قواعد الإصلاح والتغيير عند الأنبياء والمرسلين – القاعدة الخامسة – التنوع في أساليب الدعوة
الدعوة الصحيحة هي التي تقوم على منهج الأنبياء والرسل، وتنبع من كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وكل دعوة لا تقوم على هذا الأساس هي دعوة قاصرة وناقصة، يخشى أن يكون نصيبها إما الفشل، وإما الانحراف عن الصراط المستقيم، أو هما معًا، لذلك بدأت لجنة البحث العلمي في الفرقان باستنباط بعض قواعد الدعوة والإصلاح من منهج الأنبياء والمرسلين، واليوم مع قاعدة مهمة وهي التنوع في أساليب الدعوة.
إذا نظرنا في أساليب الأنبياء ووسائلهم في دعوتهم لأقوامهم؛ فسنجد أن التنوع سمة عامة في كل الدعوات؛ فكل نبي أو رسول يبدأ دعوته باللين والحجج والبراهين وعرض الدليل تلو الدليل، ومع ذلك الصبر على أذى المعارضين وتكذيب المكذبين، ثم مع تصاعد المواجهة وردود الأفعال تتغيّر المواقف، وبيان ذلك فيما يلي:
معالم التنوع في دعوة
دعا نوح -عليه السلام- قومه ليلاً ونهاراً وسراً وجهاراً مراعاة لأحوال الناس وطبائعهم؛ {فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إلَّا فِرَارًا (6) وَإنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا (7) ثُمَّ إنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا (8) ثُمَّ إنِّي أَعْلَنتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إسْرَارًا} (نوح: ٦ - ٩)، فمن الناس من يكون وعيه وإدراكه في النهار أكثر من الليل بحسب طبيعة نشاطه وسعيه في الحياة، ومنهم من يكون أصفى ذهناً لسماع الدعوة وحججها وأكثر تقبلاً للموعظة بالليل حيث يغلب السكون والتأمل، وهو ما لا يكون بالنهار.
كما أنه علم أن من الناس من يستنكف عن قبول دعوته إذا وجهت إليه جهراً أمام الملأ وفي العلن؛ فأسر إليه بدعوته ليحرره من قيود وتأثيرات العقل الجمعي العام، وفي الوقت ذاته لم يترك الدعوة العلنية لجماهير الناس لتنشيط الحوار المجتمعي لتثبيت المواقف وتمييز الاتجاهات.
غير أن الأمور لم تستمر على هذه الوتيرة، ولا سيما أمام الخصوم الذين اتهموه بالضلال، وانطلقت أبواق الدعاية المضادة لتسخر منه وممن آمن معه، وسعوا للصد عن دعوته وصرف الناس عنه، وأمام هذا العداء والعناد والإصرار على الكفر، وبعد إعلام الله -تعالى- له أنه لن يؤمن إلا من قد آمن، لم يكن هناك من وسيلة إلا الدعاء عليهم: {وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لا تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا (26) إنَّكَ إن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلا يَلِدُوا إلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا} (نوح: 26 - 27)، فاستجاب الله -تعالى- وعاقبهم بالماء المنهمر من السماء والمتفجر من عيون الأرض، فأغرقوا وصاروا إلى يوم الدين عبرة وأحاديث.
معالم التنوع في دعوة
دعا إبراهيم -عليه السلام- أباه بأدب ورفق راجيًا هدايته، كما ناظر قومه من عابدي الكواكب والشمس وجادلهم بالأدلة العقلية في مناظرة استدراجية، موافقاً لهم حتى يكونوا هم الحاكمين على أنفسهم بضلال ما هم عليه من اعتقادات لا سند لها ولا برهان، لكنه لما جادل عباد الأوثان، وبيّن لهم أنها لا تنفع ولا تضر، ولا تسمع دعاء ولا تستجيب لداع، توجه إليها - موطناً نفسه على ما قد يلقاه من أذى - فكسرها بيمينه وأهانها وهي لا تحس ألماً ولا تعي ما يفعل بها: {فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ} (الصافات: 93)؛ فسلك بذلك وسيلة القوة، وتغيير هذا المنكر المتمثل في عبادة الأوثان باليد آخذاً بعزائم الأمور، غير عابئ بما قد يناله من عابديها أو صانعيها، وهذ شأن أصحاب الدعوات الذين يضحون بكل ما يملكون من أجل دعوتهم وعقيدتهم، ولا يخافون في الله لومة لائم؛ فعواقب الأمور بيد الله -عز وجل- وحده.
معالم التنوع في دعوة
سلك نبي الله موسى -عليه السلام- في بداية دعوته لفرعون ومَلَئِهِ أسلوب اللين والحوار العقلي الهادئ، لكن مع رعونة فرعون والملأ، وتصاعد حدة التهديدات، وردود الأفعال العدائية والرافضة للدعوة رغم الحجج الواضحة والآيات الدامغة، ما كان من موسى إلا أن سلك مسلكاً آخر، وفاجأ فرعون بهذا الرد الذي يليق بأمثاله: {وَإنِّي لأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا} (الإسراء: 102).. قال ابن كثير: «أي هالكاً، وقيل ملعوناً، وقيل مغلوباً». ولما رأى موسى -عليه السلام- أنه ومن معه في خطر، وأن الدعوة تمر بمنعطف صعب، وأن العقبات تعوق تقدمها، وأنها مهددة بألا تسير في طريقها، دعا على فرعون وملئه، وتوجه إلى الله -تعالى- بهذا الدعاء: {وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْـحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَن سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الأَلِيمَ} (يونس: ٨٨)، فأغرق الله فرعون وجنده وجعلهم عبرة لمن خلفهم.
معالم التنوع
لم يدع النبي - صلى الله عليه وسلم - سبيلا يمكن من خلاله أن يدعو إلى الله إلا سلكه، ولا طريقًا إلا ولجه، فأرشد الدعاة بعده إلى استعمال كل وسيلة مهما تيسرت أسبابها وكانت مشروعة، وفيما يأتي أبرز أساليب النبي - صلى الله عليه وسلم - في التربية والدعوة إلى الله، والتي تظهر حرصه الشديد على هداية الناس جميعًا:
تقديم الترغيب على الترهيب
عَلِم النبي - صلى الله عليه وسلم - طبيعة النفس البشرية وأن فيها إقبالا وإدبارا، وفيها النشاط والضعف، وأن من النفوس من لا يصلحها إلا الترغيب، ومن النفوس من لا يردعها ويهذبها إلا الترهيب، لذا راعى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كل هذه الاعتبارات، فجمع بين الترغيب والترهيب، بل لقد قدَّم الترغيب على الترهيب؛ لأنه أنفع وأجدى، يتَّضح هذا من موقفه - صلى الله عليه وسلم - مع أبي ذر - رضي الله عنه - الذي يرويه لنا أبو ذر - رضي الله عنه -، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له: «مَا مِنْ عَبْدٍ» قَالَ: «لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، ثُمَّ مَاتَ عَلَى ذَلِكَ إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ». قُلْتُ: «وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ؟» قَالَ: «وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ». قُلْتُ: «وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ؟» قَالَ: «وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ». قُلْتُ: «وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ؟» قَالَ: «وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ عَلَى رَغْمِ أَنْفِ أَبِي ذَرٍّ». (متفق عليه)، والمتأمل في تلك القصة يلحظ حرص النبي - صلى الله عليه وسلم - على الترغيب.
الإقناع العقلي واستخدام الحوار
كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يخاطب العقل في الإنسان، ومن مواقفه - صلى الله عليه وسلم - الدعوية التي تبرز ذلك موقفه من الفتى الذي جاء يستأذنه في الزنا! كيف كان ردُّ النبي - صلى الله عليه وسلم - عليه وكيف تعامل معه؟
يروي لنا ذلك أبو أُمامة - رضي الله عنه- فيقول: «إِنَّ فتىً شابًا أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: «يا رسولَ الله، ائْذَنْ لي بالزِّنا، فأَقْبلَ القومُ عليه فزَجَرُوه»، وقالوا: «مَهْ مَهْ!!» فقال له: «ادْنُه، فدنا منه قريبًا، قال: «أَتُحِبُّهُ لِأُمِّكَ؟»قال: «لَا واللهِ، جَعَلَنِي اللهُ فِدَاءَكَ!» قَالَ: «وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأُمَّهَاتِهِمْ». قال: «أَفَتُحِبُّهُ لِابْنَتِكَ؟» قَالَ: «لَا وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ، جَعَلَنِي اللهُ فِدَاءَكَ!» قَاَل: «وَلَا النَّاسُ جَمِيعًا يُحِبُّونَهُ لِبَنَاتِهِمْ» قال: «أَفَتُحِبُّهُ لِأُخْتِكَ؟» قال: «لَا وَاللهِ جَعَلَنِي اللهُ فِدَاءَكَ!» قَالَ: «وَلَا النَّاسُ جَمِيعًا يُحِبُّونَهُ لِأَخَوَاتِهِمْ». قال: «أَفَتُحِبُّهُ لِعَمَّتِكَ؟» قال: لا والله، جعلني الله فداءك! قال: «وَلَا النَّاسُ جَمِيعًا يُحِبُّونَهُ لِعَمَّاتِهِمْ». قال: «أَفَتُحِبُّهُ لِخَالَتِكَ؟» قَالَ: لَا وَاللهِ جَعَلَنِي اللهُ فِدَاءَكَ!» قَالَ: «وَلَا النَّاسُ جَمِيعًا يُحِبُّونَهُ لِخَالَاتِهِمْ». قال: «فوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ»، وقالَ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ ذَنْبَهُ، وَطَهِّرْ قَلْبَهُ، وَحَصِّنْ فَرْجَهُ، فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفتُ إلى شيءٍ» (رواه أحمد).
يوضح لنا هذا الموقف كيف كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يتعامل بالحوار والإقناع العقلي مع العصاة والمجترئين على المعصية.. تأمَّلْ كيف ردَّ على ذلك الشابِّ بأسلوبٍ عقليٍّ ومنطقيٍّ مُقْنعٍ مُوَضِّحًا له قبيحَ طلَبِه وشناعةَ تلك المعصيةِ، والتي يأباها كل أفراد المجتمع، ثم لما انتهى - صلى الله عليه وسلم - من حديثه مع الشاب وضع يده الشريفة برفق وحنو على صدر الشاب داعيًا له بالمغفرة وطهارة القلب وإحصان الفرج، وصدق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قولًا وعملًا حينما قال: «إِنَّ اللهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ، وَيُعْطِي عَلَى الرِّفْقِ مَا لَا يُعْطِي عَلَى الْعُنْفِ، وَمَا لَا يُعْطِي عَلَى مَا سِوَاهُ». (رواه مسلم).
استثمار المواقف والفرص
كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يستثمر المواقف في التعليم؛ لأنها أوقع أثرًا وأثبت في الذاكرة، ومن ذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان مع أصحابه يومًا، وإذا بامرأة من السبي تبحث عن ولدها، فلما وجدته ضمته، هنا أراد النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يستثمر هذه الفرصة ويعلم أصحابه مدى رحمة الله، فقال - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه: «أَتَرَوْنَ هَذِهِ طَارِحَةً وَلَدَهَا فِي النَّارِ؟» قَالُوا: لَا!! قَالَ: «واللهُ لَا يُلْقِي حَبِيبَهُ فِي النَّارِ» (متفق عليه)، والمواقف متنوعة فقد يكون الموقف موقف حزن أو خوف فيستخدم في الوعظ، كما في وعظه - صلى الله عليه وسلم - أصحابه عند القبر، يقول البراء بن عازب - رضي الله عنه-: «خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي جِنَازَةِ رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ فَانْتَهَيْنَا إِلَى الْقَبْرِ وَلَمَّا يُلْحَدْ (أي: لم ينتهوا من حفر المكان الذي يدفن فيه الميت)، فَجَلَسَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَجَلَسْنَا حَوْلَهُ كَأَنَّمَا عَلَى رُءُوسِنَا الطَّيْرُ، وَفِي يَدِهِ عُودٌ يَنْكُتُ بِهِ فِي الأَرْضِ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ: اسْتَعِيذُوا بِاللهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ.. مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا»، ثم ذكر الحديث الطويل في وصف عذاب القبر وفتنته. (رواه أبو داود).
الاعتدال والوسطية
كان من هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - في دعوته الاعتدال والوسطية ورفض التشدد، فالتشدد المقيت يؤدي إلى المشقة على النفس ويؤدي إلى التطرف في الدين والبعد عن وسطية الإسلام، وضياع حق النفس وحقوق الآخرين. ومن أبرز الأمثلة على ذلك الثلاثة الذين جاؤوا إلى بيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليسألوا عن عبادته، يروي لنا ذلك أنس بن مالك - رضي الله عنه- فيقول: «جَاءَ ثَلَاثَةُ رَهْطٍ إِلَى بُيُوتِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - يَسْأَلُونَ عَنْ عِبَادَةِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَلَمَّا أُخْبِرُوا كَأَنَّهُمْ تَقَالُّوهَا»، فَقَالُوا: «وَأَيْنَ نَحْنُ مِنَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ! قَالَ أَحَدُهُمْ: أَمَّا أَنَا فَإِنِّي أُصَلِّي اللَّيْلَ أَبَدًا»، وَقَالَ آخَرُ: «أَنَا أَصُومُ الدَّهْرَ وَلَا أُفْطِرُ»، وَقَالَ آخَرُ: «أَنَا أَعْتَزِلُ النِّسَاءَ فَلَا أَتَزَوَّجُ أَبَدًا، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَيْهِمْ» فَقَالَ: «أَنْتُمُ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا.. أَمَا وَاللَّهِ، إِنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ، لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ؛ فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي» (رواه البخاري)، إنه - صلى الله عليه وسلم - القدوة والأسوة الحسنة في دعوته وتعليمه وإشفاقه على الناس والبعد عن التشدد، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ، وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلَّا غَلَبَهُ، فَسَدِّدُوا، وَقَارِبُوا، وَأَبْشِرُوا...» (رواه البخاري).
أسلوب الهجر
وقد استعمل النبي - صلى الله عليه وسلم - أسلوب الهجر في الموقف المشهور لكعب بن مالك - رضي الله عنه - وأصحابه حينما تخلفوا عن غزوة تبوك، فهجرهم - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، لا يكلمهم أحد أكثر من شهر حتى تاب الله -تبارك وتعالى- عليهم، إلا أن استخدام هذا الأسلوب لم يكن هديًا دائمًا له - صلى الله عليه وسلم -، وإنما المعيار في ذلك هو تحقيق المصلحة، فمتى كان الهجر مصلحة وردعًا للمهجور شرع ذلك، وإن كان فيه مفسدة وصد له حَرُم هَجْرُه.
أسلوب التوجيه غير المباشر
وتمثل ذلك الأسلوب في مواقف عدة: منها قوله - صلى الله عليه وسلم -: «ما بال أقوام»، دون أن يخصص أحدًا بعينه، ومن ذلك قوله في قصة بريرة حينما صعد على المنبر فقال: «مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللهِ؟! مَنِ اشْتَرَطَ شَرْطًا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللهِ، فَلَيْسَ لَهُ وَإِنِ اشْتَرَطَ مِائَةَ شَرْطٍ» (متفق عليه).
وأحيانًا يخاطب غيره وهو يسمع، ومن ذلك حينما استبَّ رجلان عنده - صلى الله عليه وسلم - وأحدهما يسب صاحبه مغضبًا قد احمر وجهه، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه: «إِنِّي لأَعْلَمُ كَلِمَةً لَوْ قَالَهَا لَذَهَبَ عَنْهُ مَا يَجِدُ، لَوْ قَالَ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ». فَقَالُوا لِلرَّجُلِ: أَلَا تَسْمَعُ مَا يَقُولُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم ؟ قال: إِنِّي لستُ بِمَجْنُونٍ». (رواه البخاري).
أسلوب الوعظ والتذكير
وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يتخول أصحابه بالموعظة مخافة السآمة والملل، وكان ينتهز كل فرصة مواتية تجمع المسلمين ليوجه إليهم رسائل وعظية وتذكيرية نافعة، منها حديث العرباض بن سارية - رضي الله عنه - قال: «وَعَظَنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مَوْعِظَةً بَلِيغَةً وَجِلَتْ مِنْهَا القُلُوبُ وَزَرَفَتْ مِنَها العُيُونُ، فَقُلْنَا كَأَنَّهَا مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ فَأَوْصِنَا، فَقَالَ: أُوصِيكُمْ بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَإِنْ تَأَمَّرَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ؛ فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا؛ فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ المَهْدِيِّينَ عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ؛ فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٍ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ». (رواه الترمذي).
أسلوب القصص والأمثال
وهي وسيلة من أنفع الوسائل، وقد استخدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذه الوسيلة كما في أحاديث كثيرة مشهورة: منها قصة الثلاثة أصحاب الغار، وقصة الأبرص والأقرع والأعمى، وقصة صاحبي جرة الذهب، وقصة المتداينين من بني إسرائيل، وغيرها من القصص المليئة بالعبر والعظات التي تزخر بها كتب السيرة.
لاتوجد تعليقات