رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: عبدالقادر علي ورسمه 11 مايو، 2015 0 تعليق

قراءة في كتاب:القصة الكاملة لخوارج عصرنا

خوارج العصر: قتال العدو  القريب مقدم على قتال العدو البعيد

السبب الرئيس لنشوء منهج الخوارج في العصر الحديث هو تفسير الإسلام تفسيرا سياسيا بعيدا عن القواعد الشرعية

التفسير السياسي جعل الأمة جاهلية والحكام بمنزلة فرعون ونمرود

أصبح التكفير المطلق بمسائل الحكم بغير ما أنزل الله هو شعار الخوارج عند أهل العلم

لديهم اعتقاد جازم بعدم وجود دار مسلمة على وجه الأرض حتى مكة والمدينة وأن قتلى مخالفيهم كفار على التعيين

 

هذا الكتاب رسالة جامعية نال بها الباحث إبراهيم بن صالح المحيميد درجة الماجستير من الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، وتبحث في موضوع الخوارج المعاصرين بصورة استقصائية كما  يؤكد الباحث؛ حيث يقول: الكتاب استقراء لأكثر من ألفي كتاب ورسالة ومقال لمنظري خوارج العصر، ويقول أيضاً: وفي هذه الأزمنة المتأخرة أطلت في ربوع العالم الإسلامي فتن عظيمة، هزت قلوب أهل الإيمان، وتجلت في بزوغ منهج الخوارج، وهذا المذهب الخبيث من أشد ما ابتليت به الأمة منذ مقتل أمير المؤمنين الخليفة الراشد عثمان بن عفان -رضي الله عنه- إلى يومنا هذا.

     ويقول أيضاً: ويرى أهل العلم أن من الواجب على المسلمين في كل عصر ومصر إذا تحققوا من وجود هذا المذهب الخبيث أن يعالجوه، بتحصين عموم المسلمين من هذا الفكر أولا: وبتبصير أربابه وتحذيرهم من سوء مغبته ثانيا: فإن لم يمتثلوا قاتلوهم دفعا لشرهم، ولا يكاد يمضي زمان إلا ويوجد فيه نوع من أنواع هذه الفرقة، وإن لم تلتزم بمبادئ القوم جميعها .

انحراف الاستدلال

     ويؤكد الباحث أن انحراف منهج الاستدلال أدى إلى فشو منهج الخوارج بين شباب الأمة اليوم، فحمل أولئك الشبيبة حدثاء الأسنان سفهاء الأحلام الأطنان من المتفجرات، ولبسوا الأحزمة الناسفة، وارتكبوا أكبر ذنبين عصي الله بهما بعد الشرك وهما: قتل النفس (الانتحار)، وسفك دماء أهل القبلة، وقد صور هذا الخلل العظيم في منهج الاستدلال للشباب المسلم أن عملهم هذا أقرب طريق إلى الجنة؛ ما أدى إلى ارتكاب الحوادث الفظيعة التي جرت على أمتنا الويلات باسم الإسلام ونصرة الدين.

أول شبهة

     وكانت شبهتهم في البداية «أخرجوا المشركين من جزيرة العرب» ثم انكشف المستور وكشر مذهب الخوارج عن أنيابه، وسفكت دماء أهل الذمة، وحصل ما حذر منه الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين في خطبة له بعد حادثة العليا الشهيرة؛ حيث قال -رحمه الله-: «هذا مذهب الخوارج، اليوم يسفكون دماء أهل الذمة وغدا يسفكون دماء أهل القبلة».

 وقد حدث ذلك في كثير من بلدان المسلمين؛ حيث إن أغلب الدماء التي يسفكونها من دماء أهل القبلة!، وأن الدماء التي قالها الرسول صلى الله عليه وسلم : «لزوال الدنيا بأسرها أهون عند الله من سفك دم امرئ مسلم» صارت ألعوبة بيد خوارج العصر كما يؤكدها المؤلف.

المعالجة العقدية الفكرية

     ويشير الباحث أنه اختار الموضوع لحماية التوحيد من منهج الخوارج المنحرف، والرد على سيل المقالات والكتب والأشرطة التي تدعو إلى مذهب الخوارج بطريق مباشر أو غير مباشر، كما أن خوارج العصر لبسوا بدعتهم بشيء من الحق مما يستوجب كشف زيغهم، مؤكدا أن طرائق اجتثاث هذا المعتقد والفكر الخارجي هو المعالجة العقدية الفكرية وكشف الشبهة وبيان الحق، وتبرئة أهل السنة والجماعة من هذا المذهب الخبيث.

مباحث الكتاب

     وجاء الكتاب على خمسة مباحث، المبحث الأول: قصة نشوء فكر الخوارج في عصرنا الحاضر من الألف إلى الياء، والمبحث الثاني: صفات الخوارج وأفعالهم، المبحث الثالث: أوجه الشبه بين خوارج العصر والخوارج المتقدمين، والمبحث الرابع: مناط الحكم عند أهل السنة وضابطه في إطلاق صفة الخارجي، المبحث الخامس: الأحاديث والآثار الواردة في الخوارج وفقهها وفوائدها، وسنحاول قراءة هذه المباحث واستعراض فوائدها في الآتي:

قصة نشوء الفكر في عصرنا

     وفي هذا المبحث يبين الباحث أن السبب الرئيس والركيزة الأساسية لنشوء منهج الخوارج في العصر الحديث هو تفسير الإسلام تفسيرا سياسيا بعيدا عن القواعد والأصول الشرعية، ويقول أصحاب هذا التفسير: إن الأنبياء بعثوا لإقامة نظام الإمامة الراشدة وأن شرك الأمم السابقة كان في إنكار حاكمية الله! ووصل الغلو في هذا الانحراف إلى أن يقال: إن فرعون والنمرود لم ينكروا ربوبية الله؛ بل كانا ينكران حاكمية الله، وقد نتج عن هذا التفسير السياسي وصف المجتمعات الإسلامية بالجاهلية، وجعل حكام المسلمين من غير استثناء بمنزلة فرعون والنمرود، وأتباعهم بمنزلة أتباع فرعون والنمرود!، فضلا عن جعل ديار المسلمين دار حرب وكفر، ورغم أن الأمة الإسلامية مرت في تاريخها بمراحل متعددة وصل أمر الأمة إلى أسوا مما نحن فيه إلا أنه لم يتم وصف الأمة بالجاهلية ودار الإسلام بدار الكفر إلا بعد ظهور هذا التفسير السياسي للدين، بل وترتب على فكرهم هذا المناداة بالهجرة من ديار الإسلام بزعم أنها تحولت إلى دار كفر، وإذا كان كلام الخوارج السابقين: «إذا كفر الإمام فقد كفرت الرعية؛ الغائب منهم والشاهد»، فإن كلام خوارج العصر لا يختلف عنه كثيرا؛ حيث ألف أحدهم كتابا عن كفر قوات درع الجزيرة،  رابطا بين شرعية الحاكم ومن يدافع عنه، ومن الأصول التي قرروها: قتال الأنظمة المرتدة أولى من قتال اليهود والنصارى! على حد وصفهم، ويؤكد الباحث أن قولهم هذا ينطبق عليه حديث  الرسول صلى الله عليه وسلم: «يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان».

مؤلفات المودودي

      ويشير الباحث إلى أن التفسير السياسي للإسلام المخالف لكلام أئمة الشريعة لم يكن معروفا قبل ظهور مؤلفات المودودي، ثم جاء فكر سيد قطب الذي يعد امتدادا لفكر المودودي ومنهجه، ويؤكد المؤلف أن المودودي ابتدع أصولا مدمرة قام عليها سوق التكفير والتفجير لاحقا، وهذه الأصول الثلاثة هي أولاً: إن حكام المسلمين طواغيت كفار يجب اقتلاعهم، ثانياً: وأن مهمة الإسلام العظمى هي إيجاد جماعة للمسلمين، ثالثاً: هجر علماء الأمة بزعم أنهم علماء السلاطين!، ويضيف قائلا: والله لو أقسم أي باحث مطلع على فكر القوم لسلم أن المنهج الخارجي المعاصر قام على هذه الأصول الثلاثة، فحمل شباب الإسلام السلاح وأطنان المتفجرات وذبحوا أهل القبلة كذبح النعاج لماذا؟؛ لأن الحكام مرتدون وطواغيت، ولا بد من إقامة دولة الإسلام المزعومة، فإذا أنكر العلماء والمصلحون فعلهم قالوا هؤلاء علماء سلاطين.

اعتزال الناس

      ويؤكد المؤلف أيضا بأن سيد قطب كان يرى الدعوة إلى اعتزال الناس، والمجتمعات الإسلامية وهجران المساجد؛ حيث يقول: «ويرشدنا الله إلى اعتزال معابد الجاهلية (المساجد)، واتخاذ بيوت العصبة المسلمة، مساجد تحس فيها بالانعزال عن المجتمع الجاهلي!!»، ويضيف الباحث قائلاً: إن التفسير المنحرف للإسلام، وجعل الخصومة في قضايا الحاكمية هو الذي جعل سيد يعكس هذه المسألة، ويقول: إن الألوهية لم تكن محل خلاف، بل الربوبية، وفي ختام المبحث يؤكد الباحث: أن تضخيم أمر الحاكمية، وتكفير الخلائق – حكاما ومحكومين – لم يعرف إلا عند طائفة واحدة قديما (فرقة الخوارج المارقة)، فقد أوردت كتب الآثار والتاريخ أن أول كلمة نطقوا بها عندما خرجوا على الخليفة الراشد علي بن أبي طالب، وارتجت لها أرجاء مسجد الكوفة، قولهم: (لا حكم إلا لله). حتى عرفوا بهذا الاسم في تاريخ الإسلام، وسموا (المحكمة) لكثرة  ترديدهم هذا الشعار. وجريا على قاعدة علماء الملة، فكل من يسير على هذا النهج (نهج الخوارج)، ويغلو في مسائل الحاكمية، ثم يكفر من أجلها، يتبع ذلك التكفير استباحة الدماء والأعراض؛ فهو من المحكِمة -شاء أم أبى- إن تدثر بدثار السنة، وذرف الدموع على آلام الأمة.

جماعة التكفير

     وبعد مرحلة المودودي وسيد ينتقل المؤلف إلى المرحلة الثانية لهذا الفكر مشيرا إلى أن بداية هذا المرحلة كانت بعد دخول العديد من أبناء جماعة الإخوان المسلمون في السجون؛ حيث نشأ الفكر التكفيري بين شبابهم، ومن أبرز هذه الجماعات كانت جماعة التكفير والهجرة التي أسسها شكري مصطفى، وقد انتهى أمرهم بقتل رموزهم، وعودة بعضهم إلى جادة الصواب، رغم بقاء  الفكر المغالي لا يجمعهم تنظيم ولا راية، وظهرت بقايا فلول هذه الفرقة في بدايات الجهاد الأفغاني، ولم يتوسع في الحديث عنها لقصر مدتها الزمنية ووضوح فكرها للجميع أنه فكر الخوارج حتى إن بقية فرق الخوارج المعاصرة يطلقون عليهم أيضا لقب الخوارج، وغير ذلك من الأسباب.

جماعات أخرى

     ثم ظهرت بعد ذلك جماعات ظاهرها الدعوة وباطنها تكفير الحكام والمحكومين، ومن أبرزها جماعة الجهاد المصرية، والجماعة الإسلامية، ويلخص الباحث بأن أهم الكتب التي حملتها المرحلة الثانية كانت كالآتي: الفريضة الغائبة لمحمد عبد السلام فرج، والرسالة اليمانية في الموالاة لطلعت فؤاد قاسم، والقول القاطع فيمن امتنع عن الشرائع لعصام دربالة، وعاصم عبد الماجد، وحتمية المواجهة، من إصدارات الجماعة الإسلامية، ويقدم المؤلف تحليلاً وافياً لمحتويات هذه الكتب وما أحدثته من فتن، ويخلص إلى اقتناع القوم بفكر المودودي وسيد قطب قناعة قطعية تضمنت وجوب إقامة دولة الإسلام حسب فهمهم وأن حكام العصر كفار، وفي السياق نفسه يؤكد الباحث: أن صاحب (الفريضة الغائبة) هو أول من صاغ نظرية (قتال العدو القريب مقدم على قتال العدو البعيد)، ويقصد بالعدو القريب المجتمعات الإسلامية وحكامها، وهذه القاعدة صارت شيئا مقطوعا عند منظري خوارج المعاصرين، ويشير الباحث أن من سمات هذه المرحلة اقتناع عدد ليس بالقليل بوجوب قتال المجتمعات الإسلامية، والتوسع في دائرة التكفير واستحلال الدماء.

لغة التكفير

     وفي المراحل التي تلت تلك المرحلة بدأ فكر خوارج العصر يتطور سريعا، وسارت الأحداث بوتيرة سريعة، وتشرب عدد كبير من شباب الأمة هذا الفكر، ويشير الباحث  إلى أن من سمات هذه المرحلة ظهور لغة التكفير والتوسع فيها، والتوسع في استباحة الدماء والأعراض، وتحول الفكر الخارجي من الإطار الإقليمي إلى العالمي، والجرأة الشديدة في وصف المجتمعات الإسلامية بأنها دار كفر وحرب، واستخدام الرؤى كثيرا في بث المنهج الخارجي وتصحيح أفعالهم، ووجود بيئة حاضنة للفكر؛ حيث تجمع العديد من الشباب من مختلف العالم إلى أفغانستان لنصرة إخوانهم فوقعوا في مستنقع التكفير والتفجير، ومن سمات هذه المرحلة أيضا العداء الشديد للعلماء حتى وصل الأمر عندهم إلى الدعوة لاستباحة دمائهم، ومن سمات المرحلة ظهور قيادات علمية للفكر الخارجي وقيادات عملية،  وبعد تلميع أشباه طلبة العلم ومجاهيل الشبكة العنكوتية وتقديمهم على أنهم علماء لا يشق لهم غبار، ومن الملفت للنظر أنه كلما أوغل أحدهم في التكفير وأباح الدماء ارتفع شأنه وزادت مكانته في قلوب أتباعه، فضلا عن استخدام الكذب لتمرير باطلهم ونشر منهجهم الخارجي، وهذه خصلة خالف فيها خوارج العصر الخوارج السابقين؛ حيث اشتهر عن السابقين صدق اللهجة.

الجهاد الأفغاني

     ويشير الباحث إلى دور الجهاد الأفغاني في ترسيخ الفكر الخارجي بسبب عدم انضباط الساحة ومن غير ضابط شرعي كما يشير إلى أثر بعض الدعاة في تأجيج المنهج الخارجي فضلا عن رؤوس الفكر في تلك المرحلة كإمام عبد العزيز الشريف المشهور بسيد فضل، وأبو محمد المقدسي، وأبو قتادة صاحب الفتوى الشهيرة لقتل الذرية والنساء!، وأسامة بن لادن، وأيمن الظواهري، وأبو يحيى الليبي، ثم كتب الباحث ملخصا عن أفكار هؤلاء والرد عليها.

نشوء منهج خوارج العصر

     ويقول الباحث: هذه معالم قصة نشوء منهج الخوارج في عصرنا الحاضر، من مصادر أخدت وقائعها من كتب القوم، وإن ترتيب نشوء منهج الخوارج والتدرج في التأصيلات والتقعيدات كما أوردنا في هذا المبحث يؤكد أن القضية القوم ليست زلة لسان ولا خطأ في فتوى، ولا لبسا في فهم حديث، أو تفسير آية؛ إنما الأمر عند القوم أصول خارجية، وتقعيدات حرورية، غالبها أخذوها من أسلافهم وبعضها متفرع عن تلك الأصول، والقليل منها أصول مستحدثة، كعدم وجود جماعة للمسلمين.

صفات الخوارج وأفعالهم

     وفي المبحث الثاني يستعرض الباحث صفات الخوارج وأفعالهم وأوجه الشبه بين خوارج العصر وأسلافهم، ويقول: رغم وجود بعض الصفات المشتركة لكن خوارج عصرنا غلوا وزادوا في تلك الصفات، وعن صفاتهم يقول: حدثاء الأسنان، وقليلي الفقه؛ حيث لا يقيمون لقاعدة المصالح والمفاسد وزنا، ولهم جرأة عجيبة على كل من يخالفهم من أهل العلم والفضل، وأنهم يكفرون الخلائق ولاسيما الحكام، ولديهم اعتقاد جازم بعدم وجود دار مسلمة على وجه الأرض حتى مكة والمدينة، وأنهم يقتلون أهل الإسلام في تفجيراتهم في العالم الإسلامي، ويدعون إلى الهجرة  من بلاد المسلمين التي يسمونها بدار الحرب، اعتقادهم الجازم أن قتلى مخالفيهم كفار على التعيين، واليقين التام أن أتباعهم في الجنة وأنهم شهداء، وضعفهم الشديد في الفقه عن الله، واستخدامهم للقياس كثيرا، والتعجل في إطلاق الأحكام، وحسن القول وسوء الفعل، والغدر، وهجر المدارس والجامعات والوظائف الحكومية، والسرية في غالب أعمالهم وتجمعاتهم.

ويقول الباحث أيضا: إن هذه الصفات الواردة في هذا المبحث تجعل المسلم يصل إلى اليقين أننا أمام فرقة من فرق الخوارج الذين أمر النبي صلى الله عليه وسلم  بقتالهم وبشر بالأجر والعظيم لمن يقاتلهم.

أوجه الشبه بينهم

     في المبحث الثالث يتحدث الباحث عن أوجه الشبه بين خوارج العصر والخوارج المتقدمين، ويستعرض ثمانية وستين وجها من أوجه الشبه بينهما؛ حيث يقول: إن القارئ في كتب خوارج عصرنا ورسائلهم  يجد التطابق الواضح الجلي بين القوم وأسلافهم، وهذا التطابق يأخذ أوجها شتى حتى يصل إلى التطابق الحرفي أحيانا والتطابق في الدليل وفي المنهج، فأصل التكفير والخروج وحمل السلاح عندهم واحد: وهو مسألة الحكم بغير ما أنزل الله، مشيراً إلى التطابق التام بين المعاصرين والسابقين بجهلهم التام بالشريعة المنزلة؛ حيث يقول: فهل يوجد أعجب من استدلال أحد منظريهم على جواز قتل حراس المجمعات السكنية والعمال من أهل القبلة الذين هم بداخل تلك المجمعات بقوله صلى الله عليه وسلم : «أنا بريء ممن يقيم بين أظهر المشركين»؟!

التكفير المطلق

     وقد جمع الباحث في هذا المبحث الجليل الكثير من المواضيع العلمية والنقولات المفيدة التي توضح مسلك خوارج العصر وتتبعهم بآثار أسلافهم، وأكد الباحث انه لا يشترط التكفير بالكبيرة في إطلاق صفة الخارجية؛ حيث إنه لم يكن معروفا عند الصحابة؛ لأن -عمر رضي الله عنه- لم يستفهم من صبيغ بن عسل موقفه من التكفير عامة والتكفير بالكبيرة على وجه الخصوص وإنما بحث على علامة حسية وهي التحليق، في إشارة إلى قصة صبيغ بن عسل الذي سأل عمررضي الله عنه عن الذاريات والنازعات والمرسلات، وعند ذلك قال له عمر ضع عن رأسك، فوضع عن رأسه فإذا له وفرة، فقال له عمر: لو وجدتك محلوقا لضربت ما بين عينيك؛ لأنه شك أن يكون من الخوارج الذين وصفهم الرسول صلى الله عليه وسلم بأن سيماهم التحليق، مؤكداً أن هذا صفة من صفات الخوارج التي هي اتباع المتشابه في القرآن؛ حيث إن أكثر الآيات المتشابهة التي يستدل بها الخوارج هي آيات الحكم بغير ما أنزل؛ لأنها جاءت عامة في إطلاق الكفر على من يحكم بغير ما أنزل الله، وفهم سلف الأمة أن الحكم بغير ما أنزل الله إما أن يكون كفرا أكبر أو أصغر، ولذلك أصبح التكفير المطلق بمسائل الحكم بغير ما أنزل الله هو شعار الخوارج عند أهل العلم، وتواتر ذلك في كتبهم، ومن الأمور التي تؤكد تشابه الخوارج في كل عصورها كما قال أيوب السختياني: «إن الخوارج اختلفوا في الاسم واجتمعوا على السيف» تأكيدا إلى التلازم بين التكفير والخروج وحمل السلاح وإنهما صنوان عند الخوارج لا يفترقان؛ فبمجرد أن يكفر يحمل السلاح.

  

خـلاصـة البحـث

      والبحث يعد من الأبحاث الجادة التي تحدثت عن خطورة فكر الخوارج، وبينت التسلسل التاريخي للخوارج المعاصرين، وكشفت عن أفكارهم وأهم مؤلفاتهم ورموزهم، واستطاع الباحث الرد على شبهاتهم، ومن أهم الفوائد التي أوردها الباحث توضيح أن الكثير من أفكار خوارج العصر مبثوثة في بعض الكتيبات الفكرية للحركات وقد لا ينتبه لها الشباب الإسلامي المتعطش للعلم الشرعي والمحب لنصرة دينه، وعليه ينبغي على الشاب المسلم أن ينتبه لهذه المزالق وفي أولها التفسير السياسي للإسلام وما جر على الأمة من ويلات، ومن المهم جدا للشباب المسلم أن يهتموا بمثل هذه البحوث الجادة، وتعقد لها الندوات والحلقات العلمية لدراستها، كما ينبغي أن تجعل الجماعات الإسلامية وكليات الدراسات الشرعية نصيبا من برامجهم لدراسة مثل هذه الأبحاث الجادة حماية للأجيال القادمة من الانحراف العقدي الذي يحمله فكر خوارج العصر وأتباعهم الذي أحدث الخراب والدمار واستباحة الدماء المعصومة في بلاد المسلمين.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك