قواعد اتخاذ القرار السليم
عندما تعرض النظام التركي إلى انقلاب من قبل بعض عناصر الجيش من الطائفة العلوية، ومن قبل أتباع مدرسة أتاتورك الذين يعتقدون أن النظام القائم خرج عن القواعد التي أسسها أتاتورك بعد سقوط الخلافة اختلف طلبة العلم حول هذا النظام، بين ما فيه من المفاسد والبدع والشبهات، وأنه لا يستحق الوقوف معه وبين أن هذه فتنة؛ فيجب اعتزالها وعدم الحديث عنها، لا من قريب ولا من بعيد، وبعضهم قال: ننظر إلى كبار العلماء وما وسعهم سيسعنا، ومنهم من قال: ننظر إلى ولاة أمرنا في الخليج ونكون خلفهم في الموقف، والعامة ينتظرون العلماء وطلبة العلم حتى يسلكوا مسلكهم.
ولا شك أن اتخاذ القرار في خضم ما حدث صعب جدا؛ لأن الرؤية غير واضحة على الأرض، والجميع في حال ترقب وصمت ودهشة مما حدث.
فعليها لو استقرأنا السيرة العطرة في فترة الخلافة الراشدة وخير القرون في التاريخ الإسلامي؛ لوجدنا أن هناك حوادث قد مرت أصعب مما حدث فماذا صنعوا؟
- أولا: في حال التنازع نرجع إلى الكتاب والسنة؛ لأننا أمرنا بالرجوع إليهما، وهم الوحيان الصافيان، وفيهما تفصيل كل شيء، قال تعالى: {لَّا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ ۚ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً ۚ وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَىٰ ۚ وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا}(النساء:59).
- ثانيا: ندعو الله -عز وجل- مخلصين له الدين أن يهدينا ويبصرنا ويرشدنا للصواب مع سؤال أهل العلم المعتبرين.
- ثالثا: هناك حاكم شرعي يجب الاعتراف به، ويحرم الخروج عليه، ونتذكر المساوئ الكثيرة التي سطرها العلماء تحذيراً وتحريماً على الخروج علي الحاكم؛ فهو أكثرهيبة وأرسخ حكما وأقوى شرعية.
- رابعا: حقن الدماء مطلب شرعي مهم، وكذلك الحفاظ عل مكتسبات ومدخرات الأوطان والابتعاد عن الفوضى والإخلال بالأمن والوقوف مع الاستقرار والأمان في الأوطان.
- خامسا: هؤلاء خوارج ولهم أهداف خطيرة، ولا سيما وهم ليسوا من أهل السنّة والجماعة؛ بل مطالبهم إلى مزيد من الفساد والعودة إلى الوراء، وسحق كل ما هو التزام، والانحدار إلى الهاوية، وتنفيذ المؤامرات، وفتح مجال للشعوبيين والملالي ليزيدوا من إجرامهم؛ ولذلك كانوا أكثر فرحا وبشارة، وكانوا على الحدود بطائراتهم فضلاً عن جيوش المخربين من داعش وغيرها؛ لينطلقوا ويعيثوا في تركيا الشر والفساد والتفجير والتخريب، ولكن الله سلّم.
- سادسا: النظام الحالي عمق استراتيجي لأهل السنّة والجماعة، وسد منيع أمام تقدم الأعداء من الباطنيين ومن آزرهم؛ ولذلك وقفوا مع الخليج بقيادة السعودية ضمن منظومة الدفاع، وإسقاط مخطط الملالي في المنطقة بأسرها بعد أن ذاق نشوة التمكن في العراق وسوريا ولبنان ولكن الله سلّم.
- سابعا: رأينا أن علماءهم وقفوا وساندوا، بل اجتمعت الأحزاب على اختلافهم ضد هذا الإنقلاب، ورأينا ماذا فعلت المساجد من الصدع بالتكبير والوقوف يدا واحدة ضد الانقلابيين المخربين، الذين لا يريدون الخير لدولتهم، وباعوا أنفسهم للأعداء حسدا وحقدا وبغضا لكل ما فيه رائحة الإسلام.
- ثامنا: من القواعد الفقهية (درء المفسدة أولى من جلب المصلحة)، و(تقديم الأخف على الأشد)، و(نزع فتيل الفتن وحقن الدماء وصيانة الأعراض)، و(حفظ الممتلكات ومصالح الناس وأيهما خير للناس) في حالهم ومآلهم.
- تاسعا: كان هؤلاء الانقلابيون حجر عثرة ضد أي تقدم أو تغيير إلى الأفضل، بحكم سيطرة الجيش منذ سقوط الخلافة والأخذ بالقوة، ومعهم بعض القضاة وبعض الفرق والملل والنحل؛ فالله -سبحانه وتعالى- جعل لما حدث سببا لإزالتهم وتنظيف أماكن اتخاذ القرار من شرورهم وتنقية التعليم منهم.
- عاشرا: وقوف العلماء وطلبة العلم مع ما حدث لا يعني أنهم راضون عن كل شيء يعمله النظام، ولكن فقط مع حقن الدماء وإزالة الظلم والاعتداء، مع إسداء النصائح والمقترحات وبصوت مرتفع وبلغة واحدة، والأعداء يتربصون بالأمة وبالخليج شراً، وعلى رأسهم الملالي ومن آزرهم وساندهم ووقف معهم ودافع عنهم؛ فالخطر لا يقصد تركيا وحدها بل يقصد كل دولنا، وإذا سقطت دولة لحقتها أخرى، ونقول حينها «أُكلت يوم أُكل الثور الأبيض!».
فهنيئا لنا بعودة الشرعية، ونسأل الله -عز وجل- أن يجعل كيد الأعداء في نحرهم، ويكفينا شرهم، ونسأله -سبحانه- أن يوحد صفوف المسلمين، ويوحد كلمتهم وينصرهم على أعدائهم في كل مكان، وتكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلى.
لاتوجد تعليقات