قواعد الإصلاح والتغيير عند الأنبياء والمرسلين – القاعدة الثالثة – الرفق واللين والموعظة الحسنة
الدعوة إلى الله هي إخراج الناس من الظلمات إلى النور، ومن الكفر إلى الإيمان، ومن الشرك إلى التوحيد، والدعوة الصحيحة هي التي تقوم على منهج الأنبياء والرسل، وتنبع من كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وكل دعوة لا تقوم على هذا الأساس هي دعوة قاصرة وناقصة، يخشى أن يكون نصيبها إما الفشل، وإما الانحراف عن الصراط المستقيم، أو هما معًا، لذلك بدأت لجنة البحث العلمي في الفرقان باستنباط بعض قواعد الدعوة والإصلاح من منهج الأنبياء والمرسلين، وقد تكلمنا في الحلقتين السابقتين عن التوحيد والصبر بوصفهما معلمين رئيسين من معالم تلك الدعوة، واليوم نكمل ما بدأناه مع قاعدة الرفق واللين والدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة.
عند تأمل قصص الأنبياء -صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين- نجد أنهم استعملوا هذا اللفظ (يا قوم) في مخاطبتهم لأقوامهم، فقد جاء ذلك في قصة نوح، وإبراهيم، ولوط، وموسى، وهود، وصالح، وشعيب، ومحمد - صلى الله عليه وسلم -، كما نجد هذا الاستعطاف في دعوة إبراهيم - عليه السلام - لأبيه بقوله: (يا أبت) وتكرارها مرات كثيرة، كما في قوله -سبحانه-: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا (41) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنكَ شَيْئًا (42) يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا (43) يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا (44) يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا} (مريم:41-45)، وهكذا ينبغي للداعية اختيار الألفاظ المناسبة التي تشعر المدعوين بالقرب منه والحرص على مصلحتهم.
الأصل في منهج الأنبياء
من هنا فإن الناظر في الشرع الشريف يرى أن خلق الرحمة والرفق واللين هو الأصل في منهج الأنبياء -عليهم صلوات الله وسلامه- في دعوتهم إلى الله -تعالى- ومعاملتهم مع الخلق، وقد بيَّن الله -عز وجل- لنا في كتابه الكريم وكذا النبي - صلى الله عليه وسلم - في سنته وسيرته الشريفة كيف أن الدعوة إلى الله لابد أن تكون برفق وشفقة، بل وخوف على الناس من عدم الإيمان واتباع الوحي المنزل.
معالم الرفق واللين في دعوة نوح -عليه السلام
دعا نوح -عليه السلام- قومه ليلاً ونهارًا، وسرًا وجهارًا، مراعاة لأحوال الناس وطبائعهم، {فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إلَّا فِرَارًا وَإنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا ثُمَّ إنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا ثُمَّ إنِّي أَعْلَنتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إسْرَارًا فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارًا}، ففي الآيات الكريمات كشف لحال نوح - عليه السلام - مع قومه في دعوتهم إلى العبادة والتوحيد وأنه واجههم بطريق اللين والرفق، وهذا ما يظهر من حرصه ونصحه، وترغيبهم بأبلغ ما يكون من لذات الدنيا ومطالبها، وإتيانهم بكل باب يظن أن يحصل منه المقصود.
معالم الرفق واللين في دعوة إبراهيم -عليه السلام
دعا إبراهيم عليه السلام أباه بكل أدب ورفق راجياً هدايته، قال -تعالى-: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا (41) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنكَ شَيْئًا (42) يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا (43) يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا (44) يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا (45) قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا (46)} قال العلامة السعدي -رحمه الله-: «أي: مستقيما معتدلا وهو: عبادة الله وحده لا شريك له، وطاعته في جميع الأحوال، وفي هذا من لطف الخطاب ولينه، ما لا يخفى، فإنه لم يقل: «يا أبت أنا عالم، وأنت جاهل» أو «ليس عندك من العلم شيء» وإنما أتى بصيغة تقتضي أن عندي وعندك علما، وأن الذي وصل إلى لم يصل إليك ولم يأتك، فينبغي لك أن تتبع الحجة وتنقاد لها.
معالم الرفق واللين في دعوة نبي الله لوط -عليه السلام
وهذا نبيُّ الله لوط الذي كان قومه يرتكبون أعظم الفاحشة، ومع ذلك لم يعاملهم بالعنف والقسوة، ولم يسلَّ في وجههم سيف الدين، بل راح يعظهم ويقدّم لهم دليلاً ليس دينيًّا، وإنما أمرٌ عقلي مفاده أنّ هذا الفعل لم يسبقكم إليه أحد من قبل، فلو كان فيه جهة حسنة لفعله من سبقكم من الأمم، قال -تعالى-: {وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّن الْعَالَمِينَ}، وقال -تعالى-: {وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُم مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لاَّ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَآئِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}.
معالم الرفق واللين في دعوة
أمر الله -تعالى- كليمه موسى -عليه السلام- أن يذهب إلى فرعون الذي تمرد وزاد على الحد في الكفر والفساد والعلو في الأرض، والقهر للضعفاء، حتى إنه ادعى الربوبية والألوهية -قبحه الله- وقد علمه الله كيف يتحاور مع فرعون بالأسلوب اللين والخطاب اللطيف، عسى أن يقبل الحق، فقال -تعالى-: {اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (17) فَقُلْ هَل لَّكَ إِلَى أَن تَزَكَّى (18) وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى}.
وأيضا أمر الله -تعالى- موسى وهارون -عليهما السلام- حين بعثهما إلى فرعون فقال: { اذهبا إلى فرعون إنه طغى فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى} قال ابن كثير -رحمه الله-: {اذهبا إلى فرعون إنه طغى} أي: تمرد وعتا وتكبر على الله وعصاه، {فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى} هذه الآية فيها عبرة عظيمة، وهو أن فرعون في غاية العتو والاستكبار، وموسى صفوة الله من خلقه إذ ذاك، ومع هذا أُمر ألا يخاطب فرعون إلا بالملاطفة واللين، والحاصل أن دعوتهما له تكون بكلام رقيق لين قريب سهل، ليكون أوقع في النفوس وأبلغ وأنجع، كما قال -تعالى-: {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن} الآية (النحل: 125).
معالم الرفق واللين في
فهذا مؤمن آل فرعون يقول في دعوته لقومه: {يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الأَحْزَابِ (30) مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ (31) وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ} (غافر:30-32)، فأظهر لهم مشاعره الصادقة وخوفه الحقيقي عليهم.
معالم الرفق واللين في دعوة
وهذه دعوة بقية الأنبياء من صالح -عليه السلام- إلى هود -عليه السلام- إلى إبراهيم -عليه السلام-، إلى غيرهم من أنبياء الله الذين ذكرهم القرآن الكريم، ولا ترى في دعوتهم إلا الوعظ والتذكير، والدعوة إلى التأمّل ومراجعة الذات وبيان المعارف الإلهية والنعم التي أنعمها الله على بني البشر، وغيرها من الأساليب التي لا تنطوي إلّا على المحبّة والرفق والخوف على الآخر والنصيحة دون عنف أو قسوة، قال -تعالى-: {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ هَذِهِ نَاقَةُ اللّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللّهِ وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوَءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (61) وَاذْكُرُواْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاء مِن بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِن سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُواْ آلاء اللّهِ وَلاَ تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ}، وقال -تعالى-: {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ}.
معالم الرفق واللين
الرحمة والرأفة كما قال الحسن البصري -رحمه الله-: هذا خلق محمد - صلى الله عليه وسلم - بعثه الله به. ويدل لهذا قول الله -تعالى-: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ}، وقال الله -تعالى-: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} قال ابن كثير -رحمه الله-: «الفظ: الغليظ، والمراد به هاهنا غليظ الكلام؛ لقوله بعد ذلك: {غليظ القلب} أي: لو كنت سيئ الكلام، قاسي القلب عليهم لانفضوا عنك وتركوك، ولكن الله جمعهم عليك، وألان جانبك لهم تأليفا لقلوبهم، كما قال عبد الله بن عمرو: «إنه رأى صفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الكتب المتقدمة: أنه ليس بفظ، ولا غليظ، ولا سخاب في الأسواق، ولا يجزي بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويصفح «.
من صور رفقه ولينه - صلى الله عليه وسلم
ومن صور رفقه ولينه - صلى الله عليه وسلم - من السنة ما جاء في صحيح مسلم عن معاوية بن الحكم -رضي الله عنه- قال: بينما أنا أصلي مع رسول الله؛ إذ عطس رجل من القوم فقلت: يرحمك الله، فرماني القوم بأبصارهم، فقلت: واثكل أماه! ما شأنكم تنظرون إليّ؟ فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم، فلما رأيتهم يصمتّونني لكنني سكت، فلما صلى النبي فبأبي هو وأمي، ما رأيت معلماً قبله ولا بعده أحسن تعليماً منه! فو الله ما نهرني ولا ضربني ولا شتمني، قال: «إن هذه الصلاة لا يصح فيها شيء من كلام الناس، إنما التسبيح والتكبير وقراءة القرآن» (أخرجه مسلم).
وامتدح الله النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} (آل عمران:159)، وقال -عز وجل-: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ}(التوبة:128)، وبلغ من شفقته - صلى الله عليه وسلم - وحرصه على هداية الناس أن كادت نفسه الشريفة أن تتلف حزنًا على مَن ضل ولم يؤمن حتى واساه الله بقوله: {فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ} (فاطر:8).
الشيخ الألباني: الرفق واللين من آداب الدعوة والداعي
قال الإمام المحدث محمد ناصر الدين الألباني -رحمه الله-: « قال -تعالى-: {وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}، لا شك أن أكبر ضلالة هي التي كان عليها المشركون ومع ذلك فرسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يتلطف معهم ويترفق بهم، إلى أبعد حدود الحسن واللطف، ولعله يحسن بهذه المناسبة أن نُذكّر بحديث السيدة عائشة رضي الله عنها قالت: دخل يهودي على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: السام عليك يا محمد! فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «وعليك»، فقالت عائشة: فهممت أن أتكلم، فعلمت كراهية النبي - صلى الله عليه وسلم - لذلك، فسكت، ثم دخل آخر فقال: السام عليك، فقال: «عليك»، فهممت أن أتكلم، فعلمت كراهية النبي - صلى الله عليه وسلم - لذلك، ثم دخل الثالث فقال: السام عليك، فلم أصبر حتى قلت: وعليك السام وغضب الله ولعنته، إخوان القردة والخنازير، أتحيُّون رسول الله بما لم يحيه؟! فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إنّ الله لا يُحب الفحش ولا التفحّش، قالوا قولاً فرددنا عليهم، إنّ اليهود قوم حُسدٌ، وإنهم لا يَحْسدُوننا على شيء كما يَحْسُدُوننا على السلام، وعلى آمين».
الشيخ ابن باز: الرفق واللين أمر للأمة جميعًا
قال الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله-: أما أسلوب الدعوة فبينه الرب -جل وعلا- وهو الدعوة بالحكمة أي بالعلم والبصيرة، بالرفق واللين لا بالشدة والغلظة، هذا هو الأسلوب الشرعي في الدعوة، قال -تعالى-: {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن}، هذا الأمر العظيم، وإن كان موجها إلى الرسول العظيم - صلى الله عليه وسلم -، فهو أمر للأمَّة جميعًا وإن خوطب به النبي - صلى الله عليه وسلم - فهو الأصل والأساس، وهو القدوة - صلى الله عليه وسلم -، وفي هذه الآية العظيمة بيان كيفية الدعوة وأسلوبها، ونظامها وما ينبغي للداعي أن يكون عليه: {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة} قال جماعة من علماء التفسير: معنى ذلك: الآيات والأحاديث: يعني ادع إلى الله بآيات الله وبسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ لما فيها من الحكمة، ولما فيها من الفقه والردع والبيان والإيضاح، والكلمة الحكيمة هي التي فيها الردع عن الباطل، والتوجيه إلى الخير، وفيها الإقناع والتوجيه إلى ما فيه السعادة.
الشيخ العثيمين: الدعوة باللطف واللين وبيان الحق
قال الشيخ محمد صالح العثيمين -رحمه الله-: «إننا نحث إخواننا ولا سيما الشباب على أن يحرصوا غاية الحرص على دعوة إخوانهم إلى الحق، وليكن ذلك باللطف واللين وبيان الحق؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم - قال: «إن الله يعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف» وهذا كلام الرسول - صلى الله عليه وسلم - وهو لا ينطق عن الهوى، فعلى الشباب أن يدعوا إلى الله على بصيرة وعلم بالرفق واللين ولا ييأسوا، قد تحصل من المدعو نفرة في أول الأمر وكراهية، لكن إذا عومل بالتي هي أحسن ودون عنف وباللين، فإن الله -عز وجل- يقول لموسى وهارون: {اذهبا إلى فرعون إنه طغى فقولا له قولا لينا} لماذا؟ {لعله يتذكر أو يخشى} (سورة طه، الآيتان: 43-44)، فهكذا ينبغي على كل داعية إلى الخير أن يقابل الناس باللين وبيان الحق، وأن يصبر على ما يجد من جفوة.
لاتوجد تعليقات