رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: سحر شعير 8 أبريل، 2014 0 تعليق

قصة الطفل العنيد

يقول علماء التربية: كثيراً ما يكون الآباء والأمهات هم السبب في تأصيل العناد لدى الأطفال


عزيزي المربي: إذا كنت دائم المعارضة لطفلك، حريص على إسكاته إذا تكلم، مفسراً لكل مواقفه وإراداته بأنها (عناد ومخالفة)؛ فلك أن تتوقع يوماً ما أن يصير ولدك ضعيف الشخصية. بكل ما تحمله هذه الكلمة من ملامح ودلالات..!

 وحتى لا تقع في هذا الخطأ التربوي، نحاول معاً اليوم أن نلقي الضوء على سلوك العناد عند الأطفال، ومن ثَمَّ نستطيع أن نميز بينه وبين مظاهر النمو والتطور الطبيعي لشخصية الطفل.

     ويعرّف المختصون العناد بأنه: ظاهرة معروفة في سلوك بعض الأطفال؛ حيث يرفض الطفل ما يؤمر به، أو يصر على تصرف ما، ويتميز العناد بالإصرار وعدم التراجع حتى في حالة الإكراه، وهو من اضطرابات السلوك الشائعة، وقد يحدث لمدة وجيزة أو مرحلة عابرة أو يكون نمطاً سلوكياً متواصلاً، وصفة ثابتة في شخصية الطفل.(د. دعاء العدوي: كيف تتعامل مع طفلك العنيد؟/شبكة الإنترنت).

متى يبدأ العناد؟

العناد ظاهرة سلوكية تبدأ في مرحلة مبكرة من العمر, فالطفل قبل سنتين من العمر لا تظهر مؤشرات العناد في سلوكه؛ لأنه يعتمد اعتماداً كلياً على الأم أو غيرها ممن يوفرون له حاجاته؛ فيكون موقفه متسماً بالحياد والاتكالية والمرونة والانقياد النسبي.

- وللعناد مرحلة أولى: حينما يتمكن الطفل من المشي والكلام قبل سن الثلاث سنوات من العمر، أو بعد السنتين الأوليين؛ وذلك نتيجة لشعوره بالاستقلالية, ونتيجة لنمو تصوراته الذهنية، فيرتبط العناد بما يجول في رأسه من خيال ورغبات.

- أما المرحلة الثانية: فهي العناد في مرحلة المراهقة؛ حيث يأتي العناد تعبيراً عن استقلال الشخصية ورغبةً في الانفصال عن الوالدين.

والعناد أنواع كثيرة

- عناد التصميم والإرادة: وهذا العناد يجب أن يُشجَّع ويُدعَّم؛ لأنه نوع من التصميم، وقوة الإرادة، فقد نرى الطفل يُصر على تكرار محاولته، كأن يصر على محاولة إصلاح لعبة، أو ترتيب مكعبات، وإذا فشل يصيح مصراً على تكرار محاولته.

- العناد المفتقد للوعي يكون بتصميم الطفل على رغبته دون النظر إلى العواقب المترتبة على هذا العناد، فهو عناد أرعن, كأن يصر الطفل على استكمال مشاهدة فيلم تلفازي بالرغم من محاولة إقناع أمه له بالنوم؛ حتى يتمكن من الاستيقاظ صباحاً للذهاب إلى المدرسة.

- العناد مع النفس:

وفي هذا النوع من العناد نرى الطفل يحاول أن يعاند نفسه ويعذبها، ويصبح في صراع داخلي مع نفسه، فقد يغتاظ الطفل من أمه؛ فيرفض الطعام وهو جائع، برغم محاولات أمه وطلبها إليه تناول الطعام، وهو يظن بفعله هذا أنه يعذب نفسه بالتَّضوُّر جوعاً كرد فعل تجاه الأم.

- العناد نوع من أنواع الاضطراب السلوكي:

وفيه نلاحظ أن الطفل يرغب في المعاكسة والمشاكسة ومعارضة الآخرين, فهو يعتاد العناد ويعد هذا نمطاً راسخاً وصفة ثابتة في الشخصية، ويظهر في تعامله مع الآخرين، وهنا يفضل الرجوع إلى استشارة الطبيب أو المرشد النفسي.

- العناد الفسيولوجي:

وهذا النوع يأتي نتيجة بعض الإصابات العضوية للدماغ، مثل أنواع التخلف العقلي التي يمكن أن يظهر الطفل معها في مظهر المعاند السلبي.

عزيزي المربي: إن ما نركز عليه هنا هو استمرار الطفل في سلوك العناد، وباستعراض أسباب العناد يتضح لنا أن سلوك الوالدين أنفسهما قد يعزز عناد الطفل ويزيده في كثير من الأحيان، ومن هذه الأسباب:

- أوامر الكبار: التي قد تكون في بعض الأحيان غير مناسبة للواقع، وقد تؤدي إلى عواقب سلبية؛ مما يدفع الطفل إلى العناد كردَّ فعل للقمع الأبوي الذي أرغمه على شيء لا يريده, كأن تصر الأم على أن يرتدي الطفل معطفاً ثقيلاً يعرقل حركته في أثناء اللعب، وربما يسبب عدم فوزه في السباق مع أصدقائه.

- التشبه بالكبار: قد يلجأ الطفل إلى التصميم والإصرار على رأيه متشبهاً بأبيه أو أمه، عندما يصممان على أن يفعل الطفل شيئاً أو ينفذ أمراً ما، دون إقناعه بسبب أو جدوى هذا الأمر المطلوب منه تنفيذه.

- رغبة الطفل في تأكيد ذاته: إن الطفل يمر بمراحل للنمو النفسي، وحينما تبدو عليه علامات العناد غير المبالَغ فيه، فإن ذلك يشير إلى مرحلة النمو, وهذه تساعد الطفل على الاستقرار واكتشاف نفسه وقدرته على التأثير, ومع الوقت سوف يتعلم أن العناد والتحدي ليسا بالطرق السوية لتحقيق المطالب.

- التدخل بصفة مستمرة من جانب الآباء وعدم المرونة في المعاملة: فالطفل يرفض اللهجة الجافة، ويتقبل الرجاء، ويلجأ إلى العناد مع محاولات تقييد حركته، ومنعه من مزاولة ما يرغب دون محاولة إقناع له.

- الشعور بالعجز: إن معاناة الطفل وشعوره بوطأة خبرات الطفولة, أو مواجهته لصدمات, أو إعاقات مزمنة تجعل العناد وسيلة لمواجهة الشعور بالعجز والقصور والمعاناة.

- الدعم والاستجابة لسلوك العناد: إن تلبية مطالب الطفل ورغباته نتيجة ممارسته للعناد, تُعلِّمه سلوك العناد وتدعمه، ويصبح سلوك العناد هو أحد الأساليب المعتمدة لديه لتحقيق أغراضه ورغباته.

أعزائي:

     يقول علماء التربية: كثيراً ما يكون الآباء والأمهات هم السبب في تأصيل العناد لدى الأطفال؛ فالطفل يولد ولا يعرف شيئاً عن العناد، فالأم تعامل أطفالها بحب وتتصور أن من التربية الجيدة عدم تحقيق كل طلبات الطفل، في حين أن الطفل الذي يبني إرادته يصر عليها، وهي أيضاً تصر على العكس فيتربى الطفل على العناد..!

 وفي هذه الحالة ينصح خبراء التربية بأمور عدة لتهذيب هذا السلوك لدى الطفل إلى أن يتلاشى تماماً، مثل:

علينا – بدايةً – أن نعرف أن لكل مرحلة من عمر الطفل خصائص نفسية معينة، قبل أن تتبلور الملامح النهائية لشخصيته، ويبلغ درجة معقولة من النضج؛ ولذا فإن على الأبوين ألا يكوّنا انطباعاً نهائياً عن طفلهما إذا شاهدا منه عناداً في السنة الثانية أو الثالثة أو الرابعة من عمره، فهذا أمر طبيعي. (د.عبد الكريم بكار، معاً نحو طفولة سعيدة، ص:202).

- البعد عن إرغام الطفل على الطاعة, واللجوء إلى دفء المعاملة والمرونة في المواقف, فالعناد اليسير يمكن أن نغض الطرف عنه، ونستجيب لما يريد الطفل، ما دام تحقيق رغبته لن يأتي بضرر، وما دامت هذه الرغبة في حدود المقبول.

- شغل الطفل بشيء آخر والتمويه عليه إذا كان صغيراً, ومناقشته والتفاهم معه إذا كان كبيراً.

- اسمح لطفلك أن يكون جزءاً من صنع القرار. اسأله عن رأيه حتى يشعر بالسعادة والاستقلالية، فمثلاً تقول له: «ما أفضل طريقة برأيك لتنظيم كل هذه الأدوات الرياضية المبعثرة؟». (محمد سعيد مرسي: مرشد الآباء والأمهات لعلاج أصعب مشكلات الأبناء، ص:123).

- الحوار الدافئ المقنع غير المؤجل من أنجح الأساليب عند ظهور موقف العناد؛ حيث إن إرجاء الحوار إلى وقت لاحق يُشعر الطفل أنه قد ربح المعركة دون وجه حق.

- العقاب عند وقوع العناد مباشرة، بشرط معرفة نوع العقاب الذي يجدي مع هذا الطفل بالذات؛ لأن نوع العقاب يختلف في تأثيره من طفل إلى آخر, فالعقاب بالحرمان أو عدم الخروج أو عدم ممارسة أشياء محببة قد تعطي ثماراً عند طفل ولا تجدي مع طفل آخر، ولكن لا تستخدمي أسلوب الضرب والشتائم؛ فإنها لن تجدي، ولكنها قد تشعره بالمهانة والانكسار.

- عدم صياغة طلباتنا من الطفل بطريقة تشعره بأننا نتوقع منه الرفض؛ لأن ذلك يفتح أمامه الطريق لعدم الاستجابة والعناد.

- عدم وصفه بالعناد على مسمع منه, أو مقارنته بأطفال آخرين بقولنا: (إنهم ليسوا عنيدين مثلك)..!!

- التوازن في معاملة الطفل؛ إذ إن الميزان الذي يحقق الشخصية السوية للطفل، هو منحه الحب والاهتمام مع قدر من الاتساق في أسلوب التعامل معه، فلا تدليل مفرط، ولا قسوة مبالغ فيها، كما يحتاج الوالدان معاً إلى صبر واهتمام مشترك يتوازن فيه تحقيق حاجات الأطفال الضرورية، ودون إفراط في تلبية رغباتهم مهما حاولوا من تأثير عليهما سواء بالبكاء أو العناد أو الإصرار؛ فإن ذلك يفسدهم ولا يسعدهم كما يظن البعض. (زهرة عاطفة زكريا:التربية الخاطئة وعواقبها، ص:122).

وأخيراً عزيزي المربي:

     تذكر أن كلمة (لا)، هي شيء طبيعي لدى أطفال السنة الأولى والثالثة، وهي أحد متطلبات عملية النمو النفسي والنزوع نحو الاستقلالية مقابل الاعتمادية والتبعية للوالدين، وبمرور الوقت تندثر هذه الكلمة، ويتعلم الطفل أن العناد والتحدي ليسا هما الطريق السوي لتحقيق مطالبه؛ وأن التعاون والتفاهم يفتحان آفاقاً جديدةً في الخبرات والمهارات الجديدة، ولاسيما إذا كان الأبوان يعاملان الطفل بشيء من المرونة والتفاهم وفتح باب الحوار معه، مع وجود الحنان الحازم.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك