رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: وائل رمضان 3 مارس، 2017 0 تعليق

قراءة في كتاب: مقدمة تحقيق تفسير محمد بن جرير الطبري

صَدَرَ بمعرض القاهرة الدولي للكتاب عام 1437 في مجلدٍ لَطِيف تَقْدِمَةٌ مستقلةٌ لتحقيق جديد لتفسير أبي جعفر محمد بن جرير الطبري المسمى (جامع البيان لتفسير آيِ القرآن)، بقلم فضيلةُ الشيخِ المُحَقِّق:  أبي عَمرو أحمد بنِ عطية الوكيل سمَّاها: (فتح القدير بتقدمة تحقيق تفسير ابن جرير).

     وفي رسالته التعريفية بالمقدمة التي أرسلها الشيخ للفرقان قال فيها: اقتديتُ في طبع (مقدمتي للتحقيق) مستقلة عن التفسير بأبي محمد عبدالرحمن بنِ أبي حاتم الرازي -رحمه الله- في تَقْدِمَتِهِ لكتاب (الجرح والتعديل) له، وكما فعل الحافظُ -رحمه الله- في (هَدْي السَّاري مُقدِّمة فَتْح الباري)، وغيرهما مِن مُصَنِّفي أهل العلم مِن السلف الصالح عليهم -رِضْوان الله تعالى-.

أول ما بينت في المقدمة

     ثم أضاف: بَيَّنتُ فيها أوَّل مَا بيَّنتُ أنَّ الله -عزَّ وجلَّ- قد أَمَرَ نبيَّه صلى الله عليه وسلم بتبليغِ ما أُنْزِلَ إِلَيهِ مِن الذِّكْرِ الحَكِيم ومِن البَيِّنات والهُدى، والأوامر والنَّواهِي، ومِن الأحْكامِ والحِكَم، والأَمْثال وأَحْسَنِ القَصَص؛ فبَيَّنَ صلى الله عليه وسلم جَمِيعَ ذلك لأصحَابِهِ مِن مَعَانِي القرآن وتفسيرِه لهم ، كما بَيَّنَ ألفاظَهُ وترتيلَه، وهو يَتْلُو عليهم مِن آياتِهِ آيةً آيةً، وهُم أُمِّيُّيون؛ فيزكيهم به ويُعَلّمهم ، كما كان أصحابُهُ يَتْلُونه عليه فيسمعه مِنهم .

     وكان صلى الله عليه وسلم يقول لأصحابه: «سَلُونِي»، فَلَمَّا هَابُوه جاءَ رجلٌ؛ فجلس عند رُكْبَتَيهِ صلى الله عليه وسلم ، وجعل يسأله عن الإسلام والإيمان والإحسان وعن الساعة؟ والنبيّ صلى الله عليه وسلم يجيبُهُ، والصحابَةُ يَسْمعون ويَشْهدون ، ثم قام الرجل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «رُدُّوهُ عَلَيَّ»؛ فالتُمِسَ فلم يجدوه ، فقال صلى الله عليه وسلم : «هذا جبريلٌ ، أرادَ أنْ تَعَلَّمُوا إِذْ لم تَسْأَلُوا» .

بلاغًا وافيًا

     حتى كان بلاغُ محمد صلى الله عليه وسلم لأُمَّتِهِ وللعَالَمِين بلاغًا وافِيًا ، كافِيًا شافِيًا، ولا عَجَب فَتِلْك هي وَظِيفَةُ الرُّسُل ومَهَمَّتهم، كما قال تعالى : { } (الجن / 28)، وقالت أُمُّ المُؤمنينَ عائشةُ -رضي الله عنها-: «فَبَيَّنَ أَنَّ الرِّسَالَةَ مِنَ اللَّه ، والإِبْلَاغَ مِنَ الرُّسُل»، وأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان حَرِيصًا على أنْ تَتَّصِلَ دعوتُهُ في أمَّتِهِ مِن بعده إلى يوم القيامة، فأمرصلى الله عليه وسلم أصحابَه بالتبليغ مِن غير أنْ يكذبوا عليه، ودَعَى صلى الله عليه وسلم لهم بالنَّضَارَةِ ، ولِمَن جاء بعدهم إلى يومِنَا هذا؛ لِمَن يتعلَّمُ منهم سُنَّتَهُ ويحفَظُهَا ويبَلِّغُهَا كما استَمَعها، وأنَّ خيرَهم وأفضَلَهُم مَن تَعَلَّم القرآنَ وعَلَّمَهُ .

     فقام الصحابَةُ -رضي الله عنهم- بذلك خيرَ قيام، وجدُّوا في الطَّلَب، ورَحَلُوا في تلقِّي الحديث الواحد، وضَرَبُوا أروع الأمثلة في تَعَلُّمِ القرآن والسُّنَّةِ والأحكام الشَّرعِيَّة مِن النبيِّ صلى الله عليه وسلم مُشَافهةً، ومِن بعضهم البعض، ثمَّ تفرَّقُوا في الأمصار مِن بعده صلى الله عليه وسلم ، يعلِّمُون وينقُلُون ما حَمَلُوا، كما كان الواحدُ مِن عُلَماء الصحابة يقول لأصحابِهِ مِن التابعين «سَلُونِي» اقتداءً بالنبيّ صلى الله عليه وسلم ، وكذلك سَار التابعون -رحمهم الله- على دَرْبِهم، وصارت لهم مدارس بمكة والمدينة والكوفة وغيرها، فتناقَلُوا العلم جيلاً عن جيل .

علم التفسير

     ثم ذكر الشيخ نبذة عن علم التفسير فقال: لقد نال علمُ (التفسير) عِنايَة فَائِقَة، فنقل التابعون ما فسَّره الصحابة، وما فسَّره النبيُّ صلى الله عليه وسلم لهم، وعنهم نقل تابعو التابعين، وتسابق العلماءُ -عليهم رحمة الله- بعد ذلك واجتهدوا في تفسير معاني آيِ القرآن وتأويلها بأنفسهم، ودوَّنُوه في كتبهم في أبواب تختص بالتفسير، ومَن لم يُصنِّف على الكتب والأبواب أخرجَهُ سَرْدًا على المسانيد، وكان منهم مَن أفردَ مؤلفات في (التفسير) وحده، ونقلوا إلينا فيها: ما وقع لهم مِن (التفسير) بالإسناد المتصل عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وعن صحابته -رضي الله عنهم- وعن التابعين -رحمة الله عليهم- وما فسَّرُوه بأنفُسِهِم.

     ثم أضاف: وقد ذكرتُ في المقدمة مِن العُلَماء خمسةً وثلاثينَ رجلاً مِمَّن دوَّن التفسيرَ، سواء في تصانيفَ مستقلةٍ أم ضمن أخرى، ولم أقصد استيعابَ جميعِهم حتى زمان ابن جرير الطبري، ومَن وقفتُ عليه منهم رَتَّبتُهُم على الوَفَيَات، وعرَّفتُ بهم وبتفاسيرهم مع كلام أهل العلم فيها، وكيف اعتمد أبوجعفر عليها، وذكَرْت لهم شيوخَهم وأصحابَهم كما جاءت بهم الروايات في تفسير الطبري، ونبهت على الضعفاء والمتروكين منهم .

     وفي أثناء ذلك ظهر لنا كثيرٌ مِن التصحيفات والتحريفات التي لم يَنْتَبِه إليها أحدٌ مِن قبلي فيما أرى؛ ولقد ساعد على الجَزْم بها النَّظَرُ في الروايات مِن طُرُق مُخَرِّجيها غير المُصَنِّف، التي تلتقي مع طريقه في شيخه أو شيخ شيخه وهكذا، وكذلك مقابلة النَّص على عشرين نسخة خطيَّة توفَّرت لديَّ، قد أزاحت كثيرًا مِن الإشكالات الإسناديَّة التي ظهرت محرَّفةً في الطبعات المختلفة والمتداولة بين الناس مِن (التفسير) ولله الحمدُ، وأسأله المزيدَ مِن فضلِهِ .

     وترجمْتُ للمُصَنِّف ومنهَجِه في «تفسيره»، كما ذكرتُ منهجي في خدمة الأحاديث والآثار ، وتوثيق النصِّ وضبطِهِ، وإفادتي واعتمادي على طبعة الدكتور: عبد الله بن عبد المحسن التركي حفظه الله، وختمْتُ «تقدمتي للتحقيق» بعرض صورِ الأُصول الخطية التي حصُلْت عليها آنذاك.

تزكية الشيخ السعد

     ثم أورد الشيخ تزكية أحد كبار علماء المملكة لتلك المقدمة فقال: وكان اطّلع على تلك المقدمة صاحبُنا وشيخُنا الجليلُ فضيلة الشيخ العلامة المحدث، عبد الله بنُ عبد الرحمن السعد  -حفظه الله ورعاه-؛ فسجل بصوته مقطعًا صوتيا يمتدحها فيه فقال ما نصه: اطَّلعتُ على المقدمةِ التي كتبها أخونا الشيخ أبو عَمرو أحمد بنُ عطيَّة الوكيل لـ(كتَابِ الطَّبَرِي) وسمَّاها: بـ(فَتْحِ القَدِيرِ بِتَقْدِمَةِ تَفْسِيرِ ابنِ جَرِير)، وهي مقدِّمةٌ نفيسةٌ في بابها، جَيِّدةٌ في معناها، مُفِيدَةٌ فيما ذكر فيها؛ فهي من أحسنِ المقدِّمَاتِ التي اطَّلَعتُ عليها، فيها فوائدُ كثيرةٌ ، فيها تصحيحٌ لأخطاءٍ وقعت في طبعاتٍ سابقة للكتاب، كما أن فيها بحوثًا قيِّمةً عن منهج ابن جرير -رحمه الله تعالى- في تعاملِهِ مع الأسانيد ، وتعقُّبِهِ لبعض الأسانيد، كما أنَّ فيها من روى لهم ابنُ جرير في كتابه التفسير من أئمة التفسير والطرق التي تُوصِل إليهم، وغير ذلك من البحوثِ القيمةِ المفيدة، وندعوه -بارك الله فيه وجزاه الله خيرًا- إلى أن يستعجل بإخراج الكتاب لأجل استفادة الناس من هذا الكتاب، فإن كان أتمَّ الكتاب ؛ فليبادر إلى إخراجه، وإن كان أتمَّ بعضه فليبادر أيضًا لإخراج ما تمَّ ثم يُكْمِل الباقي. هذا وبالله -تعالى- التوفيق.

     وقد أفاد الشيخ -حفظه الله- أنها مِن أحسن المقدِّمات التي اطّلع عليها ، ومعلومٌ أنَّه اطّلع على مقدمات جميع الطبعات قبلي، التي أتيحت له، وفَضِيلَتُهُ -جزاه الله خيرًا- من أهل الصناعة الحديثية، وصاحبُ المعرفةِ التامَّة والعنايةِ الفائقةِ بهذا العلم الشريف، أحسبه، والله حسيبه، ويعلم جيدًا ما قاله، وطلب مِنَّا لما رآه من طريقتي في المقدمة دفع الكتاب للطبع إن كنت أتممته، وإلا يطبع منه ما ينجز أولا بأول، وحثني في ذلك، وقال بلسانه قائلاً: ليستفيد الناس، ولا أدعي العصمة مِن الخطأ، أو الاستيعاب؛ فإنَّ ذلك مُحال .

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك