رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د. رفيدة الحبش 15 أكتوبر، 2017 0 تعليق

قواعد في تربية الأبناء من قصة لقمان عليه السلام

 

لعل تربية الأبناء في الإسلام هي الشغل الشاغل لكل أسرة مسلمة تخاف على أولادها من الانحراف أو الضياع، ولعل هذا الأمر يصبح هاجسًا مؤرقًا في الأسر المسلمة المقيمة في الغرب في دول غير مسلمة، فما زرت جماعة إسلامية في الغرب إلا وكان أول سؤال يوجه لي: كيف نربي أولادنا؟

     لقد رسم القرآن الكريم منهج تربية الأولاد على لسان لقمان -عليه السلام- وهو يعظ ابنه، وحدد تلك الخطة التربوية بعشر قواعد أساسية منها نستقي كل الأساليب المجدية لتربية الأطفال على أسس عملية اجتماعية وعلمية وفكرية ونفسية وخلقية:

نداء الإيمان

- القاعدة الأولى: وجه لقمان ابنه للإيمان بالله الواحد وفي هذا توحيد وتعظيم لهذا الهدف الواحد، وعدم تشتت الفكر بالإشراك والالتفات لغير هذا الهدف، وهذا أول علم علينا أن نعلمه للصغار من نعومة أظفارهم أن يتوجهوا لله الواحد وأنه هو الخالق الوحيد لنا وللكون، وأن إشراك أحد من خلق الله مع الله هو خطأ جسيم، قال -تعالى-: {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}.

حق الوالدين

- القاعدة الثانية: التأكيد على حق الوالدين ورعايتهما وخدمتهما، فلما نهى عن عبادة غير الله أكد على أن خدمة الوالدين وبرهما ليست عبادة لهما بل هي عبادة لله، تأتي بعد توحيد الله وعبادته قال -تعالى-: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ}.

المراقبة الداخلية

- القاعدة الثالثة: تنمية شعور المراقبة الداخلية عند الطفل، بشرح صفات الله التي تدرك بالحواس؛ فالله قادر أن يرى ويعلم كل شيء في الكون مهما كان صغيراً ومهما كان خفياً في أي نقطة في السماء أو في الأرض، قال- تعالى-: {يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ} وفي هذا التصوير تنمية لقدرة الطفل على التفكير وضرب الأمثلة ليتعرف على قدرة الله وصفات هذا الإله الذي آمن به.

التواصل مع الإله الخالق

- القاعدة الرابعة: هنا تأتي الخطوة التالية بتعليم الطفل عملياً على التواصل مع هذا الإله الواحد القادر على كل شيء الذي يراه في كل أحواله، لتنشأ هذه الصلة الجميلة بينه وبين خالقه، وعلينا أن نؤكد هنا على تعليم الطفل أن الصلاة لقاء جميل مع الله، وفرصة لأن يكلم الطفل ربه، ويطلب منه الهداية والاستقامة، وليست تكليفاً إجبارياً، قالت لي طفلة مرة أنا لا أحب الله ! قلت لها لمَ؟ قالت: لأننا إذا (ما صلينا بيحرقنا بالنار)!! هذا غباء ممن علمها الصلاة. علينا أن ندرب الطفل أن في كل صلاة سيحبك الله أكثر ويقدم لك في الجنة هدية جديدة، أنت في كل يوم تحصل على خمس هدايا تحبها، قال -تعالى-: {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ}.

تحمل المسؤولية

- القاعدة الخامسة: تهيئة الطفل لتحمل المسؤولية وإعداده ليصبح القائد النافع قال -تعالى-: {وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ} علينا أن نعلمه من صغره دوره القيادي في المجتمع، وكيف يصبح القدوة الصالحة لغيره من الأطفال.

التدريب على الشدائد

- القاعدة السادسة: تهيئة الطفل وتدريبه جسدياً ونفسياً على الشدائد، وتعليمه أن في الحياة صعوبات تحتاج لصبر قال -تعالى-: {وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ}، وهذه لبنة عظيمة في بناء شخصية قوية واثقة من نفسها.

غرز الأخلاق الحسنة

- القاعدة السابعة: مرحلة غرز الأخلاق الحسنة في نفسه {وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ} والصعر: الميل، أي لا تعرض عنهم ولا تبتعد عن مجتمعك؛ فأول خلق علينا أن نعلمه للطفل هو التعاون مع الناس والاجتماع معهم وعدم الانعزال عنهم.

خلق التواضع وعدم التكبر

- القاعدة الثامنة: ترسيخ الخلق الثاني وهو خلق التواضع، وعدم التكبر على الناس؛ فهو واحد منهم لا يتميز عليهم بأصل الخلقة ولا يتكبر على أحد منهم؛ لأن الله لا يحب المتكبر، ولا ينظر إليه يوم القيامة، قال -تعالى-: {وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} مرحاً: أي مُتَبَخْتِرًا مُتَكَبِّرًا.

التوازان في كل أمور

- القاعدة التاسعة: هي أن نعلمه التوازن في أمور حياته التي يسعى ويمشي لها بعيداً عن التهور وبعيداً عن الجبن والكسل، قال -تعالى-: {وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ} والقصد:ما بين الإسراع والبطء أي توسط فيه.

الأدب في خطاب الناس

- القاعدة العاشرة: هي الأدب في خطاب الناس وتنمية الإحساس بشعور الآخرين وعدم إيذائهم حتى ولو برفع الصوت: {وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} وفي هذه الآية إشارة إلى فائدة تعليم الأطفال بالتشبيه والتصوير، فصورة من يرفع صوته بحضرة الناس -دون حاجة- ودون الالتفات إلى مشاعرهم صورة قبيحة منفرة، وفي هذا تعليم سلبي وإيحاء دون أمر ألا تفعل هذا.

     هذه إذًا هي القواعد العشر التي عرضها القرآن الكريم لتربية الأبناء على لسان لقمان عليه السلام، وهي خطة تربوية عظيمة توجه للآباء، ترسم لهم خطوطاً عريضة واضحة ليصنعوا بأيديهم شخصية ولدهم وأخلاقه، كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ عَلَى الفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ، أَوْ يُمَجِّسَانِهِ) (صحيح البخاري).

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك