رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 22 يوليو، 2024 0 تعليق

قراءة في كتاب: الدبلوماسية الدينية…الدبلوماسية الدينية والخيرية ودورها في تحقيق التعايش والتسامح في المجتمعات

  • الدبلوماسية الدينية من المصطلحات المألوفة بين المنظمات الإنسانية لإقناع صانعي القرار بالعمل في الأوقات كلها لصالح الضعفاء والاحترام الكامل للمبادئ الإنسانية
  • تستهدف الدبلوماسية الدينية تعزيز احترام القانون والمعايير الدولية والانخراط في الدعوة على مستويات مختلفة إلى دعم الأهداف الإنسانية
  • الدبلوماسية الدينية والإنسانية أداة من أدوات السلام ونشر المحبة لرفع المعاناة وتصفية الأجواء السياسية وتهدئة النفوس المتوترة نتيجة الاختلافات السياسية
  • إن الدين الإسلامي حقيقة حاضرة في عالم السياسة والاجتماع والثقافة والمدنية والحضارة فلا يمكن تجاهله وتهميشه ولا إغفال أثره وتأثيره في حياة المسلمين
  • تبرز أهمية الدبلوماسية الدينية كونها من الأدوات الواقعية الضرورية للتجاوب مع عالمية الإسلام وظهوره وسرعة نموه وكونه دين دعوة عامة ورسالةٍ عالمية لا يحدها زمان ولا مكان
  • من أهم المداخل في تناول الدبلوماسية الدينية برؤية إسلامية شرعية هو الحديث عن عالمية الإسلام وعموم دعوته سواء في رسالته وعقيدته أم في واقع انتشاره
  • هذا الدين مشتمل على جميع ما يصلح دين الناس ودنياهم، وهو صالح ومصلح لكل زمان ومكان، وقد تضمن من الأحكام والآداب الشرعية والقيم والأخلاق النظرية والعملية

إعداد: وائل سلامة - قاطع راشد 

   الحلقة الأولى

بين أيدينا أحد الإصدارات المهمة في مجال الدبلوماسية الدينية والخيرية، الذي عنون له مؤلفه محمد بن عبدالواحد العريفي بـ:(الدبلوماسية الدينية - المملكة العربية السعودية نموذجًا)، وقد جاء هذا المصنف في أربعة مباحث أساسية وهي: (مصطلحات ومفاهيم، وأهمية الدبلوماسية الدينية، والدبلوماسية الدينية برؤية شرعية، والسعودية والدبلوماسية الدينية).

 

الدبلوماسية الدينية والإنسانية

     الدبلوماسية الدينية والإنسانية أداة من أدوات السلام ونشر المحبة لرفع المعاناة وتصفية الأجواء السياسية وتهدئة النفوس المتوترة، نتيجة الاختلافات السياسية، وكذلك لتلبية الحاجات الإنسانية الماسة للشعوب المنكوبة، وتستند المبادئ الإنسانية إلى عوامل أساسية، مثل عدم التحيز، وعدم التمييز على أساس الدين والعرق والهوية والجنسية بين المستهدفين من جهود القائمين على تنفيذ الدبلوماسية الإنسانية، والحياد دون أن يكون ذلك ضد أي طرف فاعل في النزاعات.

مفهوم الدبلوماسية

       بين المؤلف في مقدمة كتابه أن الدبلوماسية عموما تعد أداة رئيسية من أدوات تحقيق أهداف السياسة الخارجية مبينًا أن هذا الأمر له جانب نظري يتعلق بالمعرفة السياسية والقانونية، وجانب عملي يرتبط بالذكاء والكياسة واللباقة، لهذا توصف بصفتي العلم والفن، وقد أحسن بعض الباحثين عندما استحضر في هذا المقام قول معاوية بن أبي سفيان: لو كانت بيني وبين الناس شعرة ما انقطعت، إِنْ جَبَذُوها أرسلتها، وإن خلوها جَبَذْتُها؛ حيث تتضمن هذه المقولة الشهيرة وصفا دقيقا للعلاقات التي تقوم بين البشر، مشبها الدبلوماسية بالشعرة؛ حيث تتميز بالدقة والمرونة والحرص على استمرار هذه العلاقات وعدم انقطاعها.

المقصود بالدبلوماسية الدينية

          ثم انتقل الكاتب إلى بيان المقصود بالدبلوماسية الدينية، وهي أن يكون «الدين» منطلقا لعمل دبلوماسي، يستحضر مقاصد الدين وقيمه وأخلاقه، ويؤكد حضوره في السياسة والاجتماع والعلاقات الاجتماعية، وينسق بين المؤسسات والقيادات الدينية من أجل نشاط بناء، يخدم أهداف التعارف والتعايش بين البشر، وترسيخ أسباب السلم العالمي، ومكافحة التطرف والعنف، ومعالجة مشكلات الجهل والفقر والمرض، والعمل على كل ما فيه المنافع والمصالح المشتركة للإنسانية.

وثيقة نداء مكة المكرمة

        ثم بين الكاتب دور المملكة في تأصيل هذه القضية من خلال «المؤتمر الإسلامي العالمي للحوار الذي دعا إليه خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود -رحمه الله تعالى-؛ حيث نصت «وثيقة نداء مكة المكرمة التي صدرت عن ذلك المؤتمر (1429هـ / 2008م)، وبمشاركة أكثر من 500 من العلماء والشخصيات الإسلامية على ما يلي: الحوار الهادف، والتعايش السلمي والتعاون بين أتباع الرسالات وغيرهم، لا يعني التنازل عن المسلمات، ولا التفريط في الثوابت الدينية، ولا التلفيق بين الأديان، وإنما يعني التعاون على ما فيه خير الإنسان، وحفظ كرامته، وحماية حقوقه، ورفع الظلم، ورد العدوان عنه، وحل مشكلاته، وتوفير العيش الكريم له، وهي مبادئ مشتركة جاءت بها الرسالات الإلهية، وأقرتها الدساتير الوضعية، وإعلانات حقوق الإنسان، فالحوار يجري وفق القاعدة القرآنية: {لَكُمْ دِينَكُمْ وَلِيَ دين} (الكفرون: 6).

الحوارات الجادة والصادقة

        إن الحوارات الجادة والصادقة التي يرتجى منها تحقيق المصالح والمنافع المشتركة، لابد أن تكون بهذه المصداقية والشفافية، فلا مجال للمجاملات الكاذبة، ولا للادعاءات المنفصمة عن الواقع، لهذا وجدنا أن بابا الفاتيكان (بولس السادس. ت: 1974م) عندما استقبل وفد علماء السعودية عام (1974م)، أبدى في كلمته الترحيبية بالوفد تأييده لمبدأ الحوار والعمل المشترك، لكنه نبه على هذا الأصل المهم فقال: «مع تجنب التلفيق بين الأديان الذي قد لا يكون مناسبًا»، فإذا كان هذا التنبيه من بابا الفاتيكان في ذلك الوقت المبكر؛ حيث كانت مسيرة الحوار بين الأديان في بدايتها، فلا شك أن المسلم أولى في أن يتنبه ويُنبه على هذا الأمر؛ لأن المحافظة على العقيدة الإسلامية وعلى العبادات والشعائر الدينية من صلب عقيدته وإيمانه.

دور علماء المملكة العربية السعودية

       وبين الكاتب دور علماء المملكة العربية السعودية في توضيح هذا الإشكال والتحذير من الانزلاق إلى ما يخالف العقيدة الإسلامية في هذا المقام، ومن أبرز ذلك الكتاب القيم: (الإبطال لنظرية الخلط بين دين الإسلام وغيره من الأديان، للعلامة الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد ت: 1429هـ) -رحمه الله تعالى-، وفتاوى لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز (ت: 1420) -رحمه الله تعالى-، وبطبيعة الحال: ليس المقصود بهذا التنبيه والتحذير الاتفاقات والمعاهدات السياسية المجردة، وإن سميت بالإبراهيمية، ما دامت بعيدة عن مشاريع الخلط بين العقائد والأديان.

الدبلوماسية الإسلامية

       ثم بين المؤلف أن بعض الباحثين استخدم مصطلح الدبلوماسية الإسلامية للبحث في العلاقات الدولية في السيرة النبوية وسيرة الخلفاء الراشدين ومن بعدهم من خلفاء المسلمين وملوكهم وأمرائهم، وإن المقصود في هذا السياق هو الدبلوماسية بمفهومها التقليدي العام، أما قيد الإسلامية فيدل إما على مرجعيتها، وهي أحكام الشريعة الإسلامية التي بينها الفقهاء في كتب السياسة الشرعية والعلاقات الدولية، وإما أنه يدل على سياقها التاريخي، فتذكر معالمها وخصائصها وآدابها من خلال النظر في الممارسة الدبلوماسية للدول الإسلامية.

أهمية الدبلوماسية الدينية

         ثم تكلم المؤلف عن أهمية الدبلوماسية الدينية قائلاً: وجدت الدبلوماسية الدينية- مصطلحا ومضمونا - حضورًا لافتًا في السنوات الأخيرة، سواء في مجال البحوث أم المؤتمرات وتأسيس المراكز المتخصصة، أم في مجال الاهتمام العملي من قبل الساسة ووزارات الخارجية والقيادات الدينية في عدد من دول العالم، هذا الحضور يندرج تحت الاهتمام العالمي المتصاعد بالدبلوماسية العامة (القوة الناعمة)، باعتبارها من أقوى أدوات الحضور والتأثير العالميين في زمن العولمة والتواصل بين الثقافات والشعوب؛ حيث يتم البحث عن النفوذ وتحقيق المكاسب من خلال توظيف كل ما يمثل خصائص الدولة وهوية الأمة والرصيد الديني والثقافي والحضاري لها. هذه المعاني سنجدها واضحة ونحن نستعرض في هذا المبحث مظاهر اهتمام عدد من الدول بالدبلوماسية الدينية.

الدبلوماسية الدينية برؤية شرعية

          ثم بين الكاتب أن من أهم المداخل في تناول الدبلوماسية الدينية برؤية إسلامية شرعية هو الحديث عن عالمية الإسلام، وعموم دعوته، سواء في رسالته وعقيدته، أم في واقع انتشاره الجغرافي شرقا وغربا، شمالا وجنوبًا أما من جهة العقيدة، فإن من أصول الاعتقاد في الإسلام: أنَّ سيدنا محمد بن عبد الله - صلى الله عليه وسلم - خاتم الأنبياء والمرسلين - عليهم الصلاة والسلام -، لا نبي بعده، وأن الله -تعالى- بعثه إلى الناس أجمعين، قال الله -عزَّوجلَّ-: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} (الأنبياء: 107)، وقال -تعالى-: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} (سَبَا: 28) ، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - - في بيان خصائصه التي لم يعطهنَّ أحد من الأنبياء قبله -: «وكان النبي يُبعث إلى قومه خاصةً، وبُعثتُ إلى الناس كافة».

الدين الحق

         لهذا فإنَّ الدين الحق الذي رضيه الله -تعالى- لعباده، وألزمهم به، إنما هو ما بعث به رسول الله، الذي ختم الله به رسالاته وأتم شرائعه، وجعلها حجته القائمة في الأرض إلى يوم الدين، قال -تعالى-: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا (المائدة:3)، وقال سبحانه: {قُلْ ءَامَنَا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (84) وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (آل عمران: 84-85)؛ لهذا جاء الوعد الإلهي بإظهاره والتمكين له في الأرض، قال -تعالى-: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا} (الفتح: 28) ، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: « إِنَّ اللهَ زَوَى لي الأرض، فرأيتُ مشارقها ومغاربها ، وإنَّ أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها» ، وقال: « ليبلغنَّ هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدَرٍ ولا وبَرٍ إلا أدخله الله هذا الدين، بعزّ عزيز، أو بذل ذليل، عزا يُعزُّ الله به الإسلام، وذلا يذل به الكفر «. لقد تحقَّق ما أخبر الله -تعالى- به، ووعد به رسوله الخاتم - صلى الله عليه وسلم -، فقد أظهر دينه بين الأديان، وجعل حجته هي الظاهرة الغالبة، ولا يزداد مع مرور الأيام وتعاقب العصور إلا ظهورًا وانتشارًا، فعدد المسلمين في العالم اليوم يبلغ مليارًا وثماني مئة مليون نسمة بحسب دراسة أعدت في سنة (2015) -، وهذا العدد مثل في تلك السنة نسبة: 24.1 من سكان العالم، وتقول الدراسة نفسها: إن الإسلام أسرع نموا من بين الأديان كلها، وأنه يقدر أن يبلغ عدد المسلمين في سنة (2060) ثلاثة مليارات، بما يمثل نسبة: 31.1٪ من سكان العالم.

هذا الدين حقيقة حاضرة

إن هذا الدين حقيقة حاضرة في عالم السياسة والاجتماع والثقافة والمدنية والحضارة، فلا يمكن تجاهله وتهميشه، ولا إغفال أثره وتأثيره في حياة المسلمين وتصوراتهم وتصرفاتهم ومواقفهم، وتأثيره من خلال المسلمين في العالم كله.

أهمية الدبلوماسية الدينية

        في هذا السياق تبرز أهمية الدبلوماسية الدينية، فهي من الأدوات الواقعية الضرورية للتجاوب مع عالمية الإسلام وظهوره، وسرعة نموه، وكونه دين دعوة عامة، ورسالةٍ عالمية لا يحدها زمان ولا مكان، وللتفاعل الإيجابي مع حضوره الحي والفاعل في عقيدة المسلمين وعباداتهم، وفي حياتهم اليومية في المعاملات والسلوك والأخلاق، وللتواصل مع الشعوب والأمم غير المسلمة والتعاون معها في عمل الخير للمسلمين وللإنسانية، ومعالجة ما يحصل من مشكلات وعقبات، سواء بين المسلمين أنفسهم، أم بينهم وبين غيرهم. وكذلك في كون هذا الدين مشتملا على جميع ما يصلح دين الناس ودنياهم، وهو صالح ومصلح لكل زمان ومكان، وقد تضمن من الأحكام والآداب الشرعية والقيم والأخلاق النظرية والعملية ما يشتمل على مختلف مجالات الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسلوكية، حتى فيما يتعلق بالحفاظ على البيئة ومنع الإسراف والتبذير والفساد في الأرض، والأمر بالإحسان إلى الخلق جميعهم، ومنه الرفق بالحيوان.  

حاجة العالم إلى الدبلوماسية الإنسانية

         اليوم يحتاج العالم إلى الدبلوماسية الإنسانية التي تستهدف الإنسان في المقام الأول، ومراعاة احتياجاته وأمنه والبحث عن العدالة الاجتماعية، فأمن الفرد من أمن المجتمع، وهي دبلوماسية طريقها دائما مكلل بالنجاح، ويفتقدها العالم في هذه الآونة التي لا تضع أي اعتبارات للإنسان واحتياجاته، في وقت تلفظ القوة الصلبة والخشنة من الحروب والعقوبات التي تنال من الإنسان والدول والشعوب بأكملها، كما أنَّ العالم اليوم في أمس الحاجة إلى الدبلوماسية الإنسانية من أي وقت مضى؛ لأنها السبيل الوحيد الذي يمكن من المناصرة والمفاوضات والإقناع، والدبلوماسية الإنسانية هي التي تؤدي دورها في تلبية حاجات المستضعفين وتمكينهم من العيش بأمان وكرامة.  

أسلوبٌ منظمٌ لتحقيق المصالح الإنسانية

        تعد الدبلوماسية الدينية والخيرية أسلوبا منظما لتحقيق المصالح الإنسانية عموما، وقد أصبح هذا المصطلح من المصطلحات المألوفة بين جميع المنظمات الإنسانية لإقناع قادة الرأي وصانعي القرار بالعمل في جميع الأوقات لصالح الأشخاص الضعفاء، والاحترام الكامل للمبادئ الإنسانية، كما أنَّ الدبلوماسية الدينية والإنسانية تعد إحدى أدوات القوة الناعمة التي تستهدف حماية حقوق الإنسان، والعمل على نشر القانون الدولي واحترامه بما يعزز الأمن والسلام، كما تستهدف تعزيز احترام القانون والمعايير الدولية، والانخراط في الدعوة على مستويات مختلفة إلى دعم الأهداف الإنسانية، وتقوم على حماية مصالح المستضعفين أو المنكوبين ودعمها ، وإتاحة الحد الأعلى الممكن من الخدمات الإنسانية لهم، وتوسيع الحيز الإنساني الذي تتحرك فيه مؤسسات العمل الإغاثي الدولية.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك