حتى تطمئن رافعا، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا» فالسجود يحتاج إلى طمأنينة وخشوع وحضور قلب. لا تصلِ الصلاة بعجلة؛ لذلك قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «من يرد الله به خيرا يفقه في الدين» يتعلم الصلاة، يتعلم الطهارة والوضوء؛ فبعض الناس يتوضأ لكن وضوءه غير صحيح، أو وضوءا يكون فيه أخطاء، والحمد لله اليوم مع انتشار وسائل العلم أصبح الإنسان يستطيع أن يتعلم وهو في بيته، يتعلم عن بعد، فبرامج العلم وكلام أهل العلم مبثوث وموجود في المواقع العلمية الصحيحة المعتمدة، ويستطيع الإنسان أن يرجع إليها. والأفضل أن يذهب ويجلس في حلقات العلم؛ فقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «وَمَن سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فيه عِلْمًا، سَهَّلَ اللَّهُ له به طَرِيقًا إلى الجَنَّةِ».  

الفقه في الدين من آيات السعادة

        الفقه في الدِّين والعمل به عن إخلاصٍ لربِّ العالمين من آيات السعادة، ومن أسباب نَيْلِ الحسنى والزِّيادة؛ إذ الفقه في الدِّين سببٌ لمعرفة الحكم والأحكام، والتمييز بين الحلال والحرام، وأداء حقِّ الله على وجهٍ صحيح، والتوبة إلى الله من القبيح؛ ولذا امتنَّ الله -تعالى- على سليمان -عليه السلام- بما خصَّه به من الفَهْمِ، وأمر محمدًا - صلى الله عليه وسلم - أنْ يطلب المزيد من العِلم، فكان - صلى الله عليه وسلم - يقول: «اللهم علِّمني ما ينفَعُني، وانفَعني بما علَّمتني، وزِدني عِلمًا». وقال معاذ بن جبل - رضي الله عنه -: تعلَّموا العلم؛ فإنَّ تعلُّمه لله خشية، وطلبَه عبادة، ومُذاكَرته تسبيحٌ، والبحث عنه جِهادٌ، وتعليمه لِمَن لا يعلَمُه صدقة، وبذله لأهله قربة؛ لأنَّه معالم الحلال والحرام، ومَنار سبيل أهل الجنة، وهو الأنيس في الوحشة، والصاحب في الغربة، والمحدِّث في الخلوة، والدليل على السرَّاء والضرَّاء، والسِّلاح على الأعداء، والزَّين عند الأخلاَّء، يرفَعُ الله به أقوامًا فيجعلهم في الخير قادَةً تُقتَفَى آثارهم، ويُقتَدى بفعالهم، ويُنتَهى إلى رأيهم، وترغَبُ الملائكة في مُجالَستهم، وبأجنحتها تحفُّهم، ويستَغفِر لهم كلُّ رطبٍ ويابس، وحِيتان البحر وهوامه، وسِباع البر وأنعامه؛ لأنَّ العلمَ حياة القلوب من الجهل، ومصابيح الأبصار من الظلم، يبلَغُ العبد بالعلم منازل الأخيار والدَّرجات العلا في الدنيا والآخِرة، التفكُّر فيه يعدل الصيام، ودِراسته تعدل القيام، به تُوصَل الأرحام، وبه يُعرَف الحلال من الحرام، وهو إمام العمل والعمل تابعه، يُلهَمه السُّعَداء، ويُحرَمه الأشقياء. ورُوِي عن أمير المؤمنين عليٍّ - رضي الله عنه - أنَّه قال: «الناس ثلاثة: فعالِمٌ رباني، ومتعلِّم على سبيل نَجاة، وهمج رعاع أتباع كلِّ ناعق، يَمِيلون مع كلِّ ريح، لم يستَضِيئوا بنور العلم، ولم يلجؤوا إلى رُكنٍ وَثِيقٍ، العلم خيرٌ من المال؛ العلم يحرُسك وأنت تحرُس المال، والعِلم يَزكُو مع الإنفاق والمال تنقصه النَّفَقة، العلم حاكمٌ والمال محكومٌ عليه، ومحبَّة العلم دين يُدان لله بها، والعلم يكسب العالم الطاعة في حَياته، وجميل الأحدوثة بعد وفاته، وضيعة المال تزول بزَواله، مات خُزَّان الأموال وهم أحياء، والعُلَماء باقون ما بقي الدَّهر، أعيانهم مفقودة، وأمثالهم في القلوب موجودة».

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك