رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: مالك فيصل الدندشي 17 فبراير، 2014 0 تعليق

قراءة نقدية لما يكتب في وسائل التواصل الاجتماعي

إن من يطالع، ويقرأ في وسائل التواصل الاجتماعي،  ولاسيما (الفيسبوك والتويتر)، ويتصفح عقول الناس وأفكارهم، ورؤاهم، ومفاهيمهم، وتصوراتهم وطريقة تعاملهم؛ وأحاسيسهم  - من خلال مكتوباتهم، أو تعليقاتهم التي تصدر من هنا أو هناك، أو يتجول في عالم الواقع المشهود أو المتوقع- ليصاب بالأسى؛ إذ إن بعض الناس يُدْخِلُ عقله فيما لا علم له فيه، أو يتفوه بكلام مبني على التخمين والظن، وإن الظن لا يغني من الحق شيئا؛ فعلى سبيل المثال: كأن يمدح شخصا أو يذمه، أو يثني على جماعة أو تنظيم ثم يذمهما، أو ينتصر لجماعة أو يخذلها، أو يكون مع هذا الفريق على حساب فريق آخر؛ فإذا فتشت عن مستنداته، فلن تجد غير القيل والقال، أو هي مراجع لا صلة لها بما يقرره هذا وذاك، أو موارده التي يستقي منها ليست ثقة، أو أنها محابية أو مناكفة، أو مكذوبة، أو ذات أبحاث هزيلة، أو مغرضة، أو تغلب الجانب العاطفي على العقلاني الذي يقدم الحقائق مدعومة بالأدلة والبراهين.

     إن من يتكلم في قضايا من العيار الثقيل – كما يقال – أو ذات حجم هام يترتب عليه نتائج خطيرة؛ عليه أن يتريث حتى   يتثبت من صدق المرجع وموثوقيته؛ وأن يكون  لديه شهود عدل ثقات متصفون بالقدرة على الضبط، وتحمل الخبر كما يقول علماء الحديث. وربنا يقول: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۚ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} (الإسراء: 36). والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: «كفئ بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع» رواه مسلم، وفي رواية «كفى بالمرء إثما أن يحدِّث بكل ما سمع» رواه أبو داود وصححه الألباني.

فكم من رجل طعن بشخص أو فئة، ثم تبين أن الطاعن لا يؤخذ بكلامه، أو كلامه غير موثق، وكم من ممدوح - شخص أو جماعة -  ثم اتضح أن الجميع لا يستحقون هذا الثناء.

إن التريث والتثبت قبل إصدار الأحكام مطلوبان، ولا بد أن يكون الناقد على خلق ودين يبتغي بذلك وجه الله تعالى حتى لا يتحول كلامه إلى سكين تمزق الأواصر، وتفرق الصفوف.

إن العمل على تأليف القلوب أولى من نشر خبر يفرق ولا يجمع، وإن اتخاذ موقف مبني على الجهل والهوى يهدم ولا يبني – لشر مستطير. يقول ربنا سبحانه: { وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} (الأنفال: 46).

إن هذا التنازع الذي يحصل على الأرض، وإن هذا الحشد الهائل من القيل والقال سببه قلة الدين ورقته، وعدم تقدير العواقب؛ فليس كل خطأ من أحد، ، أو زلة عن حسن نية، أو اجتهاد خطأ - مدعاة لأن يصفه الناس بالفاسق أو الكافر أو المارق.

إن مسألة التكفير والتفسيق والتبديع من القضايا التي ينبغي أن يبت فيها أولو العلم الواسع والتقوى والخلق الحسن؛ فلا تُبنى على الجهل وقلة العلم والهوى والتسرع في إصدار الأحكام.

إن عليا –  رضي الله عنه – لما سئل عن الخوارج: أكفارٌ هم؟! قال من الكفر فروا. إخواننا بغوا علينا؛ على الرغم من أنهم خرجوا عليه!

     ومن أهم الأسباب التي فكرت بها التي جعلت الناس يتساهلون في الطعن، واللمز، والهمز والتخوين، وسوء الظن، والتسرع في رمي فلان وعلان بما ليس فيه، أو من خلال منقول عنه مكذوب مرده إلى التعصب والحزبية الضيقة وغيرهما من العوامل التي تباعد المرء عن قول الحق- مرد ذلك إلى الجهل الخاص، وقلة الخوف من الله وعذابه، وعدم فهم الواقع، وقلة الزاد في أدب الخلاف ثم – كما أشرت من قبل – الاندفاع والتهور، وعدم التأني، والانتصار لحظوظ النفس، ويا ليت الناس يقرؤون كتاب ابن تيمية – رفع الملام عن الأئمة الأعلام وغيره من كتب أدب الخلاف – إذن لما وقعوا فيما وقعوا فيه.

     إن صلاح النفس صلاح الأمة، وهل الأمة سوى أنا وأنت ونحن وأنتما، وهو وهي وهم وهن وهما؟ إياك أخي أن تتخذ قرارا دون أن تتأكد أن الهوى لم يلابسه، وأنه قائم على الحق الواضح البين الذي لا يحتمل وجها آخر، فإذا وجد له وجه آخر، فقد دخل في دائرة الاجتهاد، وفي هذه الحال لا يجوز لك أن تلزم أحدا به.

     لقد حاورت أحد الطيبين يحمل أفكارا ظنية يود أن يلزم الناس بها، فلما سألته ممن أخذتها أنت ومن معك قال: من كتاب الأحكام السلطانية للماوردي. سبحان الله! هذا الكتاب مؤلف من مئات السنين ولعصره، وليس قرآنا ولا حديثا صحيحا، وإنما في السياسة الشرعية المتجددة بحسب الزمان والمكان والأحوال.

نحن نعاني كثيرا من أمثال هؤلاء الأحبة الطيبين الذين اتخذوا الكتب مراجع لتصرفاتهم دون الرجوع إلى أهل العلم الثقات.

إن المشهد المعاصر لأمتنا ليبكي الصخر، وإن المؤامرة على أهل السنة باتت واضحة جلية مؤامرة يدير خيوطها الصليبيون، والباطنيون، وبنو صهيون

وسوى الروم خلف ظهرك روم

                                     فعلى أي جانبيك تميل

وفي بعض الأحيان يكون الجهل أقوى المؤامرات! فهل نقدر أن نواجه هؤلاء بمثل الحال التي نحن عليها؟

أيها العقلاء والمفكرون المخلصون في هذه الأمة ينبغي أن نركز على أسباب الداء، ونعالجها قبل أن يستفحل المرض، فنندم ولات ساعة مندم.

يا رب، إنها صرخة مكلوم ومجروح، لا أملك سواها بعد أن وهن العظم، واشتعل الرأس شيبا. اللهم فنصرك لعبادك المتقين. اللهم ارزقنا الإخلاص في العمل على الوجه الذي يرضيك والحمد لله رب العالمين.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك