رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الدكتور: همام عبد الرحيم سعيد 5 يناير، 2015 0 تعليق

قواعد في الدعوة إلى الله تعالى (10) الزمن عنصر فعال من عناصر الدعوة

كثيراً ما يشعر الدعاة بخيبة الأمل عندما يدعون إلى الله، ويستعملون الحجج والبراهين، ولكن لا يجدون استجابة كبيرة من قبل المدعوين. وهذا الشعور بالخيبة ناشئ عن إسقاطهم لعنصر مهم من عناصر معادلة الدعوة، وهو عنصر الزمن.

أول ما يجب أن نعلمه أن الواقع الذي نتعامل معه واقع غير إسلامي، وأنه تشكل بفعل عوامل كثيرة، معظمها نشأ بفعل مؤثرات مادية إلحادية أو فاسدة، وقد سيطر هذا الواقع على أفراد المجتمع، وأصبح الداعية يتعامل مع الفرد القابع تحت هذه التراكمات الفكرية والسلوكية، التي هي بمثابة الحجاب المانع من الاتصال بين الداعية والمدعو، وبعبارة أخرى فإن الداعية في عالم، والمدعو في عالم آخر، والمدعو صاحب قيم غير القيم التي ينادي بها الداعية؛ ولهذا كله فإن توقع الاستجابة السريعة في غير محله، وهو مخالف لطبائع الأشياء.

     إن أية كلمة يقولها الداعية لا تذهب هباء منثوراً، وإنما تدخل في مكونات المدعو، ويختزنها عقله، وتتراكم خبراته الخَيِّرة، وقد يظهر أثر كلمة قيلت قبل سنوات بفعل موقف محرك أدى إلى استرجاع تلك الخبرة، ثم إن ما يقوله الداعية اليوم يجده داعية آخر رصيداً بعد سنين، وكثيراً ما يحدث أنه عندما نتحدث مع إنسان ما يقول: هذا شيء سمعته من فلان.

     وإن اختيار زمن الدعوة أمر في غاية الأهمية، وهناك أوقات يخلو المرء فيها مع نفسه، ولا يكون مستعداً فيها لتقبل الأفكار، وإن الدعوة تتأثر بالجو العام، والظرف الذي يمر فيه الداعية والمدعو؛ ولهذا فإن على الداعية أن يختار أنسب الأوقات التي لا إحراج فيها ولا مشقة، يقول ابن مسعود رضي الله عنه: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخولنا بالموعظة مخافة السآمة علينا»رواه البخاري.

ولا ينبغي أن يطيل الداعية على المدعو؛ لأنه قد يضجره ويمله. ومعيار عدم الإطالة أن يترك المدعو في شوق لاستكمال الموضوع، وأن يطلب المزيد.

     الاستعجال على المدعو قد يؤدي إلى نتيجة سيئة؛ إذ إنه قد يفصل في المسألة إمّا بالرفض وإما بالاستجابة والإقبال، وكلا الأمرين قبل أوانه خطير، وهذا من قبيل سلب القرار، لا من قبيل اختيار القرار.

      ففي حالة قرار الرفض يكون المدعو قد تعجل في اتخاذ قراره، قبل أن يستكمل وجوه الدعوة؛ وبذلك يكون قد اتخذ موقفاً من الدعوة، وليس من السهل أن يغير موقفه؛ لأن المرء حريص على أن يُعرف بالمواقف الثابتة، وهذه النتيجة إنما كانت بفعل الداعية الذي أراد أن يجني الثمرة قبل أوانها.

     وفي حالة قرار استجابة المستعجل، يجد المدعو نفسه بعد وقت يسير أمام تكاليف وواجبات لم يحسب حسابها، ويتبين له أنه لو انتظر قليلاً لما اختار هذا الموقف، ويدخل في صراع بين الموقف المعلن والموقف المبدئي، وقد يرتكب محظورات سلوكية، كالكذب والنفاق وكل هذا بسبب الاستعجال عليه، ولو فتحت أمامه فرصة التفكر والتدبر لاتخذ الموقف المبدئي الأصيل.

والطريقة المثلى ألا نستعجل إصدار القرار، بل نطلب من المدعو أن يتمهل في اتخاذ المواقف، وأن نصارحه بالعقبات في طريق الاستجابة إلى جانب الإيجابيات المبشرة والآمال المتوقعة.

     وإن إدخال الزمن عنصر من عناصر الدعوة يخفف من حدة الدعاة، ويقف أمام اليأس الذي يعتري الدعاة أحياناً، ويفتح لهم باب الأمل، ذلك عندما يفقهون دور الزمن. وإن الطبيب لا يقول للمريض خذ العلاج جرعة واحدة، بل يقول له خذه على جرعات، وفي خلال مدة معينة من الزمن. 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك