رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د.أماني زكريا الرمادي 5 نوفمبر، 2019 0 تعليق

قواعد شرعية وتربوية لحماية الأبناء في زمن الا نفتاح الإعلامي (6)

 

ما زلنا نتحدث عن الآليات التي يمكن من خلالها حماية أبنائنا من خطر الانفتاح الإعلامي، وقد تحدثنا في العدد الماضي عن حماية الأولاد في مرحلة المراهقة الوسطى (بين الخامسة عشرة والسابعة عشرة)، واليوم نتحدث عن موضوع في غاية الخطورة والحساسية وهو (أبناؤنا والأفلام غير الأخلاقية).

     مع هذا التواصل وطيب العلاقة بيننا وبين أبنائنا، ينبغي ألا نغفل عنهم ولا نتركهم دون رقابة حتى لا تتسلل إليهم أقراص الفيديو غير الأخلاقية من خلال المدرسة أومن خلال أصحاب السوء، كما ينبغي الرقابة على المواقع التي يرتادونها عبر الإنترنت حتى لا يدفعهم الفضول إلى المواقع التي تحض على الرذيلة؛ لأن الأمر ليس بهين، فهو يبدأ بالفضول، ثم يتحول شيئاً فشيئاً إلى اعتياد ومن ثم إلى إدمان والعياذ بالله؛ فقد أكدت الدراسات في الغرب إدمان المراهقين من الذكور مشاهدة تلك الأفلام، أما الإناث فإن أعدادهن في تزايد. إن هذه الأفلام تدمر عقول المراهقين؛ لأنها لا تعطيهم فقط صورة خطأ عن العلاقة الحميمية مع الزوج أو الزوجة، وإنما تولِّد الاستياء عند الممارسة الفعلية لهذه لعملية بعد الزواج.

خطر عظيم!

     إذا كان الخطر الأخلاقي والديني والصحي واضحاً؛ فإن الخطر الكبير الذي قد يخفى علينا هو أن اعتياد المراهق مشاهدة هذه القاذورات يتسبب في تدمير مستقبله، بل ومستقبل أسرته كاملا بعد الزواج؛ فالإدمان على مشاهدة تلك الأفلام -كما تقول أخصائية طب العائلة د.دينا الرفاعي- ظاهرة مرضية لم يُعترف بها طبياً إلا في العقدين الأخيرين، وهو نوع من الإدمان لا يقل في خطورته على الصحة النفسية، عن ضرر إدمان الهيروين أو الكوكايين والكراك، فالشخص يحس أنه في حاجة ملحة إليها، ولا يرتاح ولا يطيب له بال إلا عند ممارستها، ولقد أثبتت الدراسات الأمريكية الحديثة أن (8%) من الرجال، و(3%) من النساء في الولايات المتحدة الأمريكية يعانون من ذلك الإدمان، كما أثبتت الدراسات أن الإدمان يكون عادة لدى الأشخاص الذين تعرضوا لحرمان عاطفي ولاسيما من الوالدين، أو وقعوا في الفاحشة في مرحلة مبكرة من فترة الطفولة وأول فترة المراهقة.

حالة إدمان

     وأضافت د.دينا الرفاعي: إن الإدمان على مشاهدة هذه الأفلام يعرض الشخص لكثير من الأمراض الخطيرة، ويؤكد أطباء الصحة النفسية أن الاعتياد على تلك المشاهد يؤدي إلى حالة إدمان تفوق خطرها إدمان الكوكايين؛ مما يسبب اضطرابات نفسية وجسدية كبيرة؛ لذا لا تقتصر أضرارها على فترة ما قبل الزواج فقط، بل إن الرجل يعتاد عليها، وتظل هذه المشاهد عالقة في ذهنه!

أشباه الأفيون الطبيعية

     ومن خلال إحدى الدراسات الأمريكية لجامعة بنسلفانيا حذر الطبيب النفسي (جيفري ساتينوفر) من أن المشاهد غير الأخلاقية وما يتبعها من آثار، تستحث الجسم لإفراز أشباه الأفيون الطبيعية، وبذلك يكون أثر مواقع (الإنترنت) التي تبث هذا المحتوى أقوى من أثر مخدر الهيروين، مؤكداً أن هذه الأفلام تؤدي إلى اتباع بعض العادات الخطأ؛ لأن التعود على رؤية هذه المشاهد تؤثر سلباً على العلاقة الحميمة بين الأزواج في المستقبل.

عدم الثقة بالنفس

كما تزرع هذه الأفلام عدم الثقة بالنفس لكل من الطرفين؛ لأن أبطال تلك الأفلام لهم شروط وقدرات وأشكال غير طبيعية، ويخضعون لعمليات تجميل في مناطق مختلفة من الجسم، فيشعر الزوج أو الزوجة بأنه ليس بهذا الكمال البدني فتهتز ثقته بنفسه.

العلاقة الزوجية

     كما أكدت دراسة بريطانية أن رؤية المواقع والأفلام الإباحية تنعكس سلبا على العلاقة الزوجية، وتؤدي إلى حدوث جرائم عنف واستخدام المخدرات، ليس ذلك فحسب، بل إنها تؤدي إلى ارتفاع معدلات الوفيات عند الرجال في سن 20 : 40 عاما نظرا لإدمانهم زيارة تلك المواقع.

     وتشير د. (أماندا روبرتس) -كبير محاضري الطب النفسي في جامعة لندن وعضو الكلية الملكية للأطباء النفسيين في بريطانيا- إلى أن الاعتياد على مشاهدة هذه الأفلام تسبب اضطرابات العلاقة الزوجية، وذلك في دراسة لها أجرتها على شريحة من الرجال من الفئة العمرية بين 18- 34 عاما، كما تشير النتائج الأولية لتلك الدراسة إلى أضرار ذلك سواء على صحة الرجل أم تعرض المرأة للعنف أم لشلل الحياة الزوجية.

أخطار جسيمة

     إن وجود مثل هذه القنوات في المنزل يعرض الأطفال لأخطار جسيمة، ويؤثر سلباً على أخلاقهم وفطرتهم السويّة، ولاسيما أن الأطفال يميلون إلى تطبيق ما يرون بسرعة كبيرة، وإذا كان هذا هو حال المجتمعات الغربية؛ فإن مجتمعاتنا العربية المسلمة ولا شك تعاني من أثر انتشار وسائل الإعلام الهدامة عبر القنوات الفضائية والإنترنت ليس على المراهقين فقط، بل وعلى الراشدين أيضاً مع أن ديننا الحنيف يحرم النظر إلى العورات، والنظر إلى ما يُغضب الله، فما يحدث في هذه الأفلام ما هو إلا زنا في جهر أي أنه مجاهرة بالمعصية، كما أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: «العين تزني وزناها النَّظر». رواه البخاري ومسلم.

تحريم الشرع

     كما حسم الشرع هذا الأمر بالتحريم حتى ولو كان بغرض التنشيط للوطء، لأن الله -سبحانه وتعالى- حرم النظر إلى العورات وإلى النساء المتبرجات، ومشاهدة هذه الأفلام الجنسية داخل في هذا الباب؛ حيث إن الله -عز وجل- قد أمر بغض البصر فقائل: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ *وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} (النور: 30، 31)، وأما حفظ الفرج فواجب بكل حال لا يباح إلا بحقه؛ فلذلك أمر بحفظه، وقد أمر الله -عز وجل- بغض البصر وصيانة الفرج وقرَن بينهما في معرض الأمر، وبدأ بالأمر بالغض لأنه رائد للقلب كما قيل:

ألم تر أن العين للقلب رائد

                                     فما تألف العينان فالقلب آلِفٌ

     ولأن غض البصر وسيلة إلى حفظ الفرج وصيانته، وهو الباب الأكبر إلى القلب، وأعمر طرق الحواس إليه وبحسب ذلك كثُرَ السقوط من جهته ووجب التحذير منه، وعن جرير - رضي الله عنه - قال: سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن نظر الفجأة فقال: «اصرف بصرك» (رواه مسلم )، يقول الله -تعالى- «قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ-وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ...» الآية (النور: 30، 31).

الأفلام العاطفية

     وجدير بالذكر أن الحياة الزوجية لا تتأثر بالإباحية فقط بل إنها قد تتأثر بالأفلام العاطفية أيضاً، وقد وضح ذلك جلياً من خلال بعض المسلسلات؛ لذا قُدمت دراسة اسكتلندية أجريت بجامعة (هورويت وات) نصيحة علمية لكل زوجين‏:‏ لا تكثروا من مشاهدة الأفلام الرومانسية؛ لأنها تضر العلاقات الزوجية،مؤكدة أن كثرة مشاهدة الناس للأفلام الرومانسية‏ ‏ قد تدفعهم إلي توقُّع المزيد من الإيجابيات غير الواقعية في علاقتهم الزوجية في الحياة‏.

نصائح للمراهقين

نصائح للمراهقين تساعدهم على الإقلاع عن مشاهدة الأفلام غير الأخلاقية:

فيما يلي بعض النصائح التي يمكن أن نوجهها للمراهق بلطف ورحمة وتعاطف لمساعدته على الإقلاع عن مشاهدة تلك الأفلام:

1- ألزِم نفسك بالتوقف عن هذه الشر، خذ القرار وانضبط بجدية،وضع أمامك هدفا وهو التوقف فوراً عن هذه الأشياء؛ مع ملاحظة أنك إن لم تكن جادا ً في قرارك فلن تستطيع تحقيق هدفك بسهولة، هذه هي أول الخطوات وأهمها.

2- إحذف كل ما يوصلك لتلك المشاهد وتخلص منها، ولا تسلم نفسك لمن يبعدك عن تحقيق هدفك.

3- إذا كنت معتاداً لمشاهدة هذه الأشياء في وقتٍ ما مثل بعد العودة من المدرسة، أو بعد وجبة الغداء مثلاً في السرير من خلال الكمبيوتر المحمول، فغير عاداتك في هذه الأوقات.

4- استعن بصديق ليرافقك في رحلة تحقيق هدفك ولتتعاونا معا ًعلى ترك هذه الأشياء؛ فأنت لست الوحيد الذي يريد الإقلاع عن هذه الأشياء.

5-  تشير الإحصائات إلى أن أغلب من يشاهدون هذه الأشياء كانوا قبلها يعانون من الضجر والملل، فلا تترك نفسك فريسة للفراغ والملل، بل كن منتجا ًلشيء تهواه؛ فزاول بعض الأنشطة الاجتماعية والرياضية، وأخرج من دائرة الفراغ والملل.

6-  كافىء نفسك حين تمتنع عن مشاهدة هذه الأشياء بشراء شيء جديد تحبه مثل لعبة إلكترونية مفيدة.

7-  استعن بالله، وادعه في صلاتك، فإنه خير معين،ولا تقُل لنفسك إن الله غاضب عليَّ لما أفعل، فهو كريم وحنَّان ورحيم، والتائب حبيب الرحمن، فاهرع إليه وألقِ همومك بين يديه واسأله أن يعوضك خيراً، وحبذا الالتزام بأذكار الصباح والمساء؛ فإنها تعينك وتحفظك من كل الشرور -بإذن الله.

وتذكر قول القائل: مَن كان الله معه، فمَن عليه؟ ومن كان الله عليه، فمن معه؟!

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك