قناديل على الدرب – العولمة وكثرة الشعارات
لم تمتحن الأمة الإسلامية في أمورها الدينية والأخلاقية والاجتماعية بقدر ما امتحنت خلال العقدين الماضيين بظهور ما يسمى (بالعولمة)، وهي جعل العالم بأسره قرية صغيرة متشابكة الأطراف بفضل الطفرة التكنولوجية، والثورة الهائلة في نظام الحواسيب والهواتف الذكية، وبالطبع كان للشبكة العنكبوتية أثر واضح في ترسيخ هذا المصطلح في بلداننا العربية التي بات يسيرًا على العامة الاطلاع على كثير من الأفكار والشعارات في مختلف أنحاء العالم، بعد أن كان المثقف هو الذي يقرأ الجرائد والمجلات والكتب.
استغل الغرب هذا الانفتاح الرهيب على التكنولوجيا، وصار يبث سمومه داخل مجتمعاتنا الإسلامية المحافظة؛ حيث أراد بذلك أن يهدم المبادئ والقيم السامية لتعاليم ديننا الحنيف، وكان من أفتك أسلحته الشعارات والمصطلحات الموجودة على أرضه، والخارجة من رحم الظلم والاستبداد من قِبَل الكنائس والقساوسة والملوك، ولنضرب لذلك مثالاً حيًا فمن أشهر الشعارات الثورية هي شعارات الثورة الفرنسية (1789 - 1799) الثلاثة (حرية - مساواة - إخاء) وبكل أسف استوردها الإسلاميون من دعاة الثورة في بلاد الإسلام وصاروا يرددونها، حتى إنهم ودون علم شرعوا يقرونها بالمفاهيم نفسها التي استخدمت لها في الثورة الفرنسية، فشعار الحرية يردد الآن في كل صوب وحدب في بلداننا العربية الإسلامية، ولكن عندما فطنوا أن تلك الشعارات مناقضة للدين الإسلامي قيدوها بالحرية العَقْدية والفكرية ورفضوا الحرية الأخلاقية!! وإذا تأملت قليلاً هذا التفريق ستجد أنه تناقض فاضح، فإذا تركت الحرية العقدية والفكرية للجميع دون أدنى مسؤولية، ستجد أنك بكل بساطة توافق على الحرية الأخلاقية؛ لأن الحرية الأخلاقية نتاج مباشر للحرية الفكرية العقدية، وإلا فما معنى حرية الاعتقاد والفكر والرأي، ثم منع ما ينتج عنها من أخلاق وأفعال وسلوك؟!
أرجو أن نقف مع أنفسنا وقفةً جادةً صريحةً، ونراجع ما نستورده من الخارج من أفكار ومبادئ وشعارات، فليس كل ما هو غربي يصلح لنا ولمجتمعاتنا الإسلامية المحافظة .
والله الموفق والمستعان.
لاتوجد تعليقات