قواعد نبوية في الأخلاق والمعاملات – الإحسان إلى الجار
- للجيران في الإسلام منزلة عظيمة ولقد أوصانا الله تعالى في كتابه العزيز وعلى لسان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بالجيران خيراً وإن كانوا غير مسلمين
قاعدة نبوية عظيمة من كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - وهديه، تمثل أساسًا متينًا للعلاقات الاجتماعية بين المسلمين ولا سيما الجيران، هذه القاعدة هي قول النبي -صلى الله عليه وسلم -: «مَن كان يؤمِنُ باللهِ واليومِ الآخِرِ فلْيُحسِنْ إلى جارِه»، وقال الله -تعالى-: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} إلى قوله -تعالى-: {وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ}، فبيّن -سبحانه- أنَّ هؤلاء الأصحاب وهؤلاء الجيران لهم حقوق، وأن أداء حقوقهم خصلة من خصال الإيمان.
«مَن كان يؤمِنُ باللهِ واليومِ الآخِرِ فلْيُحسِنْ إلى جارِه». الإحسان إلى الجار، احترامه، تقديره، رعايته، الاهتمام به هذا كله من الإيمان ومن الدين؛ لذلك قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ما زال جبريلُ يوصيني بالجارِ حتَّى ظننتُ أنه سيورِّثُه»، بمعنى أن جبريل كان ينزل بالوحي بالآيات والأحكام الشرعية على النبي - صلى الله عليه وسلم -، ودائما مرة بعد مرة كان يوصيه بالجار؛ لذلك كان النبي - صلى الله عليه وسلم - حريصًا على جيرانه، يتعاهدهم بالسؤال والهدية.وصية النبي - صلى الله عليه وسلم - للصحابة
وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - أيضًا يوصي الصحابة بالجيران والإيثار لهم، قال - صلى الله عليه وسلم -: «واللهِ لا يؤمِنُ، واللهِ لا يؤمِنُ، واللهِ لا يؤمِنُ، قالوا: وما ذاكَ يا رسولَ اللهِ؟ قال: جارٌ لا يؤمنُ جارُهُ بوائقَهُ، قالوا: يا رسولَ اللهِ، وما بوائقُهُ؟ قال شرُّهُ»، دائما يكون في خوف من الجار، إما أن يؤذيه في بيته أو في أولاده، أو يتجسس عليه، أو غير ذلك. وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «مَن كان يؤمِنُ باللهِ واليومِ الآخِرِ» بمعنى أن من أدلة الإيمان أن الإنسان يراعي جاره، وأنَّ الجار له مكانة عظيمة في الإسلام، والاهتمام به من الشريعة ومن الدين، ورعايته خصلة من خصال الإيمان.واقع الحال اليوم
مع الأسف اليوم أصبح بعض الجيران لا يعرفون جيرانهم إلا من رحم الله، لا يسألون عنهم ولا عن أحوالهم، ولا يُهدي لهم ولا يزورهم، لا يشاركهم في أفراحهم أو أتراحهم، النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يكرم جيرانه ويُهدي لهم؛ فعن أبي ذر - رضي الله عنه - الله عنه قال: «أوصاني خليلي: إذا طبختَ فأكثِر من المَرقِ، ثمَّ انظُر بعضَ أهلِ بيتٍ من جيرانِك فاغرِف لهم منها»، وهذه الوصية وصية عظيمة جدا تضمن للإنسان السعادة، إذا كان الإنسان يأمن جيرانه الذين عن يمينه وعن شماله وأمامه وخلفه أو من كان أبعد منهم، إذا أمنهم على نفسه وأهل بيته يجد الراحة والطمأنينة.مراعاة حق الجار
فعلى الإنسان أن يراعي جاره وأن يهتم به فهذا من كمال الإيمان «مَن كان يؤمِنُ باللهِ واليومِ الآخِرِ فلْيُحسِنْ إلى جارِه»، الإحسان إلى الجار طاعة لله -تعالى-، يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «يا نِساءَ المُسْلِماتِ، لا تَحْقِرَنَّ جارَةٌ لِجارَتِها، ولو فِرْسِنَ شاةٍ»، وهو ظفر الشاة، يعني لا تحتقر أن تهدي لجارتها ولو كان أمرا يسيرا.من أنواع إيذاء الجار
ومن أنواع عدم احترام الجار وأذيته، أذيته باللسان، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: «قالوا: يا رَسولَ اللهِ، فُلانةُ تَصومُ النَّهارَ وتَقومُ اللَّيلَ، وتُؤذي جيرانَها، قال: هيَ في النَّارِ، قالوا: يا رَسولَ اللهِ، فُلانةُ تُصلِّي المَكتوباتِ، وتَصَّدَّقُ بِالأَثوارِ مِنَ الأَقِطِ، وَلا تُؤذي جيرانَها، قال: هيَ في الجنَّةِ»، هذه المرأة ليس لها مثيل في صلاحها وصلاتها وصدقاتها، لكن عندها إشكالية وهي أنها تؤذي جيرانها بلسانها. قالوا: يا رسول الله، ولكنها تؤذي جيرانها بلسانها، قال: قال: هيَ في النَّارِ، بسبب أنها تؤذي جيرانها بلسانها.إيذاء الجار معصية لله -تعالى
فعلى الإنسان ألا يؤذي جاره لا بفعل ولا بقول؛ فإيذاء الجار هو معصية لله -تعالى-، واحترام الجار وتقديره وتبجيله والإيثار له طاعة وقربة لله -تعالى-، وكان سلفنا الصالح وعلى رأسهم الصحابة -رضي الله عنهم- يتحسسون جيرانهم. يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ليس بمؤمنٍ من بات شبعان وجارُه إلى جنبِه جائعٌ وهو يعلمُ»، هذا دليل على عدم إيمانه؛ أنه شبعان وجاره فقير أو مسكين أو محتاج أو لا يستطيع أن يفي ببعض احتياجاته. فتفَقُّد الجيران والسؤال عنهم إذا سافروا، ومشاركتهم في أفراحهم أو في أتراحهم طاعة وقربة لله -تعالى-، وما أحوجنا اليوم أن نرجع إلى سنة نبينا - صلى الله عليه وسلم - وأن نتعاهد جيراننا وأن نسأل عنهم وأن نشاركهم في أفراحهم وأتراحهم؛ فإن هذه خصلة من خصال الإيمان.أحوال السلف مع الجيران
إن للجيران في الإسلام منزلة عظيمة، ولقد أوصانا الله -تعالى- في كتابه العزيز، وعلى لسان نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - بالجيران خيراً وإن كانوا غير مسلمين، حتى يعيش المجتمع في سلام وأمان، ولقد كان السلف الصالح يحفظون حقوق جيرانهم المسلمين وغير المسلمين، وسوف نسوق بعضًا من هذه النماذج الرائعة لتكون نبراساً نسير على هديه في وقتنا الحاضر.- رأى أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - ولده عبدالرحمن يناصي (يخاصم) جاراً له فقال: لا تناصِ جارك؛ فإن هذا يبقى والناس يذهبون.
- رُوى أن رجلاً جاء إلي عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه - فقال له: إن لي جاراً يؤذيني ويشتمني ويضيق عليَّ فقال: اذهب فإن هو عصى الله فيك فأطع الله فيه.
- بلغ عبدالله بن المقفع أن جاراً يبيع داره في دين ركبه، وكان يجلس في ظل دار هذا الجار، فقال: ما قمت إذاً بحرمة ظل داره إن باعها معدماً، فدفع إليه ثمن الدار وقال: لا تبعها.
- قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الشُّمَيْطِ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى الْحَسَنِ تَشْكُو الْحَاجَةَ، فَقَالَتْ: إِنِّي جَارَتُكَ، قَالَ: «كَمْ بَيْنِي وَبَيْنَكِ؟» قَالَتْ: سَبْعُ دُورٍ، أَوْ قَالَتْ: عَشْرُ، فَنَظَرَ تَحْتَ الْفِرَاشِ فَإِذَا سِتَّةُ دَرَاهِمَ أَوْ سَبْعَةٌ، فَأَعْطَاهَا إِيَّاهَا وَقَالَ: «كِدْنَا نَهْلِكُ».
- قَالَ دَاوُدُ بْنُ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، (جَارُ مَالِكِ بْنِ دِينَارٍ): كَانَ لِبَعْضِ جِيرَانِ مَالِكِ بْنِ دِينَارٍ كَلْبٌ ضَعِيفٌ، فَكَانَ مَالِكٌ «يُخْرِجُ لَهُ كُلَّ يَوْمٍ طَعَامًا، فَيُلْقِيهِ إِلَيْهِ.».
- جَاءَ رَجُلٌ إلَى أَبِي الْعَبَّاسِ أَحْمَدَ بْنِ يَحْيَى بْنِ ثَعْلَبٍ يُشَاوِرُهُ فِي الِانْتِقَالِ عَنْ مَحَلَّةٍ إلَى أُخْرَى لِتَأَذِّي الْجِوَارِ، فَقَالَ الْعَرَبُ تَقُولُ صَبْرُكَ عَلَى أَذَى مَنْ تَعْرِفُهُ خَيْرٌ لَك مِنْ اسْتِحْدَاثِ مَنْ لَا تَعْرِفُهُ، وَكَانَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ يَقُولُ هَذَا الْمَعْنَى أَيْضًا.
لاتوجد تعليقات