قواعد في الدعوة إلى الله تعالى (1) الدعوة إلى الله سبيل النجاة في الدنيا والآخرة
يتسرع عدد كبير من الشباب لممارسة الدعوة إلى الله تعالى؛ لينال شرفها، ويحصل على ثوابها، لعل الله تعالى يهدي على يديه شخصا واحدا فيكون له الثواب الجزيل و الخير العظيم، كما ورد في حديث النبي الأمين صلى الله عليه وسلم المتفق على صحته: «لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم» ولاسيما أن من يقوم بالدعوة إلى الله تعالى يؤدي أشرف مهمة، ويتشبه بالأنبياء، ويسير على نهج المرسلين، ولكن للدعوة إلى الله تعالى قواعد وأصولا لا بد أن نتعلمها إذا أردنا الممارسة لهذه المهمة حتى نصلح ولا نفسد، وحتى نبشر ولا ننفر، وسوف نستعرض قواعد الدعوة إلى الله تعالى في حلقات(1)، ونبدأ اليوم مع معرفة ثوابها وأهميتها، فالدعوة إلى الله سبيل النجاة في الدنيا والآخرة.
على الداعية أن يعلم أن الله تعالى خلق الإنسان لعبادته: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (الذاريات:56)، والعبادة لا تكون إلا على بصيرة، والبصيرة لا تكون إلا وفق منهج الله -تعالى- الذي أنزله على رسله وأنبيائه، الذين كانوا بحق دعاة لكل خير، ومن مقامات العبودية أن نشتغل بأمر الخالق.
يقول الرازي: «ما العبادة التي خلق الجن والإنس من أجلها؟، قلنا: التعظيم لأمر الله والشفقة على خلق الله» (من تفسير الإمام الرازي).
الدعوة إلى الله هي أبلغ مظهر من مظاهر تعظيمه، فالذي يدعو إلى فكرة أو هدف ويصرف جهده في سبيله، فإنما يفعل ذلك لامتلائه بهذا الهدف أو هذه الفكرة، ومن دعا إلى فكرة فإنه يحسب عليها كما تحسب هي عليه.
في الدعوة إلى الله -تعالى- دليل شفقة على عباد الله؛ لأن الداعية يريد إخراج الناس من أوضاع التمزق والشتات إلى سعة الدين وآفاقه الواسعة الرحيبة، ونظمه الكفيلة بإسعاد البشر، وأن يخرجهم من النار إلى الجنة كذلك.
لقد التزم أنبياء الله ورسله الكرام أمر الله في الدعوة إليه والحفاظ على الغاية من خلق الله لهم، وحرص كل رسول كريم على دعوة الخلق إلى هذه النجاة، ولقد قص القرآن الكريم علينا معركة الأنبياء مع أقوامهم، مؤكداً دائماً على نجاة الدعاة وعلى هلاك الظالمين المعرضين.
إن النجاة كل النجاة في الدعوة إلى الله، وهذا وعد الله تعالى للمؤمنين: {ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا ۚ كَذَٰلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنجِ الْمُؤْمِنِينَ } (يونس:103)، فتكون نجاة المؤمنين الداعين إلى الله حقاً بسبب الوعد والحكم. يقول سيد قطب رحمه الله في ظلال القرآن: «هذه سنة الله في الأرض، وهذا وعد لأوليائه فيها، فإذا طال الطريق على العصبة المؤمنة مرة، فيجب أن تعلم أن هذا هو الطريق، وأن تستيقن أن العاقبة والاستخلاف للمؤمنين، وألا تستعجل وعد الله حتى يجيء وهي ماضية في الطريق. واللهُ لا يخدع أولياءه، ولا يعجز عن نصرهم بقوته ولا يسلمهم كذلك لأعدائه. ولكنه يعلمهم ويدربهم ويزودهم -في الابتلاء- بزاد الطريق».
لا خسارة في الدعوة: إن أمر الدعوة وإن كانت لا تخلو من المتاعب والمصاعب، لكنها لذيذة الطعم، عزيزة على القلب، لذلك فإن أهل الدعوة يضحون في سبيلها بالغالي والرخيص، ويستعذبون العذاب، ويجدون الموت حياة من أجلها. وهم أسعد بها من الناس بدونها، أما العاقبة فهي الفوز وغيرها الفشل، وهي الباقية وغيرها الفانية.
دعوة محمد صلى الله عليه وسلم أمان للبشرية:
كانت الأمم التي تعصي رسلها تستأصل بالعذاب، وبمجيء محمد صلى الله عليه وسلم رفع الاستئصال العام بالطوفان والصاعقة والريح، تكريماً لهذه الأمة التي لا تخلو من قائم لله بالحجة، والطائفة الظاهرة على أمر الله حتى يأتي بأمره،وهذه الطائفة هم الدعاة، وبهم يكتب الله النجاة للأمة من أن تهلك بسنة عامة، وعندما تخلو الأرض من هذا الصنف الكريم على الله، فإن الساعة تقوم، وقد جاء هذا المعنى في أحاديث كثيرة منها : «يُقبض الصالحون الأول فالأول ويبقى حثالة كحثالة التمر أو الشعير لا يعباً الله بهم شيئاً» رواه البخاري، وقوله صلى الله عليه وسلم : «لا تقوم الساعة إلا على شرار الناس» رواه مسلم.
وهذه الأحاديث تدل على أن قيام الساعة يقترن به ذهاب الدعوة والدعاة، ولا أعني بهذا الاقتران اقتران السبب أو الشرط بالمسبب أو المشروط، وإنما أعني أن الله تعالى يكرم الإنسانية بالدعوة والدعاة، وأنه ما دام الدعاة وما دامت الدعوة، فإن الغاية من الخلق على هذه الأرض باقية، فإذا ما زال الدعاة والدعوة فقد خسر الإنسان مسوغ وجوده على هذه الأرض، وهكذا فإن الإنسان يقع بين نهايتين، أو بداية ونهاية:
الأولى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً } (البقرة:30).
والثانية : قوله صلى الله عليه وسلم : «إن الله يبعث ريحاً من اليمن ألين من الحرير، فلا تدع أحداً فيه مثقال حبة من إيمان إلا قبضته» رواه مسلم.
توضيح وتوفيق بين هذا الحديث وبين حديث لا تزال عصابة من أمتي يقاتلون:
روى مسلم عن ابن شماسة قال: كنت عند مسلمة بن مخلد، وعنده عبدالله بن عمرو بن العاص. فقال عبدالله: لا تقوم الساعة إلا على شرار الخلق. هم شر من أهل الجاهلية. لا يدعون الله بشيء إلا رده عليهم. فبينما هم على ذلك أقبل عقبة بن عامر. فقال له مسلمة: يا عقبة! اسمع ما يقول عبدالله. فقال عقبة: هو أعلم. وأما أنا فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «لا تزال عصابة من أمتي يقاتلون على أمر الله، قاهرين لعدوهم، لا يضرهم من خالفهم، حتى تأتيهم الساعة، وهم على ذلك»، فقال عبدالله: أجل. ثم يبعث الله ريحا كريح المسك. مسها مس الحرير. فلا تترك نفسا في قلبه مثقال حبة من الإيمان إلا قبضته. ثم يبقى شرار الناس، عليهم تقوم الساعة.
فهذه الرواية توضح بقاء الطائفة المؤمنة إلى قرب قيام الساعة كما أوضح ذلك الإمام النووي.
وأخيرا: ليس المقصود بالنجاة نجاة الفرد من الأذى والألم، وإنما المقصود نجاة الجماعة والفكرة في النهاية، وأما في الآخرة فإن صورة النجاة نعيم مقيم وجنة عرضها السماوات والأرض فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت وعلى خطر على قلب بشر.
لاتوجد تعليقات