قراءة في كتاب – ضوابط معاملة الحاكم عند أهل السنة والجماعة (١)
- يتفرد الكتاب بتفصيل الموقف الدقيق للرعية من الحاكم في كل أحواله مع بيان أحوال ذلك إذا أمر الحاكم بمشروع أو مباح أو واجب أو مندوب أو كان في أمر اجتهادي
- الكتاب يعرض دقائق المسائل وتفصيل الأحكام الفقهية والمنطلقات العقدية في مسائل الحكم والإمامة
يعدّ الكتاب الذي بين أيدينا (ضوابط معاملة الحاكم عند أهل السنة والجماعة وأثرها على الأمة)، للشيخ الدكتور خالد ضحوي الظفيري، واحدا من أهم كتب العقيدة والفرق في مسألة نظام الحكم في الإسلام، وكتب السياسة الشرعية، وهو كتاب نفيس صادر عن عمادة البحث العلمي بالجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، وهو عمدة في بابه، وأصله أطروحة لرسالة الماجستير للشيخ الظفيري -حفظه الله-، ويقع الكتاب في أكثر من 850 صفحة.
موجز الكتاب
يبدأ الكتاب بمقدمات وتعريف لمفردات عنوان الكتاب، وبيان أحكام الإمامة وأقسامها، وموقف الرعية من الحاكم، وأدلة وجوب السمع والطاعة، وما جاء عن السلف الصالح في ذلك، ويتفرد الكتاب في تفصيل الموقف الدقيق للرعية من الحاكم في كل أحواله، مع بيان أحوال ذلك إذا أمر الحاكم بمشروع (مباح - واجب - مندوب أو كان في أمر اجتهادي)، ثم موقف الرعية من الحاكم الكافر أصلا إذا أمر بما ليس فيه معصية، وموقفها منه إذا أمر بمعصية أو كفر، وموقف الرعية إذا أمر الحاكم بأمر فيه اعتداء وظلم، وتفصيل ذلك في بيان موقف المعتدى عليه في دينه، وعرضه، ونفسه، وماله، وموقف الرعية إذا أمر الحاكم بظلم الآخر، ثم موقف الرعية من أفعال الحاكم في نفسه إذا اقترف معصية فيما هو دون الكفر ونقصد بذلك البدعة والمعصية، وموقف الرعية من الحاكم إذا صدر منه الكفر، أو طرأ عليه الكفر وبيان حكم الخروج عليه، وشروط ذلك، وفي الباب الرابع ذكر المؤلف -حفظه الله- الآثار المترتبة على تحقيق منهج أهل السنة في معاملة الحكام من عدمها سلبًا وإيجابًا (الأثر الديني - الأثر الاجتماعي - الأثر الاقتصادي - الأثر السياسي)، ثم توصل المؤلف في الخاتمة إلى نتائج البحث مع ذكر بعض التوصيات المهمة.تفصيل وبيان
ذكر المؤلف في مقدمة الرسالة منهجية البحث أنه حرص على ذكر الأدلة الشرعية من كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - في كل مسألة، ثم أردفها بذكر الآثار الواردة عن الصحابة الكرام، والتابعين الأعلام ومن بعدهم من الأئمة إلى عصرنا هذا، ولم يتوان عن نقل الإجماع لما ورد في المسائل المذكورة مع العزو والإحالة العلمية والتخريج، والنقل عن كبار العلماء كسماحة الشيخ عبدالعزيز ابن باز والشيخ الألباني والشيخ ابن عثيمين -رحمهم الله جميعا- والشيخ الفوزان -حفظه الله-، مع شرح غريب الألفاظ والترجمة لأغلب الأعلام الوارد ذكرهم في الرسالة، وتذييل البحث بالفهارس العلمية المتنوعة لخدمة القارئ والتسهيل على الباحث.التعريف والمصطلح
وفي تعريف الإمامة والحكم اصطلاحا قال المؤلف: تنوعت عبارات العلماء في بيان معنى الإمامة وحدها، فمن تلك التعاريف: قول الجويني -رحمه الله تعالى-: «الإمامة: رياسة تامة، وزعامة عامة، تتعلق بالخاصة والعامة في مهمات الدين والدنيا»، وقال الخيربيتي -رحمه الله-: «وهي: رياسة عامة في الدين والدنيا، لا عن دعوى النبوة، فيخرج النبوة والقضاء». وقيل: «هي صفة حكميّة توجب لموصوفها تقديمه على غيره معنى ومتابعة غيره له حسا»، وقال صديق حسن خان -رحمه الله -: «وقيل: هي رياسة عامة لشخص من الأشخاص بحكم الشرع». وقيل: «رئاسة على كافة الأمة في الأمور الدينية والسياسية، ولا يكون أحد عليه طاعة من المخلوقين في ذلك ولا لأحد معه»، وقيل: «رياسة عامة لشخص واحد يختص به إمضاء الأحكام، مخصوصة على وجه لا تكون فوق يده يد»، وقال أيضًا: «هي نيابة عن صاحب الشرع في حراسة الدين وسياسة الدنيا». ولعل أجمع تلك التعاريف هو ما ذكره الخيربيتي، فتعريفه شمل تعريف الجويني لكنه ذكر ضابطاً يحترز به عن النبوة والقضاء، أما التعريفات الأخرى وإن كانت متقاربة في المعنى إلا أنها تركز على بيان مهمة الإمام أو مقتضيات الإمامة من السمع والطاعة والتقدم، وهي خارجة عن الحد.ألقاب الإمام القائم بالإمامة والحكم
ثم ذكر المؤلف ألقاب الإمام القائم بالإمامة والحكم وهي: الخليفة، وهو أول لقب أطلق على المتولي على الناس بعد وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ إذ أطلق على أبي بكر -رضي الله عنه - لقب (خليفة رسول الله)، ومن الألقاب أيضا (أمير المؤمنين)، وكان الخليفة الراشد عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أول من أطلق عليه هذا اللقب، ومنها لقب (الملك) وهو ما ذكره الله -عز وجل- عن داود وسليمان -عليهما الصلاة والسلام- على سبيل المثال، ولقب (السلطان): وهو مشتق من - السّليط - وهو الدهن لأنه يضيء بعدله وتدبيره على رعيته كما يضيء السليط على أهله بنوره. ثم ذكر المؤلف طرائق ثبوت الإمامة وهي إما بالنصّ عليها، أو بالعهد والاستخلاف، أو باختيار أهل الحل والعقد أو بالغلبة والقهر، ثم ذكر المؤلف أقسام الإمامة وهي على مطلبين، الأول: الإمامة العظمى وأحكامها، والثاني: الإمامة الصغرى وأحكامها.مراجعات وتقييم
جعل المؤلف مبحثا لتقييم الرسائل السابقة في موضوع الإمامة، وتفصيل الملاحظات على ما ورد فيها، والموقف الصحيح من تلك المسائل، والرد على الفرق المخالفة لأهل السنة في باب الإمامة والحكم، ولا سيما في مسألة عزل الإمام إذا طرأ عليه الفسق، ومسألة الخروج على الحاكم الفاسق وسلّ السيف عليه، وإمامة الحاكم المتغلب، ومسألة ربط الحكم بإسلام الدار أو كفرها بإسلام الحاكم أو كفره، ومسألة الخروج باللسان، ومسألة ربط وجوب الطاعة بعدم أمر الحاكم بالمعصية، وحكم من يطيع الحاكم في معصية الله، ومسألة اشتراط القدرة في مقاتلة الحاكم الكافر.أهل السنة والجماعة
بدأ المؤلف بتعريف أهل السنة وألقابهم (أهل السنة والجماعة - أهل الحديث - الفرقة الناجية - الطائفة المنصورة - السلفيون)، ثم كان التفصيل في موقف الرعية من الحاكم إذا أمر بما ليس بمعصية، وبيان وجوب السمع والطاعة من الكتاب والسنة والصحابة والتابعين، وقد نوّه المؤلف -حفظه الله- إلى أهمية الوفاء بالعهد وتحريم الغدر، وقاعدة درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، وقاعدة الضرر يزال، وضوابط الإكراه وأنواعه، وتحريم طاعة الحكام في معصية الله.ضوابط النصح للحاكم
وقد ذكرّ المؤلف في كتابه القيم ضوابط النصح للحاكم المسلم من وجوب الإخلاص في إسداء النصيحة، وأن تكون النصيحة سرّا بين الناصح والحاكم المنصوح، وأن يكون الناصح عالما بما يأمر به من معروف، وعالما بما ينهى عنه من منكر، وعارفا للأدلة الواردة في ذلك، وأن تكون النصيحة بالرفق واللين، وأن يتوفر في ذلك القدرة والاستطاعة فإن خاف الناصح على نفسه ولم يقو على ذلك، فلا ينبغي له أن يقدم على نصيحة السلطان؛ لأن المؤمن لا ينبغي أن يذل نفسه، وألا يحصل بإنكاره منكر أكبر من الذي أنكره.الطاعة لهم بالمعروف
وأضاف المؤلف أن من الأمور التي يدخلها أهل العلم في مفهوم النصيحة: الطاعة لهم بالمعروف، والصبر على أذاهم، والدعاء لهم بالصلاح وحث الأغيار على ذلك، وترك الثناء عليهم بما ليس فيهم، وتنبيههم عند الغفلة وإرشادهم عند الهفوة، وإعلامهم بما فيه مصلحة لهم، وإبلاغهم بأهل الشر والفساد والبدع وبأخلاق عمالهم وسيرهم في الرعية، ومعاونتهم على الحق وعلى ما تكلفوا القيام به، ومجانبة الخروج عليهم، والبغض لمن رأى الخروج عليهم، وعدم سبهم ولعنهم والطعن عليهم والنهي عن ذلك، وعدم غشهم، ونصرتهم في جمع الكلمة عليهم، ومحبة ذلك وكراهية افتراق الأمة عليهم، ورد القلوب النافرة إليهم، ومحبة طاعتهم ورشدهم وعدلهم، ومحبة إعزازهم في طاعة الله وتوقيرهم.
لاتوجد تعليقات