قواعد شرعية وتربوية لحماية الأبناء في زمن الانفتاح الإعلامي(8)
ما زلنا نتحدث عن القواعد الشرعية والتربوية التي يمكن من خلالها حماية أبنائنا من خطر الانفتاح الإعلامي، وقد تحدثنا في العدد الماضي عن آليات هذه الحماية وسبلها، واليوم نتحدث عن سمات مرحلة المراهقة المتأخّرة وخصائصها (ما بين الثامنة عشرة وإحدى وعشرين سنة من العمر)، وكيفية التعامل معها.
في مجتمعاتنا العربية قد تمتد هذه المرحلة فترة أطول، نظرا لاعتماد الأولاد على الأهل في الشؤون المادية والدراسية إلى ما بعد التخرج ومرحلة العمل أيضًا، إلا أنه في هذه المرحلة يستطيع معظم الشباب أن يعملوا بطريقة مستقلة، رغم انهماكهم بقضايا تتعلق برسم معالم هويتهم وشخصيتهم؛ ولأنهم يشعرون بثقة أكبر تجاه قراراتهم وشخصيتهم، يعود الكثير منهم لطلب النصيحة والإرشاد من الأهل، ويأتي هذا التغيير في التصرف مفاجأة سارة للأهل؛ إذ يعتقد الكثير منهم، أن النزاع والصراع أمر محتم، قد لا ينتهي أبدا، ويتنفس الأهل الصعداء؛ فبالرغم من أن الأولاد اكتسبوا شخصيات مستقلة خلال مراهقتهم، تبقى قيم الأهل وتربيتهم واضحة وظاهرة في هذه الشخصيات الجديدة، إن أحسن الأهل التصرف والتفهم لهذه المرحلة الحرجة في حياة أولادهم؛ حيث يحتاجون منا في هذه المرحلة إلى وصفة الحاءات الخمس.
الحاءات الخمس
تتكون هذه الوصفة من: الحب، الحزم، الحوار (الهادئ، الهادف)، الحنان، وأخيرًا الحِكمة؛ وذلك دون أن يشعروا بأننا نتدخل في شؤونهم، أو نحجر على حرياتهم، أو نتحكم في قراراتهم، أو أنهم صغار ونحن بالغون، مع مراعاة أن يتسم حديثنا معهم بالمرح، وضبط النفس، والتفكير كثيرًا قبل الرد عليهم حتى تمر هذه المرحلة بسلام، ويعضد ذلك إحاطتهم بالصحبة الصالحة قدر المستطاع، مع اصطحابهم لأداء العُمرة، حتى ولو كانوا قد انقطعوا عن الصلاة؛ فإن التأثير الفعال لهذه الرحلة على قلوبهم ونفوسهم، تأثير سحري وغير مباشر، حتى ولو كنا لا نشعر به.
الخبرات والمهارات
ومن المفيد في هذه المرحلة، توجيه الشباب إلى اكتساب المزيد من الخبرات، والمهارات، والالتحاق بالدورات الدراسية والتدريبية المختلفة، حتى إذا تخرجوا في الجامعة، كانت فرص العمل المتاحة لهم أكبر وأوسع مجالاً، فضلاً عن تشجيعهم على ممارسة الرياضة، والعمل الاجتماعي المفيد لهم وللمجتمع، وغير ذلك من الأنشطة التي تجعل حياتهم متوازنة ومنظمة، فضلاً عن تشجيعهم على البحث عن أفكار لمشروعات صغيرة يمكن أن يقوموا بتنفيذها، كما أنه من المفيد أن نربطه بقدوة صالحة من خارج أسرته الصغيرة، كالخال، أو العم، أو أحد المدرسين بالمدرسة، أو أحد الشخصيات العامة التي تعينه على أن يظل متمسكًا بالمبادىء التي تربى عليها.
أنواع أضرار الإنترنت
في هذه المرحلة يكون الأبناء أكثر قدرة على التجول عبر صفحات الإنترنت ومواقعه، بعيداً عن رقابة الوالدين؛ لذا فمن المفيد أن نتناقش معهم حول سبل الإفادة منها دون أن تصيبهم أضرارها، ومن هذه الأضرار ما يلي:
الأضرار النفسية
إن علماء النفس يتحدثون عن عالم وهمي بديل تقدمة شبكة الإنترنت وتطبيقات الكمبيوتر؛ مما قد يسبب آثارا نفسية هائلة، ولاسيما على الفئات العمرية الصغيرة؛ حيث يختلط الواقع بالوهم؛ وحيث تختلق علاقات وارتباطات غير موجودة في العالم الواقعي، قد تؤدي إلى تقليل مقدرة الفرد على أن يخلق شخصية نفسية سوية قادرة على التفاعل مع المجتمع والواقع الذي يعيشه؛ فالأطفال أكثر عرضة للإصابة بالأمراض من البالغين، ولاسيما وأنهم في مرحلة تطور ونمو عضلاتهم وعظامهم, وإذا لم نجد الطرق الكفيلة باستخدام الكمبيوتر على نحو صحيح بعيدًا عن المشكلات؛ فسوف نرى أطفالاً وشباباً كثيرين معاقين لهذا السبب.
أكثر قابلية للإدمان
ولا ننسى هنا أنهم أكثر قابلية على الإدمان في استخدام هذا الجهاز من البالغين، ولاسيَّما أن الخطط التعليمية الحالية والمستقبلية، أصبحت تركز على استخدام الكمبيوتر، وأن نسبة كبيرة جداً من الأسر أصبحت تقتني هذا الجهاز لكي يتعلم الأطفال مختلف العلوم و المواد، و تنمية المهارات عن طريق استخدام الكمبيوتر؛ فينبغي تربية الطفل على حُسن استخدام هذا الجهاز، وعدم الانبهار به، وتنبيههم إلى الأضرار التي تنتج عن سوء استخدامه، لنضمن في المستقبل شباباً واعين، يستفيدون منه دون أن يتعرضوا لأضراره بشتى أنواعها.
الأضرار الثقافية
كان لهذه التكنولوجيا أثر بالغ على القيم والمبادئ الأصيلة للعرب وغير العرب المستمدة من دينهم، وعادتهم، وتقاليدهم، وأعرافهم المجتمعية؛ فما هو مألوف في مجتمع، ربما يكون غير مألوف أو محرم في مجتمع آخر، مما يحدث نوعا من التصادم بين الثقافات، والتناقضات، والخلط في المفاهيم بين أفراد المجتمعات من جهة، وأفراد المجتمع الواحد من جهة أخرى .
الجانب اللغوي
أما فيما يتعلق بتأثير هذه التقنيات على الجانب اللغوي فمن الملاحظ أن هناك تأثيرا للكمبيوتر على المجتمع؛ حيث تلوح في أفق كل مجتمع لغة أخرى مدرجة في لغات التخاطب بين أفراد الفئة العمرية الواحدة، وقد ظهرت هذه الثقافة جلية واضحة من خلال تداول مصطلحات غريبة على المجتمعات بهويتها العربية منها وغير العربية؛ فينبغي لفت الانتباه إلى ضرورة تنقية ما يُطلع عليه من مصادر معلومات، وعدم الثقة في كل ما يُنشر على شبكة الإنترنت خصوصا، بل إخضاعها للتقييم .
الأضرار الاجتماعية
إن انشغال الفرد بالكمبيوتر والإنترنت لساعات طويلة يومياً يبحث ويبحر في أعماقها، ينعكس ولا شك على علاقاته الاجتماعية؛ حيث العزلة التي يفرضها على نفسه بانهماكه وانغماسه في أجواء مواقع الإنترنت بأنواعها وأشكالها، الجيد منها وغير الجيد، للاطلاع على الغث والسمين؛ مما قد يحرمه من التواصل المباشر وجها لوجه بينه وبين أفراد أسرته في البيت الواحد، وللوقاية من هذه الأضرار، ينبغي أن نشغل الأطفال والشباب بأنشطة رياضية واجتماعية محببة إلى نفوسهم، للتقليل من جلوسهم لمدة ساعات أمام شاشة الكمبيوتر، أما العاملون في المكتبة مثلاً فيمكن تنظيم لقاءات عمل، ولقاءات اجتماعية دورية؛ لضمان عدم تفكك العلاقات الحميمة بينهم .
الأضرار الصحية
لقد أصبحت هذه الأضرار واضحة بدرجة لا يمكن تجاهلها، لدى من يُسرفون في استخدام الحاسب الآلي، ومن هذه الأضرار، آلام الكتف، والظهر والعمود الفقري، نتيجة للجلوس لساعات طويلة أمام جهاز الكمبيوتر، ولاسيما المحمول منه lap top، الذي يتسبب في آلام في العُنُق أيضاً، وإصابات التوتر والضغط المتكررة، التي تشتمل على متلازمة الوَتَر في الرُّسغ، وتنميل الأصابع، وتيبُّس المفاصل، واعتلال الدورة الدموية، كما أنه يصعب في الوقت الحالي حصر التأثيرات الجسدية والنفسية، التي يمكن للكمبيوتر أن يسببها للمستخدمين، إلا أن التجارب العملية والظواهر الطبيعية، أكدت أن الغالبية من السيدات العاملات على أجهزة الكمبيوتر، لديهم مزيد من المشكلات التنفسية، وأنهم أكثر عرضة للإصابة بالأمراض، ولاسيما الفيروسية، وزيادة الوزن وما يتسبب عنها من أمراض أخرى.
أفضل وقاية
وأفضل وقاية لذلك هو الحركة، كالقيام بالسير 10 آلاف خطوة في اليوم، أما الذين يشكون من البدانة المفرطة وعدم القدرة على السيطرة عليها؛ فإن وزارة الصحة الأمريكية توصي بتمارين رياضية، تصل مدتها إلى ساعة ونصف يوميا .
الحوار الهادئ والهادف
إن الحوار الهادئ والهادف، هو خير وسيلة لإقناع الشباب في هذه المرحلة، بالاعتدال في استخدام وسائل التكنولوجيا بشتى أشكالها، مع تشجيعهم على الإفادة من مميزاتها، ولكن بحذر وذكاء، حتى لا تصيبهم أضرارها، فضلا عن تقديم البدائل المتنوعة التي تتيح أمامهم خيارات للإفادة والترفيه.
من أسباب صلاح الأبناء
وأخيراً؛ فإن أفضل ما يمكن أن يفعله الوالدان بعد بذل ما استطاعا من جهد، هو الأخذ بأسباب صلاح الأبناء، ولعل منها ما يلي:
1- القاعدة الذهبية
{ومن يتَّقِ اللهَ يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب}؛ فمن أراد الفرج بشتى أنواعه؛ فليتَّقِ الله، والتقوى هي: أن يجعل العبد بينه وبين غضب الله -تعالى- وعذابه، وقاية بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، وحقيقة التقوى فعل المأمورات واجتناب المنهيات، ويؤكد هذه الحقيقة الآية التالية: {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا} (النساء: 9).
2- الاستغفار: فإنه سبب للنجاة من كل ضيق وهم وكرب .
3- العقيقة: فإنها تمنع العقوق وتميط الأذى عن الأبناء .
4- بذل الجهد في إحسان تربيتهم بطريقة القرآن والسُّنَّة، وليس بطريقة الغرب.
5- بر الوالدين، سواء كانوا أحياءً أم أمواتًا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بِروا آباءكم تبركم أبناؤكم وعُفّوا تَعُف نساؤكم» رواه المنذري بإسناد حسن.
6- التوجه إلى الله -تعالى- مالك المُلك - بالتضرع والدعاء، ولاسيما في أوقات الإجابة
لاتوجد تعليقات