رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: عيسى القدومي 5 يناير، 2017 0 تعليق

قرار أممي بوقف اغتصاب أراضي المسلمين في فلسطين- وقف الاستيطان

وضعت فلسطين تحت الانتداب البريطاني للعمل على تهيئة الأجواء لليهود وتسليح عصاباتهم، وتمكين منظماتهم على الأراضي التي أخذتها من الدولة العثمانية وفتحتها لنهب تلك العصابات

هدف اليهود من إقامة المغتصبات في القدس والضفة الغربية طرد الفلسطينيين ومصادرة الأراضي وبناء المستوطنات عليها وإسكان اليهود في هذه المغتصبات

يدعو مشروع القرار إسرائيل إلى وقف فوري وتام لكل أنشطة الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس الشرقية؛ حيث تعد هذه المستوطنات غير شرعية

يعد الموقف الأمريكي تحركا نادرا من واشنطن التي عادة ما تدافع عن الكيان الصهيوني المحتل لفلسطين أمام مثل هذه القرارات

 

إن فلسطين -بلا شك- أرض إسلامية عربية؛ لأنها قطعة من جزيرة العرب وموطن عريق لسلائل من العرب؛ حيث استقر فيها العرب أكثر مما استقر اليهود، وتمكن فيها الإسلام أكثر مما تمكنت اليهودية، وغلب عليها القرآن أكثر مما غلبت التوراة، وسادت فيها العربية أكثر مما سادت فيها العبرية .

هذه حقائق تدحض إدعاءات اليهود وأكاذيبهم حول أحقيتهم بأرض فلسطين المباركة ، وحتى يستطيع الغرب التمكين  لليهود على أرض فلسطين في القرن الماضي، جاء وعد بلفور بإقامة وطن قومي لهم في فلسطين على ألا تمس حقوق الآخرين ومقدساتهم! ولتحقيق هذا الوعد أتمت بريطانيا احتلالها لفلسطين في سبتمبر 1918م، ونصبت اليهودي (هربرت صموئيل) في عام 1920م مندوباً سامياً لبريطانيا في فلسطين، وأدمجت وعد بلفور في صك انتدابها على فلسطين الذي قررته لها عصبة الأمم في يوليو 1922، الذي اعترف بالصلة التاريخية التي تربط الشعب اليهودي بفلسطين وبضرورة إعادة إنشاء وطنهم القومي فيها، وتسهيل هجرتهم وتمكينهم في الأراضي الأميرية والأراضي الموات!

الانتداب البريطاني

     وضعت فلسطين تحت الانتداب البريطاني للعمل على تهيئة الأجواء لليهود وتسليح عصاباتهم، وتمكين منظماتهم على الأراضي التي أخذتها من الدولة العثمانية وفتحتها لنهب تلك العصابات، فتحت الأبواب للهجرة اليهودية فتضاعف عدد اليهود من 55 ألفاً سنة 1918 إلى 646 ألفاً سنة 1948 ( أي من 8% من السكان إلى 31%)،  كما دعمت تملك الأراضي؛ فتزايدت ملكية اليهود للأرض من نحو نصف مليون دونم ( 2% من الأرض )، إلى نحو مليون و 800 ألف دونم (6.7% من أرض فلسطين) ، وبريطانيا مسؤولة بالدرجة الأولى عن تسهيل حيازة  هذه الأراضي لليهود، وتمكن اليهود تحت حماية الحراب البريطانية من بناء مؤسساتهم الاقتصادية والسياسية والتعليمية والعسكرية والاجتماعية، وفي سنة 1948 كانوا قد أسسوا 292 مستعمرة، وكونوا قوات عسكرية من الهاغاناه الأرغون وشتيرون يزيد عددها عن سبعين ألف مقاتل، واستعدوا لإعلان دولتهم.

قرار التقسيم

     ثم جاء قرار تقسيم فلسطين الذي صدر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 29 نوفمبر 1947 وقسم فلسطين إلى دولتين عربية ويهودية: نحو 54% للدولة اليهودية و 45% للدولة العربية و1% منطقة دولية (منطقة القدس) لفترة مؤقتة تعود بعدها القدس للسيادة العربية. 

     وكانت النتيجة ظلماً فادحاً أعطى الأقلية اليهودية الدخيلة المهاجرة الجزء الأكبر والأفضل من الأرض الفلسطينية، وخالف الأساس الذي قامت عليه الأمم المتحدة وهو حق الشعوب في الحرية وتقرير مصيرها بنفسها، والشعب الفلسطيني المعني أساساً بالأمر لم تتم استشارته ولا استفتاؤه بهذا الشأن.

- وبعد ذلك احتل اليهود ما تبقى من أراضي فلسطين؛ ففي عام 1967 م كانت كل فلسطين تحت الاحتلال ومن ضمنها القدس، وأقاموا فيهما المغتصبات، ثم جاء  اتفاق أوسلو ( 1993م ) الذي أعطي الفلسطينيين مناطق متفرقة قسمت إلى ثلاثة أجزاء مناطق: مناطق(أ): وهي المناطق التي سمح للسلطة الفلسطينية أن تمارس فيها نوعاً من السيطرة السياسية والأمنية، ولم تتجاوز مساحة هذه المناطق في أقصى الأحوال 18 % من الضفة الغربية. ومناطق (ب): وهي مناطق لم يسمح لهم بممارسة سوى صلاحيات وظيفية كرعاية الصحة والتعليم مثلاً.

 ومناطق (ج): التي تتجاوز مساحتها 58 % وأبقيت تحت السيطرة اليهودية  الكاملة من جميع النواحي؛ حيث يقيم نحو 570 ألف يهودي في الضفة الغربية والقدس الشرقية في الأراضي التي احتلها الصهاينة في حرب العام 1967م.   

التوزيع الجغرافي للمستوطنات بالضفة

     هدف اليهود من إقامة المغتصبات في القدس والضفة الغربية أمران؛ الأول: الطرد الفلسطيني: مصادرة الأراضي وبناء المستوطنات عليها، والثاني: الإحلال الصهيوني: إسكان اليهود في هذه المغتصبات وفرض  وجود ديمغرافي يؤثر بطريقة مباشرة وغير مباشرة على الوجود الفلسطيني الحالي والمستقبلي.

     فنلاحظ أن 85 % من المغتصبين يسكنون حول مدينة القدس وفي منطقة غرب رام الله وجنوب غرب نابلس؛ وذلك لأن معظم المغتصبين مرتبطون رغما عنهم بمراكز العمل والخدمات داخل المناطق التي احتلها اليهود في 1948م التي تسمى زوراً (دولة إسرائيل)؛ إذ يلاحظ أن 70% من المغتصبين يعملون داخل الخط الأخضر، و46% من مجموع العاملين في المغتصبات يعملون داخلها بالخدمات العامة، كما يعمل حوالي 34% من هؤلاء العاملين في أفرع إنتاجية (زراعية وصناعية).

     فالاستيطان الصهيوني في الضفة الغربية ليس استيطاناً بالمعنى السكاني، وإنما هو استيطان قائم على أساس إحلالي؛ إذ أقام الاحتلال مناطق صناعية وأعطاها امتيازات كبيرة، وتطورت بدرجة كبيرة جدا في السنوات الأخيرة. فحصلت هذه المغتصبات على امتيازات ذات أفضلية من الدرجة الأولى، من أجل أن تكون هدفا لعمل المستوطنين، فأقيمت كبرى المناطق الصناعية في وسط الضفة الغربية (بركان، وكرني شمرون) وفي منطقة القدس (مشور أدوميم)، كما تم نقل كثير من المصانع من داخل إسرائيل إلى الضفة الغربية بسبب انخفاض تكاليف التشغيل ورخص الأيدي العاملة، مضافا إليها الامتيازات المقدمة من الحكومة كما أسلفنا.

وتنتشر المغتصبات على رؤوس الجبال أو فوق الأحواض المائية، وقد استخدم الاحتلال الصهيوني مجموعة من القوانين للاستيلاء على الأراضي أهمها:

- قانون أملاك الغائبين: أي فلسطيني يملك الأرض ويعيش خارج الحدود يقوم القيم على أملاك العدو باستغلالها ووضع اليد عليها.

- أملاك الدولة: وقد استخدم الاحتلال مجموعة مختلفة من القوانين العثمانية والبريطانية والأردنية، فضلا عن الأوامر العسكرية؛ بحيث تم وضع اليد على ما يزيد عن 40% من مساحة الضفة الغربية بوصفها أملاك دولة.

     وأقيمت المغتصبات (المستوطنات) بالقرب من المدن التاريخية التي يدعي اليهود أن لهم حقا تاريخيا فيها بهدف منع التواصل الفلسطيني داخل الضفة الغربية ومع الدول المحيطة تحقيقا لاستراتيجية التخطيط والإنجاز التي يمكن إيجازها باستراتيجية (الإحاطة ثم التغلغل) المستقاة من المفاهيم العسكرية والمترجمة للتخطيط المدني.

المغتصبات الصهيونية في القانون الدولي

أحاط الكيان الصهيوني نفسه بسياسة فريدة من نوعها، وتعامل مع ما أسموه النظام العالمي والقوانين الدولية بوصفها حالة وحيدة في العالم أجمع، تعدى وتجاوز القوانين والأعراف والمواثيق في تأسيسه وقيامه، وفي ممارساته وتشريعاته، وفي حقوقه وواجباته.

     وعلى الرغم من قرارات الأمم المتحدة بشأن القضية الفلسطينية التي يزيد عددها على المائة - منها قرارات ملزمة لمجلس الأمن- ودعمها الشعب الفلسطيني ليقيم دولته واستعادة حقوقه الوطنية المشروعة، كان وما زال عدم تنفيذ قرارات الأمم المتحدة أحد الأسباب المهمة لاستمرار مشكلة فلسطين.

     إلا أن الكيان اليهودي رمى بعرض الحائط قرارات مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة، ومعاهدة جنيف لعام 1949 بخصوص التعامل مع السكان المدنيين في الأراضي المحتلة، ويفصل الميثاق سلسلة طويلة من المحظورات المفروضة على قوة الاحتلال، وجوهر الميثاق: «يحظر على المحتل توطين سكانه في الأراضي المحتلة». 

حيث تعد إقامة المستوطنات (المغتصبات) في القانون الدولي بفروعه - فضلا عن نقل سكان الدول المحتلة إلى الإقليم المحتل- مناقضة لكل المبادئ الدولية وميثاق الأمم المتحدة.

     واستمرت القرارات في الصدور إلى الآن، غير أنها وإن كانت تعترف بحقوق الفلسطينيين، إلا أنها تفتقر الجدية والآلية اللازمة لإرغام الكيان الصهيوني على احترام القرارات الدولية، التي تجاوزها جميعها وما زال يعمل على تهويد القدس، وإقامة المغتصبات وزرع المغتصبين الحاقدين. 

قرار وقف بناء المغتصبات الصهيونية

     صوت مجلس الأمن الدولي الجمعة 23 ديسمبر 2016م على قرار تاريخي يطالب بوقف بناء المغتصبات في الأراضي التي احتلها اليهود عام 1967م؛ حيث صوت لصالح القرار 14 دولة؛ فيما امتنعت الولايات المتحدة عن التصويت دون أن تستخدم حق الفيتو على القرار.

تحرك نادر

     ويعد الموقف الأمريكي هذا تحركا نادرا من واشنطن التي عادة ما تدافع عن الكيان الصهيوني المحتل لفلسطين أمام مثل هذه القرارات، فيما عد مراقبون هذا الموقف (طلقة الوداع) من الرئيس الأمريكي باراك أوباما الذي ازداد التوتر في علاقته برئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو.

     فقد طالبت فنزويلا وماليزيا والسنغال ونيوزيلندا بالتصويت على مشروع وقف الاستيطان الذي سحبته مصر من التداول في مجلس الأمن في وقت سابق، وتشير الصحف العبرية إلى أن مكتب رئيس الوزراء الصهيوني، مارس ضغوطا على السلطات المصرية، فضلا عن طلب المساعدة من الرئيس الأمريكي المنتخب، دونالد ترامب ، والتنسيق مع إدارته المرتقبة، وكذلك الاتصالات بمقر الأمم المتحدة في نيويورك وعدد من العواصم حول العالم، كل هذا أدى، كما تقول (هآرتس)، إلى سحب مصر طلبها من مجلس الأمن جاء ذلك بعد أن أصدر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي توجيها لبعثة بلاده في الأمم المتحدة بتأجيل التصويت على مشروع القرار.

     ويرى محللون أن أوباما كان يبحث إمكانية وضع معايير عامة للتوصل إلى حل أو السماح بتمرير قرار يوجه انتقادات لإسرائيل من خلال مجلس الأمن قبل أن يتنحى، في الوقت الذي أوضح فيه مسؤولون غربيون إن إدارة أوباما، كانت تعتزم الامتناع عن التصويت في مجلس الأمن الدولي على مشروع القرار.

مشروع القرار

     ويدعو مشروع القرار إسرائيل إلى «وقف فوري وتام لكل أنشطة الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس الشرقية»؛ حيث تعد هذه المستوطنات غير شرعية في نظر القانون الدولي سواء أقيمت بموافقة الحكومة الإسرائيلية أم لا، و«تعرض للخطر حل الدولتين»، يذكر أن واشنطن استخدمت في العام 2011، حق النقض (الفيتو) ضد مشروع قرار يدين المستوطنات الإسرائيلية بعد أن رفض الفلسطينيون تسوية عرضتها واشنطن.

     وأكد القرار على واجب السلطة القائمة بالاحتلال؛ لأن تتقيد تقيدا صارما بالالتزامات والمسؤوليات القانونية بموجب اتفاقية جنيف الرابعة المتعلقة بحماية المدنيين وقت الحرب، في حين أدان القرار «جميع التدابير الرامية إلى تغيير التكوين الديموغرافي ووضع الأرض الفلسطينية المحتلة التي تشمل إلى جانب تدابير أخرى المستوطنات وتوسيعها، ونقل المستوطنين الإسرائيليين ومصادرة الأراضي وهدم المنازل وتشريد المدنيين في انتهاك للقانون الدولي والقرارات ذات الصلة.

وأضافت الأمم المتحدة في تقريرها أن القرار لن يعترف بأي تغييرات في خطوط الرابع من حزيران يونيه 1967، بما في ذلك فيما يتعلق بالقدس سوى التغييرات التي يتفق عليها الطرفان من خلال المفاوضات.

 ردود فعل هستيرية

     في إطار ردود الفعل الهستيرية على قرار مجلس الأمن بشأن المغتصبات استدعى رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو سفير الولايات المتحدة الأمريكية في دولة الاحتلال، كما استدعت خارجيته سفراء عشر دول صوتت لصالح قرار مجلس الأمن،  فضلا عن اتخاذ قرارات بشأن الأمم المتحدة.

     كما أعلن نتنياهو عن إلغاء لقاء مرتقب له في دافوس برئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماي، واستدعت وزارة الخارجية الصهيونية الأحد على نحو منفصل سفراء عشر دول لديها لتأنيبهم ووجه نتنياهو كلمات أشد لهجة لواشنطن بسبب التصويت الذي جرى يوم الجمعة.

وقالت وزارة الخارجية الإسرائيلية إنها استدعت سفراء عشر من 14 دولة صوتت لصالح المشروع ولديها سفارات في إسرائيل وهي بريطانيا والصين وروسيا وفرنسا ومصر واليابان وأوروجواي وإسبانيا وأوكرانيا ونيوزيلندا لمقر الوزارة في القدس المحتلة.

     وعلق مكتب رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو على القرار بقوله: إن إسرائيل ترفض هذا القرار المعادي لإسرائيل والمخزي من الأمم المتحدة، ولن تمتثل له، وأضاف أن إدارة أوباما لم تفشل فقط في حماية إسرائيل من هذه العصابة في الأمم المتحدة، بل تواطأت معها وراء الكواليس.

     وأعلن استدعاء سفيري دولة الاحتلال في نيوزيلندا والسنغال فورا للتشاور، كما قرر إلغاء زيارة مقررة في يناير 2017 لوزير الخارجية السنغالي، وأمر بإلغاء جميع برامج المساعدات للسنغال، وإلغاء زيارات سفيري السنغال ونيوزيلندا غير المقيمين إلى دولة الاحتلال.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك