قواعد الإصلاح والتغيير عند الأنبياء والمرسلين – القاعدة التاسعة – تحقيق المصالح وتكميلها.. ودرء المفاسد وتقليلها
الدعوة الصحيحة هي التي تقوم على منهج الأنبياء والرسل، وتنبع من كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وكل دعوة لا تقوم على هذا الأساس دعوة قاصرة وناقصة، يخشى أن يكون نصيبها إما الفشل، وإما الانحراف عن الصراط المستقيم، أو هما معًا، لذلك بدأت لجنة البحث العلمي في الفرقان باستنباط بعض قواعد الدعوة والإصلاح من منهج الأنبياء والمرسلين، واليوم مع القاعدة التاسعة وهي تحقيق المصالح وتكميلها، ودرء المفاسد وتقليلها.
من قواعد الإصلاح المهمة في منهج الأنبياء والمرسلين وفي دعوتهم إلى الله -عز وجل- والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والفتيا والحكم: العمل على تحقيق المصالح وتكميلها ودرء المفاسد وتقليلها، بل إن الشريعة الإلهية مبناها على هذا، فهي تأمر بالمصالح الخالصة أو الراجحة، وتنهى عن المفاسد الخالصة أو الراجحة، وإن تعارضت المصالح يقدم الأعلى منها ويفوت الأدنى، وإن تزاحمت المفاسد دفعت المفسدة الكبرى بارتكاب الأدنى.
الْمَصَالِح الْخَالِصَة وَالرَّاجِحَة
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: «وَالشَّرِيعَةُ تَأْمُرُ بِالْمَصَالِحِ الْخَالِصَةِ وَالرَّاجِحَةِ كَالْإِيمَانِ وَالْجِهَاد؛ فَإِنَّ الْإِيمَانَ مَصْلَحَةٌ مَحْضَةٌ، وَالْجِهَادُ وَإِنْ كَانَ فِيهِ قَتْلُ النُّفُوسِ فَمَصْلَحَتُهُ رَاجِحَةٌ، وَفِتْنَةُ الْكُفْرِ أَعْظَمُ فَسَادًا مِنْ الْقَتْلِ كَمَا قَالَ تَعَالَ: {وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ} وَنَهَى عَنْ الْمَفَاسِدِ الْخَالِصَةِ وَالرَّاجِحَةِ كَمَا نَهَى عَنْ الْفَوَاحِشِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، وَعَنْ الْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاَللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ، وَهَذِهِ الْأُمُورُ لَا يُبِيحُهَا قَطُّ فِي حَالٍ مِنْ الْأَحْوَالِ وَلَا فِي شِرْعَةٍ مِنْ الشَّرَائِعِ، وَتَحْرِيمُ الدَّمِ وَالْمَيْتَةِ وَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ وَالْخَمْرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا مَفْسَدَتُهُ رَاجِحَةٌ، وَهَذَا الضَّرْبُ تُبِيحُهُ عِنْدَ الضَّرُورَةِ ؛ لِأَنَّ مَفْسَدَةَ فَوَاتِ النَّفْسِ أَعْظَمُ مِنْ مَفْسَدَةِ الِاغْتِذَاءِ بِهِ».
تحصيل المصالح بحسب الإمكان
ويقول الإمام ابن القيم: «فإن الشريعة مبناها على تحصيل المصالح بحسب الإمكان، وألا يفوت منها شيء، فإن أمكن تحصيلها كلها حصلت، وإن تزاحمت ولم يمكن تحصيل بعضها إلا بتفويت البعض قدم أكملها وأهمها وأشدها طلبا للشارع»، ويقول كذلك: «وإذا تأملت شرائع دينه التي وضعها بين عباده وجدتها لا تخرج عن تحصيل المصالح الخالصة أو الراجحة بحسب الإمكان، وإن تزاحمت قدم أهمها وأجلها وإن فاتت أدناهما، وتعطيل المفاسد الخالصة أو الراجحة بحسب الإمكان، وإن تزاحمت عطل أعظمها فسادًا باحتمال أدناهما».
إذا دار الأمر بين مصلحتين
ويقول العلامة السعدي -رحمه الله- في منظومة القواعد الفقهية:
فإن تزاحم عدد المصالح
يقدم الأعلى من المصالح
وضدّه تزاحم المفاسد
يرتكب الأدنى من المفاسد
فإذا دار الأمر بين فعل إحدى المصلحتين وتفويت الأخرى؛ بحيث لا يمكن الجمع بينهما روعي أكبر المصلحتين ففعلت وقدمت على الأخرى، كأن تتعارض مصلحة واجبة وأخرى مستحبة فتقدم الواجبة، وإن كانت المصلحتان واجبتين قدمت أوجبهما، فتقدم صلاة الفريضة على صلاة النذر، ويقدم في النفقات اللازمة الأقرب فالأقرب، وإن كانت المصلحتان مستويتين قدم أفضلهما فتقدم الراتبة على النفل المطلق، وكذلك يقدم ما نفعه متعدٍ كالتعليم وعيادة المريض ونحوه على ما نفعه قاصر كالذكر وصلاة النافلة.
أقسام المصالح
والمصالح من حيث اعتبار الشارع لها من عدمه تنقسم إلى ثلاث:
(1) ما نص الشارع على اعتبارها
وهذه هي المصالح الشرعية كمصلحة حفظ الدين والتي تقوم بنشر العلم الشرعي النافع والدعوة إليه بالفم واللسان والسيف والسنان، وتحريم كل ما يضعفه أو يضاده من العلوم الرديئة كعلم الكلام والأعمال المنحرفة والمظاهر المخالفة، وبالجملة فكل مأمورات الشرع داخلة في هذا، وكذا نواهيه.
(2) ما قام الشارع بإلغائه وعدم اعتباره
فهي مصالح ملغاة، ويدخل في هذا كل ما ألغاه الشارع وإن رأى الإنسان بعقله القاصر أنه مصلحة فهو ليس كذلك لمصادمته الشرع أو إخلاله بمقاصده أو لكونه معارضا لمصلحة أعظم.
(3) ما سكت عنه الشارع فلم يرد طلبه ولا إلغاؤه
وهذا ما يعرف بالمصالح المرسلة، ولها شروط وضوابط ليس هذا موضعها.
ثم إن المصالح الشرعية تتفاوت قوة وضعفا، فليست على درجة واحدة، فتنقسم إلى: ضرورية، ثم حاجية، ثم تحسينية.
فالضرورية هي التي لا بد من توافرها لقيام حياة الناس على الوجه المستقيم، وهي ما يعرف بالضرورات الخمس، والتي جاء الشرع بالمحافظة عليها وهي الدين -وهو أعلاها -، والنفس، والعقل، والعرض، والمال، أما المصالح الحاجية فهي التي يفتقر إليها الناس لرفع الحرج والضيق، وأما التحسينية فهي الأخذ بمحاسن الأمور والجري على مكارم الأخلاق.
الأدلة الشرعية
والأدلة الشرعية على أن الشريعة الإلهية قامت على درء المفاسد وجلب المصالح كثيرة.
الأدلة من القرآن الكريم
قوله تعالى: {وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاء الْكَافِرِينَ(191) فَإِنِ انتَهَوْاْ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ(192) وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ فَإِنِ انتَهَواْ فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ(193)}، فالقتال في سبيل الله يحقق مصلحة عظيمة وهي إعلاء كلمة الله، وجعل الخضوع كله لشرعه، وإذلال الشرك وأهله، فقوله {حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ} أي: حتى لا يكون شرك، وفيه مفسدة إزهاق الأرواح، إلا أن المصلحة في بقاء الدين وإعلاء كلمة التوحيد وإذلال الشرك ورفع الفتنة لا تقاومها المضرة في إزهاق الأرواح، كما أن حفظ الدين مقدم على حفظ النفوس.
وقوله -تعالى-: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ اللّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ}، أي أن مفسدة صد المشركين عن سبيل الله وكفرهم به وصدهم المؤمنين عن المسجد الحرام وإخراجهم منه أكبر من مفسدة قتالهم في الشهر الحرام، فتحمل أدنى المفسدتين لدفع أكبرهما، فلا بأس بالقتال في الشهر الحرام في تلك الظروف.
وقوله -تعالى-: {وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّواْ اللّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ}، فسب آلهة المشركين الباطلة وتحقير الطواغيت وتصغيرهم حتى يضعف شأنهم مصلحة، ولكن لما ترتب على ذلك مفسدة كبيرة لا تقاومها هذه المصلحة، وهذه المفسدة هي سبهم الله، وقدرتهم على ذلك نظرا لضعف المؤمنين حينئذ نهاهم الله من سب آلهتهم، فذلك من باب تفويت مصلحة لدفع مفسدة أكبر.
ثانيا: الأدلة من السنة
روى البخاري في صحيحه عن عائشة -رضي الله عنها- أن النبي قال لها: « يَا عَائِشَةُ، لَوْلاَ قَوْمُكِ حَدِيثٌ عَهْدُهُمْ - قَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ بِكُفْرٍ - لَنَقَضْتُ الْكَعْبَةَ فَجَعَلْتُ لَهَا بَابَيْنِ بَابٌ يَدْخُلُ النَّاسُ، وَبَابٌ يَخْرُجُون»، وقد ترجم البخاري لهذا الحديث بقوله: (باب مَنْ تَرَكَ بَعْضَ الاِخْتِيَارِ مَخَافَةَ أَنْ يَقْصُرَ فَهْمُ بَعْضِ النَّاسِ عَنْهُ فَيَقَعُوا فِي أَشَدَّ مِنْهُ). قال ابن حجر -رحمه الله-: «وَفِي الْحَدِيث مَعْنَى مَا تَرْجَمَ لَهُ، لِأَنَّ قُرَيْشًا كَانَتْ تُعَظِّم أَمْر الْكَعْبَة جِدًّا، فَخَشِيَ- صلى الله عليه وسلم - أَنْ يَظُنُّوا لِأَجْلِ قُرْب عَهْدهمْ بِالْإِسْلَامِ أَنَّهُ غَيَّرَ بِنَاءَهَا لِيَنْفَرِد بِالْفَخْرِ عَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ، وَيُسْتَفَاد مِنْهُ تَرْك الْمَصْلَحَة لِأَمْنِ الْوُقُوع فِي الْمَفْسَدَة، وَمِنْهُ تَرْك إِنْكَار الْمُنْكَر خَشْيَة الْوُقُوع فِي أَنْكَر مِنْهُ، وَأَنَّ الْإِمَام يَسُوس رَعِيَّته بِمَا فِيهِ إِصْلَاحهمْ وَلَوْ كَانَ مَفْضُولًا مَا لَمْ يَكُنْ مُحَرَّمًا».
وَيْلَكَ! وَمَنْ يَعْدِلُ إِذَا لَمْ أَكُنْ أَعْدِلُ؟!
وأخرج مسلم عن جابر قَالَ: «أَتَى رَجُلٌ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِالْجِعْرَانَةِ مُنْصَرَفَهُ مِنْ حُنَيْنٍ، وَفِى ثَوْبِ بِلاَلٍ فِضَّةٌ، وَرَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقْبِضُ مِنْهَا يُعْطِى النَّاسَ، فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ اعْدِلْ. قَالَ « وَيْلَكَ! وَمَنْ يَعْدِلُ إِذَا لَمْ أَكُنْ أَعْدِلُ؟! لَقَدْ خِبْتَ وَخَسِرْتَ إِنْ لَمْ أَكُنْ أَعْدِلُ ». فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ- رضي الله عنه- دَعْنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ فَأَقْتُلَ هَذَا الْمُنَافِقَ. فَقَالَ « مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ يَتَحَدَّثَ النَّاسُ أَنِّى أَقْتُلُ أَصْحَابِى إِنَّ هَذَا وَأَصْحَابَهُ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لاَ يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ يَمْرُقُونَ مِنْهُ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ».
الخروج عن منهج النبي - صلى الله عليه وسلم
وإلى الذين لم يراعوا ما اعتبره الشرع من تحقيق المصالح وتكميلها ودرء المفاسد وتقليلها فخرجوا عن منهج النبي - صلى الله عليه وسلم - في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومقارعة الحكام بزعم الغيرة على الدين والعمل على تحكيم الشريعة، فترتب على أفعالهم مفاسد جمة ومنكرات أعظم، إلى هؤلاء نسوق هذا الكلام النفيس لأهل العلم حتى لا يعود أحد إلى أمثال ذلك، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: «وإذا كان هو -الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر- من أعظم الواجبات والمستحبات، فالواجبات والمستحبات لابد أن تكون المصلحة فيها راجحة على المفسدة، إذ بهذا بعثت الرسل ونزلت الكتب والله لا يحب الفساد، بل كل ما أمر الله به فهو صلاح، وقد أثنى الله على الصلاح والمصلحين والذين آمنوا وعملوا الصالحات، وذم المفسدين في غير موضع، فحيث كانت مفسدة الأمر والنهى أعظم من مصلحته لم تكن مما أمر الله به، وإن كان قد تُرك واجب وفعل محرم، وهنا يغلط فريقان من الناس؛ فريق يترك ما يجب من الأمر والنهى تأويلا لهذه الآية - {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ}، والفريق الثاني من يريد أن يأمر وينهى إما بلسانه وإما بيده مطلقا من غير فقه وحلم وصبر ونظر فيما يصلح من ذلك ومالا يصلح وما يقدر عليه ومالا يقدر».
العالم وتدبر المسائل
وقال: «فَيَنْبَغِي لِلْعَالِمِ أَنْ يَتَدَبَّرَ أَنْوَاعَ هَذِهِ الْمَسَائِلِ وَقَدْ يَكُونُ الْوَاجِبُ فِي بَعْضِهَا الْعَفْوَ عِنْدَ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ فِي بَعْضِ الْأَشْيَاءِ؛ لَا التَّحْلِيلَ وَالْإِسْقَاطَ، مِثْلَ أَنْ يَكُونَ فِي أَمْرِهِ بِطَاعَةِ فِعْلًا لِمَعْصِيَةِ أَكْبَرَ مِنْهَا؛ فَيَتْرُكُ الْأَمْرَ بِهَا دَفْعًا لِوُقُوعِ تِلْكَ الْمَعْصِيَةِ مِثْلَ أَنْ تَرْفَعَ مُذْنِبًا إلَى ذِي سُلْطَانٍ ظَالِمٍ، فَيَعْتَدِي عَلَيْهِ فِي الْعُقُوبَةِ مَا يَكُونُ أَعْظَمَ ضَرَرًا مِنْ ذَنْبِهِ وَمِثْلَ أَنْ يَكُونَ فِي نَهْيِهِ عَنْ بَعْضِ الْمُنْكَرَاتِ تَرْكًا لِمَعْرُوفِ هُوَ أَعْظَمُ مَنْفَعَةً مِنْ تَرْكِ الْمُنْكَرَاتِ، فَيَسْكُتُ عَنْ النَّهْيِ خَوْفًا أَنْ يَسْتَلْزِمَ تَرْكَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَرَسُولُهُ مِمَّا هُوَ عِنْدَهُ أَعْظَمُ مِنْ مُجَرَّدِ تَرْكِ ذَلِكَ الْمُنْكَرِ، فَالْعَالِمُ تَارَةً يَأْمُرُ وَتَارَةً يَنْهَى، وَتَارَةً يُبِيحُ وَتَارَةً يَسْكُتُ عَنْ الْأَمْرِ أَوْ النَّهْيِ أَوْ الْإِبَاحَةِ، كَالْأَمْرِ بِالصَّلَاحِ الْخَالِصِ أَوْ الرَّاجِحِ، أَوْ النَّهْيِ عَنْ الْفَسَادِ الْخَالِصِ أَوْ الرَّاجِحِ، وَعِنْدَ التَّعَارُضِ يُرَجَّحُ الرَّاجِحُ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ فَأَمَّا إذَا كَانَ الْمَأْمُورُ وَالْمَنْهِيُّ لَا يَتَقَيَّدُ بِالْمُمْكِنِ: إمَّا لِجَهْلِهِ وَإِمَّا لِظُلْمِهِ وَلَا يُمْكِنُ إزَالَةُ جَهْلِهِ وَظُلْمِهِ فَرُبَّمَا كَانَ الْأَصْلَحُ الْكَفَّ وَالْإِمْسَاكَ عَنْ أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ كَمَا قِيلَ: إنَّ مِنْ الْمَسَائِلِ مَسَائِلَ جَوَابُهَا السُّكُوتُ».
أصحاب المناهج الدعوية المخالفة
فليت شعري، أين كان أصحاب المناهج الدعوية المخالفة لمنهج الأنبياء من هذه القاعدة المقررة والضوابط المحررة المبنية على أدلة الكتاب والسنة؟ لقد غلب القوم عواطفهم، وغلب عليهم الجهل فاندفعوا يغيرون بعض المنكرات بعيدا عن ضوابط الشرع؛ فجلبوا المفاسد والمضار، وعطلوا الدعوات، ورموا الناصحين لهم من أهل العلم بالجبن والخور، وحسبوا اندفاعهم وتهورهم شجاعة وإقداما وغيرة.
ولنا أن نسأل هؤلاء: أأنتم أغير على شرع الله أم سيد الأولين الذي كان يمر على الأصنام وهي تعبد من دون الله فلم يحطمها إلا بعد أن مكنه الله رغم أنه كان يدعو قومه للتوحيد ويسفه أحلامهم ويعيب آلهتهم المزعومة؟ وكان يمر على أصحابه يعذبون فيأمرهم بالصبر ويحثهم على الثبات ويبشرهم بأن العاقبة لهم، وكذلك كان موسى -عليه السلام- لما شكى له قومه أذى فرعون فقال لهم: {اسْتَعِينُوا بِاللّهِ وَاصْبِرُواْ إِنَّ الأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ}.
خلاصة القول
وخلاصة القول أن اعتبار المصالح والمفاسد بالعمل على تحقيق المصالح وتكميلها ودرء المفاسد وتقليلها سمة من سمات منهج الأنبياء -عليهم صلوات الله وسلامه-، وميزان ذلك هو الشرع المنزل لا ميل النفوس ولا أهواء البشر، مع النظر إلى مآلات الأفعال والنتائج المترتبة عليها.
لاتوجد تعليقات