قواعد شرعية لتربية الأبناء في زمن الا نفتاح الإعلامي (4)
ما زلنا نتحدث عن الآليات التي يمكن من خلالها حماية أبنائنا من خطر الانفتاح الإعلامي، وقد تحدثنا في العدد الماضي عن حماية الأولاد في سن من ثلاث إلى ست سنوات، واليوم نتحدث عن حماية الأبناء من السابعة وحتى الثانية عشرة .
عندما يصل الأطفال إلى سن ما بين السابعة والثانية عشر، يصعب على الآباء والأمهات أن يصرفوا اهتمامهم عن هذه البرامج والألعاب إلى برامج المواد التعليمية وألعابها، وهذا يرجع- أساساً- إلى اكتشافهم وحبهم لألعاب (البلاي ستيشن)، لكن على الرغم من ذلك، ينبغي أن نستمر في شراء ألعاب البرامج التعليمية للأطفال في هذه السن؛ لأن فيها إفادة كبيرة لهم، ولاسيما تلك البرامج المصممة لدعم المناهج الدراسية والمراجعات كما أن هناك برامج متعددة الأنشطة وتساعد على الابتكار، وتلقى رواجًا كبيرًا عند البنات خصوصا، هناك أيضًا بعض البرامج المتاحة لتحسين مهارات تكنولوجيا المعلومات ومهارات الكتابة على الكمبيوتر ومهارات تعلُّم اللغة.
سبب وجودهم في الدنيا
وفي هذه المرحلة ينبغي أن نوضح لأبنائنا بهدوء أن السبب الرئيس من وجودهم في الدنيا هو عبادة الله وطاعته ومعاملة الخلق بما يُرضي الله؛ فإن لم يحصلوا على ما يريدون في هذه الحياة الدنيا؛ فلهم أن يحلموا ويأملوا في الحياة الآخرة الباقية الخالدة في النعيم الأبدي الذي يختارونه بأنفسهم، ووِفق أهوائهم بشرط الصبر على طاعة الله في الدنيا.
البرنامج اليومي
لذلك ينبغي أن يشتمل البرنامج اليومي للطفل على الكثير من الأنشطة، وليس اللعب، أو التسلية والترفيه، والدراسة فقط! بل ينبغي أن يكون برنامجه متوازنًا قدر المستطاع، وأن يتعلم فن إدارة الوقت على قدر فهمه، ويمكن مساعدته على ذلك بعمل جدول، يقوم بتلوينه أو طباعته، وتزيينه بما يحب من الصور، ويساعد الوالدين في ملء الخانات؛ بحيث يكون بمثابة جدول محاسبة يومي، مما يساعده في المستقبل أن يحيا حياة مستقرة وفعالة على المستويات كافة، وفي نهاية الأسبوع يحاسبه والداه، فإذا زاد عدد تنوع أنشطته عن عدد محدد؛ فإنه يحصل على مكافأة بشيء يحبه، هذه المكافأة ينبغي أن تتنوع حتى لا يزهد فيها مع مرور الوقت .
ضبط الانفعالات
ضبط الانفعالات عندما يُخطىء الطفل: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «كل ابن آدم خطاء، وخيرُ الخطائين التوابون» حديث حسن، فإذا كان الكبار يُخطئون؛ فإن الأطفال أولَى بذلك، ولهم العُذر؛ لذا فإنه من المفيد أن ننتبه إلى أن الصراخ في وجه الطفل وعقابه في وقت الغضب والحدة أكثر الأمور – من وجهة نظري – التي تؤدى إلى اعوجاج ملحوظ في سلوك الأولاد.
فالصراخ والتهديد ينشئ طفلاً إما جباناً رعديداً؛ فيتعلم المراوغة والكذب واختلاق القصص والأعذار، ليتفادى هذا التيار الجارف من الصراخ والتهديد، وإما طفلاً غير مبالٍ مستهترًا باردًا لا يكترث لشيء، وتقوم الدنيا وتقعد وهو غير عابئ بشي، والوالدان الغاضبان الصارخان دائماً لا يتخيلان كم يخسران عندما لا يحاولان ضبط انفعالاتهما، ولاسيما عند العقاب!
أضرار هذا الأسلوب
إن من أضرار هذا الأسلوب أن الطفل الذي ينشأ عليه لا ينمو لديه الإحساس بتمييز الأشياء؛ فما الخطب الجلل؟ وما الأمور العادية البسيطة؟ ومتى ينهض ويتحمس؟ ومتى يتروَّى ويتأنى؟ فيلتبس عليه الأمر، وتصبح سلوكياته غير مناسبة للموقف بأي حال، هذا فضلاً عن اكتساب الطفل هذه الخاصية التي تُفسد علاقاته الاجتماعية جميعاً، بدءاً بعلاقاته مع أبويه، ومرورًا بزملاء الدراسة والعمل، وبرؤسائه ومرؤوسيه، ونهاية بزوجته وأولاده الذين يكتسبون الصفة نفسها بعد ذلك، والأضرار عديدة وكثيرة للدرجة التي لا نتخيل أنها نتيجة الانفعالات والعصبية.
التحكم في الانفعالات
وأزعم أن معظم الغاضبين والمنفعلين يستطيعون التحكم في انفعالاتهم مهما تكن درجة الغضب أو الحدة، وأكبر دليل على ذلك إذا سألنا الشخص الحاد الطباع المنفعل دائماً: هل تستطيع أن تفعل ذلك مع رئيسك في العمل؟ ولا أعني بالطبع ذلك الرئيس الذي عُرِف عنه الضعف أو اللين، بل أعني ذلك الرئيس الذي يهابه المحيطون به، أو الذي يستطيع أن يلحق الأذى بمرؤوسيه، ولنسأل الأم عن هذه الانفعالات أين تذهب أمام أهل الزوج مثلاً؟ أو مع شخص له مهابة في نفسها؟ أو الذي تخشاه بطريقة أو بأخرى، إذاً فنحن نستطيع ضبط الانفعالات فعلاً، ولكن الفرق كبير بين ضبط الانفعالات وبين كبتها؛ فضبط الانفعالات يحدث عن إدراك إرادة، وعن قُدرة على إنفاذ الغضب، والكبت غير ذلك.
اعتبارات مهمة
وأظن أنه من الأجدر بل من الشهامة والمروءة ضبط النفس والانفعالات مع الأضعف والأقل قدرة، ومن هؤلاء أولادنا!
ومن المهم أن نضع في الاعتبار أننا نتعامل مع بشر وليس آلة، بمعنى ألا ننتظر التحسن بعد الاتفاق مباشرة، بل الأمر يتطلب جهداً ووقتاً وصبراً مع الاستعانة الشديدة بالله -تعالى-، وعدم التعجل لظهور النتائج؛ فالعصا وجارح القول لا يخلقان إنسانًا صالحًا أبدًا، وإنما قد يخلقان قردًا مدرَّبًا تبدو على حركاته وسكَناته مظاهر الأدب، ولكننا نريد أولاداً من البشر وليسوا من القرود.
العدل في العقاب
كما ينبغي أن يتوفر العدل في العقاب بمعنى أن تكون العقوبة مناسبة للذنب الذي اقترفه الطفل لا يزيد، ويتجلى هذا العدل في العقاب - في أروع صوره - فيما روته عائشة -رضي الله عنها-: «أن رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم جلس بين يديه؛ فقال: يا رسول الله، إن لي مملوكَين يكذبونني ويخونونني ويعصونني وأضربهم وأشتمهم؛ فكيف أنا منهم؟؛ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : «يحسب ما خانوك وعصوك وكذبوك وعقابك إياهم؛ فإن كان عقابك إياهم دون ذنوبهم كان فضلاً لك، وإن كان عقابك إياهم بقدر ذنوبهم كان كفافًا لا لك ولا عليك، وإن كان عقابك إياهم فوق ذنوبهم اقتص لهم منك الفضل الذي بقي قبلك»؛ فجعل الرجل يبكي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ويهتف؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما لك ما تقرأ كتاب الله؟ {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} (الأنبياء 4)؛ فقال الرجل: يا رسول الله ما أجد شيئا خيرًا من فراق هؤلاء، يعني عبيده، أُشهِدُك أنهم كلهم أحرار» رواه المنذري، وإسناده متصل ورواته ثقات، فقبل أن نفكر في عقاب أبنائنا، علينا أن نعي ما تفعله بهم أجهزة الإعلام ووسائلها حتى نكون مُنصفين .
لاتوجد تعليقات