قراءة في كتاب: الدبلوماسية الدينية… تعزيز ثقافة الحوار والتواصل الحضاري مع غير المسلمين – الحلقة الأخيرة
الدبلوماسية الدينية والخيرية ودورها في تحقيق التعايش والتسامح في المجتمعات
- الدين يتصف بالحفظ والثبات في اعتقاداته وأحكامه فلا مجال فيه للتبديل والتغيير بخلاف الدبلوماسية التي تخضع لتقلبات السياسات والمصالح والأحوال
- إنَّ وظيفة الدبلوماسية الدينية ليست الدعوة إلى الإسلام وليست بديلا عنها لكنها خادمة لها تهيئ لها الأجواء المناسبة وتوفر الأسباب والوسائل لعملها على وجه صحيح ونافع
إعداد: وائل سلامة - قاطع راشد
مع تتابع الحملات الإعلامية التحريضية ضد الإسلام والمسلمين وتزايدها، تبرز أهميَّة قيام المسلمين بواجبهم في التواصل مع الآخر ومحاورته وإطلاعه على الحقائق، ودعوته إلى استعمال منطق الحق والعدل في موقفه من الإسلام والمسلمين، ويتأكد هذا الواجب مع ظاهرة كراهية الإسلام والخوف من المسلمين {الإسلاموفوبيا} التي تؤكد الدراسات الحديثة انتشارها في الدول الغربية، وقد أدت إلى زيادة حوادث العنصرية والاعتداء اللفظي والجسدي على المسلمين زيادة كبيرة .
استراتيجية التصدي لظاهرة الإسلاموفوبيا
لقد أعدت منظمة التعاون الإسلامي استراتيجية إعلامية للتصدي لظاهرة الإسلاموفوبيا، وذلك في دورتها الحادية عشرة لوزراء الإعلام، التي عقدت في جدة، في 21 ديسمبر 2016، وبالنظر في هذه الاستراتيجية المهمة، نجد أنها احتوت محاور تؤكد أهمية تفعيل آلية الدبلوماسية الدينية للتواصل مع الآخر والتصدي للتحريض الإعلامي وتزييفه للحقائق. من تلك المحاور :- زيادة التفاعل مع وسائل الإعلام والإعلاميين، مع تشجيع الفهم الدقيق للإسلام المبني على الحقائق وعرضه على هذا الأساس، وتأكيد وجوب تجنب أي ربط أو إقران بين الإسلام والإرهاب، والامتناع عن استخدام خطاب الإسلاموفوبيا في الحرب على الإرهاب من قبيل استخدام عبارة: الإرهاب الإسلامي، أو وصف الإرهابيين الجنائيين بالإسلاميين أو الوهابية، أو السلفية.
- تشجيع وسائل الإعلام والإعلاميين على نقل الأخبار المتعلقة بالتمييز ضد المسلمين من وجهة نظر الضحايا؛ فمثل هذا النقل الذي يولي أهمية لأخبار الجماهير، يمكن أن يأخذ بعين الاعتبار انتهاك الحقوق الأساسية من قبيل الممارسات التمييزية والممارسات التي تشوبوها كراهية الأجانب التي تتبع ضد المسلمين في التوظيف والإسكان وتقديم الخدمات، وغيرها من نواحي الحياة الاجتماعية الأخرى.
- إشراك باحثين مهنيين يحملون الوعي الإسلامي الجيد؛ حيث يمكن أن تساعد هذه المشاركة في تعزيز المحتوى الإعلامي من خلال نتائج الاستقصاءات التي يمكن أن تدعم الحملة الإعلامية.
- دعوة مختلف العلماء والأكاديميين والإعلاميين لتكوين فريق من الخبراء، يكون له حضور ملحوظ في أجهزة الإعلام، ولا يشترط بالضرورة أن يتألف هذا الفريق من مسلمين، كما يستحسن سعيًا لـ لتحقيق التنوع أن تكون الرسائل التي ترسل باسم منظمة التعاون الإسلامي شاملة لأتباع الأديان الأخرى.
- تنمية علاقات مع الإعلاميين ووسائل الإعلام من خلال تجمعات غير رسمية، ويمكن أن تأخذ هذه الفعاليات لمنظمة التعاون الإسلامي شكل مآدب عشاء سنوية يحضرها صحفيون يكتبون في أجهزة إعلام غربية بغية تطوير بناء الثقة بينهم وبين منظمة التعاون الإسلامي، كما يطلب منهم إيلاء الانتباه إلى إنجازات الإسلام والمسلمين الثقافية والفكرية وعطائهم الحضاري دون تعصب.
دعم جهود الدعوة إلى الله ونشر الإسلام بطريقة صحيحة قويمة
إن الدعوة إلى الله -تعالى- من أهم الواجبات التي حمل الله -تعالى- أمانتها أمَّة الإسلام، فقال في وصفها: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} (آل عمران: ١١٠)، وأسوتها وقدوتها في ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي قال له ربُّه -عزَّوجلَّ-: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ}(يوسف: ۱۰۸)، ومنهاجها ما أرشدها إليه ربها في مثل قوله -تعالى-: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} (النحل : ١٢٥). إن هذه المهمة الشريفة، والوظيفة العظيمة لا يمكن القيام بها، وتحقيق أهدافها، وبلوغ غاياتها، إلا في حال تقوية التواصل الحضاري وانتشار التسامح وتهيئة المجتمعات للسلام، بعيدًا عن الأمور النمطية من التشويه والتحريض والنفوس تجاههم مشحونة بالخوف والريبة، والحقد والكراهية.ازدياد ظواهر التعصب والتطرف
إننا نلحظ في العقود الأخيرة ازدياد ظواهر التعصب والتطرف والكراهية في وسائل الإعلام، ومنها الإعلام الغربي، وازداد هذا الأمر سوءًا بعد ظهور التنظيمات الإرهابية، ونشير إلى واجب الدبلوماسية الدينية في مواجهة حملات التحريض والتشويه، والدفاع عن علماء الأمة ودعاتها، وإبراز جهودهم في مكافحة التطرف والإرهاب، والتنسيق بين المساجد والمؤسسات والمراكز الإسلامية ولا سيما في الغرب، وبين السلطات السياسية والتنفيذية والإعلامية لإيصال صورة الإسلام إليهم بحقيقتها الناصعة، ومدافعة حملات التشويه والتحريض بجهود عملية من التواصل والتفاهم والتعاون وتنفيذ البرامج المشتركة مع تلك الجهات. إن الدبلوماسية الدينية ليست وظيفتها الدعوة المباشرة إلى الله -تعالى-، لكنها تستطيع أن تقدم خدمة عظيمة للدعاة إلى الله -تعالى- من خلال العمل المشترك البناء، الذي يمد خيوط الاتصال والتواصل بين المسلمين وغيرهم، سواء بين الدول المسلمة وغير المسلمة، أم بين الأقليات والجاليات وحكوماتها الوطنية بتعاون الدول المسلمة وتنسيقها بما يعود على الجميع بالخير والمصلحة.العلاقة بين الدين والدبلوماسية والفرق بينها وبين الدعوة إلى الله -تعالى
- يقوم الدين على الاعتقاد الجازم واليقين القاطع في الإيمان بالله -تعالى- وبكتابه الذي أنزله على رسوله الخاتم، وعلى إخلاص العبودية له -عزوجل- في النيات والأقوال والأفعال، وعلى طاعته واتباع شريعته، أما الدبلوماسية فهي جهود مصلحية نفعية، يقصد بها المكاسب العملية، والمصالح الدنيوية.
- كذلك فإنَّ الدين يتصف بالحفظ والثبات في اعتقاداته وأحكامه، فلا مجال فيه للتبديل والتغيير، بخلاف الدبلوماسية التي تخضع لتقلبات السياسات والمصالح والأحوال أول ما يرفع هذا الإشكال التأكيد على التصور الصحيح للدبلوماسية الدينية وحدود عملها، فهي جهد عملي واقعي، يسعى إلى التوظيف الإيجابي والبناء للدين ومقاصده في العلاقات السياسية والاجتماعية والثقافية على المستوى المحلي والإقليمي والعالمي، فهي لا تقدم شروحات وتفسيرات وفتاوى دينية، ولا تقوم بوظيفة الدعوة إليه، ولا تتطرق إلى الجانب الاعتقادي والتشريعي؛ فالحقائق الدينية تبقى محفوظة، وتصان عن العبث والأخذ والرد، بينما تتحرك الدبلوماسية الدينية في أرض الواقع بمرونة تراعي الممكن من القوة والقدرة والاستطاعة على هدى من قول الله -تعالى-: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} (البقرة: ٢٨٦)، وقوله عزَّوجلَّ: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} (البَقَرَة: 185)، وقوله -تعالى-: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حرج} (الحج: ٧٨)، وقول نبي الله شعيب لقومه: {إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} (هود: ۸۸).
وظيفة الدبلوماسية الدينية
من هنا فإنَّ وظيفة الدبلوماسية الدينية ليست الدعوة إلى الإسلام، وليست بديلا عنها، لكنها خادمة لها، تهيئ لها الأجواء المناسبة، وتسعى إلى توفير الأسباب والآليات والوسائل -أو ما يسمى بالدعم اللوجستي- لعملها على وجه صحيح ونافع؛ فالدبلوماسية الدينية تستطيع أن تساهم في الحوار والتفاهم من أجل الحصول على القبول السياسي والاجتماعي لبناء مسجد في بلد ما، لكن الدعوة إلى الله من خلال ذلك المسجد إنما هي من شأن العلماء والدعاة والأئمة.
لاتوجد تعليقات