قناديل على الدرب – الجماعات الإسلامية- الصــوفيـة(11)
الرياضة والمجاهدة
التربية عند الفكر الصوفي (المتشدد)، وتقوم على أمور أربعة: الجوع، والسهر، والصمت، والخلوة، وقد شرحها الغزالي في كتابه (إحياء علوم الدين) (3/76-77) نقتص منها الآتي: «وهذا تحصن من القواطع؛ فإن مقصود المريد إصلاح قلبه؛ ليشاهد به ربه، ويصلح لقربه.
أما الجوع، فإنه ينقص دم القلب ويبيضه، وفي بياضه نوره، ويذيب الشحم، وفي ذوبانه رقته، ورقته مفتاح المكاشفة، كما أن قساوته سبب الحجاب، ومهما نقص دم القلب ضاق مسلك العدو؛ فإن مجاريه العروق الممتلئة بالشهوات.
وأما السهر؛ فإنه يجلو القلب ويصفيه وينوره، فيضاف ذلك إلى الصفاء الذي حصل من الجوع، والسهر - أيضًا - نتيجة الجوع، فإن السهر مع الشبع غير ممكن، والنوم يقسي القلب ويميته، إلا إذا كان بقدر الضرورة؛ فيكون سبب المكاشفة لأسرار الغيب.
وأما الصمت، فإنه تسهله العزلة، ولكن المعتزل لا يخلو عن مشاهدة من يقوم له بطعامه وشرابه وتدبير أمره؛ فينبغي ألا يتكلم إلا بقدر الضرورة، فإن الكلام شغل القلب.
وأما حياة الخلوة؛ ففائدتها دفع الشواغل، وضبط السمع والبصر، فإنهما دهليز القلب، والقلب في حكم حوض تنصب إليه مياه كريهة قذرة من أنهار الحواس، ومقصود الرياضة تفريغ الحوض من تلك المياه ومن الطين الحاصل منها؛ فهذه الأربعة جنة وحصن بها تدفع عنه القواطع، وتمنع العوارض القاطعة للطريق».
والرد على ذلك: بأن تلك الرياضة ليست من الإسلام في شيء، فالتعبد بالجوع بدعة وضلالة؛ لأنهم يواصلون صيام أيام طويلة، وقد استعاذ الرسول صلى الله عليه وسلم من الجوع قائلاً: «اللهم إني أعوذ بك من الجوع؛ فإنه بئس الضجيع». حديث حسن، أما التعبد بالسهر فهو كذلك بدعة ابتدعها هؤلاء، فهو مخالف للهدي النبوي، فقد نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن السمر بعد العشاء وقال: «لا سمر إلا لمصل أو مسافر» صحيح لغيره، أضف إليه التعبد بالصمت فهو من عمل الجاهلية، وكذلك التعبد بالخلوة من أفعال النصارى ورهبانيهم.
أما احتجاجهم برسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ حيث كان قبل البعثة يختلي أيامًا في غار حراء، فهذا احتجاج واهٍ يرسخ اعتقادهم بأن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وصل إلى النبوة بالمجاهدة، وأن النبوة كشف مثل كشوفهم، وليس فضلاً من الله يضعها حيث شاء؛ وهذا خطأ؛ لأن التأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم واجب بعد نزول الوحي بالرسالة أما قبلها فلم يكن رسولاً؛ لذلك تجدهم يعتقدون أن محمدًا معصوم عصمة ذاتية، وليس بالوحي.
وبذلك يتبين أن الرياضة الصوفية بكل محاورها على غير منهاج النبوة.
لاتوجد تعليقات