رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: فادي قراقرة 8 يوليو، 2018 0 تعليق

قراءة في فكر محمد شحرور – شبهات وأباطيل حول فهم القرآن وتفسير أصول الإسلام

لقي فكر الكاتب السوري محمد شحرور، دعاية وترويجًا في الأوساط العلمية والشعبية، وتفاعلت معه كثير من القنوات الإعلامية؛ مما أثار جدلاً ونقاشاً على الصعيد العربي عموماً، ولاسيما أنه هو وأمثاله من منتجات الفكر الغربي وروافده، غايتهم الأساسية مقاومة الانبعاث الإسلامي.

المنهجية والمنطلقات

     تأثر بالفكر الماركسي الدكتور محمد شحرور مفروغ منها عند العقلاء تمامًا، ولا تحتاج لكثرة أخذ ورد، ولا ينفع معها نفي الدكتور لها مع تصريحه بمبادئها وتعظيم رؤوسها ومفكريها؛ فبنظرة عابرة إلى أول كتبه، نجد عنده المناداة بما عند الماركسية من فلسفات وضعية اجتماعية، أو سياسية، أو اقتصادية، يقول الدكتور شحرور: «إن العرب منذ البعثة إلى يومنا هذا، اهتموا برسالته وهجروا نبوّته، ولكن اهتم بنبوته كل معاهد الأبحاث العلمية والجامعات في العالم، وكل الفلاسفة ابتداءً من أرسطو، مرورًا بكانت وإنجلز وهيجل وديكارت».

     هذا وأمثاله يثبت النزعة الماركسية وبقوة عند شحرور، كيف لا؟! وهو منقاد لها تماماً في أحكامه، فهو يفرض أن الحقيقة الموضوعية هي الأشياء المادية الموجودة في الأعيان خارج حدود الوعي، وأن الحق هو الوعي المطابق لها، وهذا جزء من أجزاء فلسفة (سارتر) اليهودية، فضلا عن تنزيله لفلسفة (هيجل) على القرآن الكريم، فلسفة (صراع المتناقضات)، كما في تفسيره الفلق بصراع الأضداد.

التعامل مع الإسلام

     من هذا المنطلق، لم يخفِ محمد شحرور منهجيته في التعامل مع الإسلام عموما؛ فقد سطر آراه وفكره بوضوح، قائلاً: فمن هنا نرى أن أطروحات التجديد لا معنى لها ولا تؤتي ثمارها، وإنما هي تكرار للذات وللسلف، وهي مجموعة من الخطابات والكلمات الرنانة دون أي معانٍ أو أفكار مفيدة.

اختراق الأصول

     فأي تجديد لا يسمى تجديداً إلا إذا اخترق الأصول، وعلينا أن نعي حقيقة تاريخية مهمة جداً وهي أن التاريخ الإنساني حسب التنزيل الحكيم يمكن أن يقسم إلى مرحلتين: المرحلة الأولى مرحلة الرسالات، التي انتهت برسالة محمد صلى الله عليه وسلم ، والمرحلة الثانية مرحلة ما بعد الرسالات التي نعيشها نحن، أي أن الإنسانية الآن لا تحتاج إلى أي رسالة أو نبوة، بل هي قادرة على اكتشاف الوجود بنفسها دون نبوات، وقادرة على التشريع بنفسها دون رسالات.

عصر الرسالات

     والإنسانية اليوم أفضل بكثير من عصر الرسالات؛ لأن البشرية كانت بحاجة إليها للرقي من المملكة الحيوانية إلى الإنسانية، أما نحن فلا، وعلينا أن نعي أن المستوى الإنساني والأخلاقي في تعامل الناس بعضهم مع بعض، أفضل بكثير من قبل وحتى في عهد الرسالات؛ فالبكاء على عصر الرسالات لا جدوى منه؛ لأننا الآن في مستوى أرقى معرفياً وتشريعياً وأخلاقياً وشعائرياً.

يشك في وجود الله واليوم الآخر

     وعلى القاعدة التي سبق ذكرها والمتعلقة بأن الحقيقة هي المادية فقط عند شحرور، واعتماده على الدليل المادي فقط لمحاكمة النصوص، يُظهر لنا شحرور ماركسيته العقدية؛ ففي موقعه على شبكة الإنترنت سأله أحدهم عن رأيه في طريق من طرق الملحدين الذين ينكرون الأديان: ما رأي الدكتور محمد المحترم في كلام الربوبيين؟

- الجواب: الربوبية هي الاعتقاد بوجود خالق للكون، ولكن لا يتدخل في شؤون الكون، وأن الأديان كلها من نتاج البشر، والدعوات والصلوات لا تستجاب، والحوادث اليومية ليست ناتجة عن رغبة إلهية، إنما هي نتائج طبيعية لأسباب تحدث في الحياة، وكل شيء مفتوح، ولا شيء مقدّر مسبقاً.

فالربوبيون يعتمدون المنهج العلمي، ويعتمدون على أنفسهم في حل مشكلاتهم وتحقيق أهدافهم في الحياة، وأخلاق الربوبي ناتجة عن التزامه الذاتي بالخير وابتعاده عن الشر، وناتجة عن تحضره وتحضر مجتمعه.

هناك بعض الربوبيين يعتقدون أن الله أو الـ (God)، أو الإله، أو (the Deity)، أو خالق الكون يتدخل في الكون، وبعضهم يؤمن بنوع من الحياة بعد الموت.

صفات الله

     ولكن من وجهة نظري، لا جدوى عملية من التفكير في صفات الله أو العلاقة معه (أو معها) ولا فائدة من التفكير في حياة بعد الموت؛ فقد تكون هناك حياة بعد الموت، أو لا؛ فإن كان هناك حياة بعد الموت، فلا وجود للعقاب فيها؛ لأن العقاب كان سيملك معنا في الدنيا، ولكن بعد الموت لا فائدة منه؛ فالبشر سيكونون في نظام وجود مختلف عن الدنيا، وستكون الحياة بعد الموت سعيدة، هذا إن وجدت طبعاً.

الحياة تنتهي بالموت

     ولكن الفكرة الأكثر منطقية هي أن الحياة تنتهي بالموت، فلا يوجد دليل حسي واضح أو عملي على وجود الحياة بعد الموت، بالتالي تكون التجربة التي تختبرها بعد موتك هي نفسها التجربة التي اختبرتها قبل ولادتك، وبما أن الإنسان يملك فرصة واحدة للعيش؛ فعليه أن يغتنمها ويعيش الحياة لأقصى حد، دون أن يضر أو يؤذي الآخرين طبعاً. ووجود خالق الكون هو نتيجة منطقية يستنتجها الربوبيون من وجود الكون وجماله الطبيعي وإبهاره العلمي، ولكن لا يستطيع أحد أن ينفي أو يثبت وجود الحياة بعد الموت، ولا يستطيع أحد أن يتوصل إلى صفاتها، إن وجدت!!

علمانيته

     لا يختلف خطاب محمد شحرور في شأن العلمانية عن الخطاب الحداثي المعاصر؛ لأنه جزء منه، وبالتأكيد مع محاولة اللعب في بعض الألفاظ من أجل تزييبن الكعكة لمن يأكلها؛ فقد سطر شحرور قائلاً: «الدولة العلمانية كما أراها، هي الدولة التي لا تأخذ شرعيتها من رجال الدين (الهامانات)، وإنما تأخذ شرعيتها من الناس؛ فهي لهذا دولة مدنية غير مذهبية وغير طائفية، وبما أن الاسلام لا يعترف أصلاً برجال الدين، وليس بحاجة إليهم ليعطوه الشرعية، والهامانات هم من يدعي الاختصاص بالدين والحفاظ عليه، والدولة العلمانية هي الدولة التي تتعدد فيها الآراء، وتصان فيها حرية الرأي والرأي الآخر».

     ويقول: «وبهذا نرى أن الدولة الإسلامية دولة علمانية بحتة»، وهذا تزييف وتحريف؛ فالإسلام ليس فيه رجال دين نعم، لكن المسلمين ملزمون بتحكيم أمر الله -عز وجل- الذي بينه لنا في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، وهذا يتناقض مع العلمانية التي لا تلتزم بالقرآن والسنة، بل تحاربهما، وفي أحسن الأحوال تعد اتباعهما شأنا شخصيا، لا يجوز أن يلزم به المجتمع.

شحرور والمرأة

     يحاول محمد شحرور في كتابه: (نحو أصول فقه جديد) ربط موضوع الخطيئة بالحجاب، الذي هو غطاء الرأس عندنا؛ لينتهي من خلاله إلى إنكار وجوب غطاء الرأس؛ وسبب هذا عنده، أن الحجاب إنما فرض على المرأة ستراً لخطيئتها، يقول محمد شحرور: مسألة لباس المرأة وحجابها قديمة، تعود إلى ما قبل التاريخ المكتوب، ويلاحظ دارسها أنها ترتبط دائماً في التراث القديم بمسألة أخرى، هي مسألة الخطيئة الأولى التي تواكب بدورها مسألة بدء الأنسنة، ويعني بها بداية الجنس الإنساني ذي الأصل البشري؛ وذلك بنفخة الروح، حتى إن تنزيل الحكيم ذاته أشار إلى هذه الرابطة، العلاقة، معداً أن ستر الجسد عند آدم وزوجه في الجنة، نتيجة طبيعية حين بدت لهما سوآتهما بعد أن أكلا من الشجرة المحرمة؛ وذلك طبقاً للتفاسير الموروثة.

تلفيق ظاهر

     وبغضّ النظر عن حجم التلفيق الظاهر في كلامه، ومحاولة ربط الحجاب بالخطيئة، التي لا يوجد دليل على هذا الرابط سوى ما في عبارته (ما قبل التاريخ المكتوب)؛ مما يكشف غياب الموضوعية والمعقولية عن مثل هذه الأطروحات؛ ليصل من خلالها إلى محاربة الحجاب (غطاء الرأس) بدعوى أنه مظهر من مظاهر ظلم المرأة الباقية في الشريعة من رواسب الشرائع التي قبلها؛ فيقول: «ولم تكن الرسالة المحمدية، من هذه الزاوية بالذات أحسن حظاً من سابقاتها، ولم يكن الفقهاء والمفسرون، في مسألة المرأة أكثر اعتدالاً من سابقيهم من سدنة وأحبار وكهنة ورسل»، مع ظهور وقاحته في طعنه في شريعة الإسلام، كما هو ظاهر للقارئ المنصف، وكما قال ربنا -جل في علاه-: { قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ} (آل عمران: 118).

الحجاب عند المرأة

     وعندها تراه وبوضوح يقول: «وتأكيدًا لما قلناه وقاله كثيرون من أن اللباس والحجاب عند المرأة ليس تكليفاً شرعياً بقدر ما هو سلوك تقتضيه الحياة الاجتماعية والبيئة»، لينتهي إلى خلاصته التي أرادها أعداء الإسلام من المرأة بعد تجريدها من عفتها بقوله، وتحت باب الحد الأدنى: «الحد الأدنى للباس المرأة عموما، هو تغطية الجيوب العلوية (الثديين وتحت الإبطين)، فضلا عن الجيوب السفلية، وهو ليس لباس الظهور الاجتماعي، لباس الخروج الاجتماعي للمرأة هو ابتداء من الحد الأدنى، وهو حسب أعراف المجتمع الذي تعيش فيه، وحسب ظروف الزمان والمكان؛ بحيث لا تتعرض للأذى الاجتماعي، ويتدرج حتى يبلغ الحد الأعلى بإظهار الوجه والكفين فقط». 

     ويقول في الصفحة نفسها: «غطاء الرأس بالنسبة للرجل، أو المرأة ليس له علاقة بإسلام ولا بإيمان، وهو يتبع أعراف المجتمع عموما»!؛ لذلك لم يكن من الغريب على من يقول بهذا، أن يجيز للمرأة الخروج بمايوه البحر، بحجة أنها تلبس الحد الأدنى الذي أذن فيه الله -عز وجل!

إفساد بيوت المسلمين

     لم ينته محمد شحرور عند مسألة الحجاب فيما يخص المرأة، بل جعل كلامه في مسائل لها دور مهم في إفساد بيوت المسلمين، ولعلها الحرب التي يريدها التغريبيون؛ فقد ذكر ضمن كتابه المذكور سابقاً جملة من المسائل التي تتعلق بـالقوامة للرجل أو للمرأة؛ وانتهى فيه إلى أن القوامة متعلقة بمن يحسن الإدارة بطريقة صحيحة بغض النظر عن جنسه، ورغم وضوح الآية {(الرجال قوامون على النساء}، إلا أن التحريف لدلالتها واجب يمليه عليه من يستخدمه لذلك!.

حرب على المفاهيم الإسلامية

شنّ محمد شحرور في كتابه هذا حرباً على كثير من المفاهيم الإسلامية العميقة، بلغت حد الجرأة على شخص رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فهو يقول: «فالذي يدعي فهم كتاب الله من أوله لآخره فهماً مطلقاً ولو كان النبي صلى الله عليه وسلم  نفسه، إنما يدعي شراكة الله في المعرفة»!!

كلام خبيث

     وهذا كلام خبيث يتّهم النبي صلى الله عليه وسلم بجهل معنى الوحي الذي جاءه! ويتهم الله -عز وجل- أنه أنزل وحيا لم يُفهم، والله -عز وجل- يقول: {ولقد يسّرنا القرآن للذكر فهل من مدّكر}، بل لا ينبغي لعاقل يعظم قدر الله -عز وجل- نسبة المعرفة لله -تعالى- بخلاف العلم؛ فإن ما يسبق المعرفة هو الجهل كما هو مقرر.

ويقول شحرور أيضا: «السنة النبوية هي الاجتهاد الأول، والخيار الأول للإطار التطبيقي الذي اختاره محمد صلى الله عليه وسلم ، لتجسيد الفكر المطلق الموحى إليه، لكنه ليس الخيار الأخير وليس الوحيد».

طعن في مقام النبوة

     فهذه الدعوة لعدِّ السنة اجتهادا في فهم القرآن، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم قد يصيب وقد يخطيء، طعن في مقام النبوة، وفيه تسوية بين الرسول صلى الله عليه وسلم وسائر الناس، وهو نفي مبطن للنبوة ذاتها!! فضلا عن فتحه لباب شر عظيم بجواز الطعن في السنة بحجة الاجتهاد، وهذه المرحلة تجاوزها محمد شحرور بكل تأكيد.

ضعف وركاكة

     ومما يكشف عن ضعف فكر شحرور وركاكته وزيفه السقطات التي يقع بها في تزييف الوقائع والأحداث واعتماده على أمور غير عقلانية لنصرة باطله، ومن ذلك طعنه بالإمام الشافعى، حتى يتمكن من ترويج منهجه الباطل المحرف؛ فهو يتهم الشافعى بتقبل الرشوة من السلطان؛ فيقول: «لقد كان الشافعي يعرف ذلك كله فهو فصيح؛ من حيث النسب، لكونه قرشياً وفصيحاً من حيث الثقافة؛ لكونه يحفظ عشرة آلاف بيت من الشعر، لكنه فضل أن يداهن سلطانه العباسي المستبد أبا جعفر المنصور؛ فكانت النتيجة أنه باع دينه بدنيا غيره».

     وهذا كلام غير العقلاء لا كلام من ينصّب نفسه مصححًا لمنهج فهم الإسلام والقرآن في عصرنا الحاضر؛ فمعروف أن ولادة الشافعي -رحمه الله- كانت في عام 150هـ، وأن موت أبا جعفر المنصور كان في عام 158هـ، في الوقت الذي كان فيه قد مضى من عمر الشافعي 8 سنوات فقط؛ فمتى باع الشافعى دينة للخليفة المنصور؟ لكن الحقد على الإسلام وعلمائه، يدفع هؤلاء الجهلة عديمي الأمانة والعلم للكذب بوقاحة.

بل بلغت به التجاوز أن يكذب وينسب لأبي بكر الصديق، وخالد بن الوليد في حرب المرتدين جرائم ومخازيَ وتجاوزات، يزعم أنها تكفي اليوم لترسل صاحبها إلى محكمة مجرمي الحرب في لاهاي.

نظرية داروين

     بعد كل ما مضى لم يعد غريبًا أن نسمع من محمد شحرور قولاً تمجّه العقول السليمة؛ فالرجل ينتصر لنظرية داروين في أصل الإنسان، بل بلغ به الحد أن جعل داروين خير من فسر نظرية الخلق؛ فيقول: «وخير من أول آيات خلق البشر عندي هو العالم الكبير تشارلز داروين؛ فهل عرف داروين القرآن؟ أقول: إنه ليس من الضروري أن يعرف؛ فقد كان داروين يبحث عن الحقيقة في أصل الإنسان، والقرآن أورد حقيقة أصل الإنسان؛ فيجب أن يتطابقا إن كان داروين على حق، وأعتقد أن نظريته في أصل البشر في هيكلها العام صحيحة؛ لأنها تنطبق على تأويل آيات الخلق».

المعرفة القرآنية

     ويقول شحرور: «إن هذا الفهم المادي لنظرية المعرفة القرآنية يرد على أوهام ذوي الفهم المثالي للقرآن، الذين يرفضون نظرية التطور والارتقاء ويسخرون من نظرية داروين بزعم أنها غير علمية، وحجتهم في ذلك قائمة على التساؤل التالي: لماذا تطور الإنسان من القرد، وبقي القرد قرداً؟! وجوابنا هو أن الله -تعالى- نفخ الروح في البشر (وهو فصيلة من المملكة الحيوانية)؛ فأدى ذلك إلى أنسنته وارتقائه عن عالم المملكة الحيوانية، ولو أنه نفخ الروح في فصائل أخرى لارتقت أيضاً، إن نفخة الروح هي الحلقة المفقودة في نظرية داروين حول الأنسنة. وهذا الكلام باطل ويصادم صريح آيات القرآن الكريم الذي ينفي كون البشر من الحيوانات؛ لأنه خلق بشكل مباشر من الله -عز وجل- من الطين، ولكن لأن غاية شحرور تحريف القرآن والإسلام لصالح العلمانية وأساطيرها؛ فإنه يحاول بكل قوة تطويع الآيات لأوهامه وخيالاته.

نماذج من تحريفاته

إن هذه الفتاوى الشاذة، أو المنحرفة لمحمد شحرور، تكشف حرصه على محاربة الإسلام من داخله، وعن مدى خبث تنظيراته التي قد يخفى على بعض الناس مراميها السيئة؛ لأن الحرب على الثوابت الدينية، جزء لا يتجزأ من منظومة متكاملة لحرب الإسلام.

     قال محمد شحرور: «علينا اعتبار كل الأحاديث المتعلقة بالحلال والحرام والحدود، التي لم يرد نص فيها في الكتاب، على أنها أحاديث مرحلية مثل الغناء، والموسيقى، والتصوير، واعتبارها أحاديث قيلت في حينها حسب الظروف السائدة، وعلينا أيضاً اعتبار كل أحاديث الغيبيات التي لا تنطبق مع القرآن، مثل عذاب القبر، والروح، على أنها سر الحياة، على أنها أحاديث ضعيفة أو موضوعة وعدم الأخذ بها». وجرياً على هذه القاعدة لم يكن من الغريب محاولات محمد شحرور العديدة لحرف البوصلة؛ فهذا هو المطلوب والمراد الطعن في الموروث الفقهي والتراثي الإسلامي بشكل كلي، بحجة أو شبهة؛ سخيفة أو مضحكة؛ ليتوصل من خلال ذلك لهدم قدسية القرآن الكريم وأحكامه!!

من تحريفاته أيضًا

     أن الآية التي ذكرت المحرّمات في القرآن {حرمت عليكم أمهاتكم} إنما ذكرت الحد الأدنى من المحرمات التي لا يجوز النقص فيها، لكن يمكن الزيادة عليه في العدد على سبيل الاجتهاد، كتحريم بنات العم وبنات الخال، في مصادمة لقول الله -تعالى-: {وتلك حدود الله فلا تعتدوها}.

     ذكر ضمن فلسفته في قضية الحد الأدنى أن الآية القرآنية: {للذكر مثل حظ الانثيين}، إنما تفيد جواز الزيادة في الميراث للحد الأدنى الذي هو الانثى، والإنقاص من ميراث الذكر على افتراض أنه الحد الأعلى، وعلى هذا فيجوز سنّ قانون التسوية في الميراث بين الذكر والأنثى!!

يزعم شحرور أن نهيَّ النبي صلى الله عليه وسلم عن شيء ليس تحريماً؛ لأنه ليس شموليا ولا أبديا.

 يزعم شحرور أن مسيلمة الكذاب لم يكن كاذباً، بل كان صادقاً فيما قال، ومثاله الآيات التي نسبها مسيلمة الكذاب لله: (الفيل وما الفيل له خرطوم طويل).

يزعم شحرور أن حد السرقة ليس المقصود به قطع اليد، كما هو متبادر إلى الذهن، بل المقصود بها قطع يده عن المجتمع، أي عزله عن المجتمع.

يزعم محمد شحرور أن العبودية لله غير مطلوبة، وأن الصلاة ليست عبادة.

يزعم محمد شحرور أن الخمر ليست حراما لذاتها، إنما حرمتها بما يطرأ عليها من الإسكار.

يدعو شحرور إلى حصر التعددية الزوجية بالأرامل ذوات الأيتام، وأن الزوجة الثانية لا ترث.

 يزعم محمد شحرور أن الأوثان والأصنام ليست محرمة لذاتها، إنما تكون محرمة لما يطرأ عليها من الشرك فقط.

والظاهر على مجموع هذه المسائل والفتاوى هو الضرب الواضح لقيم وتعاليم الإسلام، بل هدم لأركان التعظيم لله ولرسوله، وهي جزء لا يتجزأ من دعوى الانحلال الخلقي في المجتمعات الإسلامية!

الخاتمة

محمد شحرور شخصية تم تناولها في عشرات الكتب والمقالات، وكان غالب التركيز في نقده على كتابه الأول (الكتاب والقرآن)، الذي هو باكورة أعماله، وبالتالي فإن الكتب التي تلته لم تلق من العناية في النقد ما لاقاه كتابه الأول.

     فالرجل دعوته خطيرة من جهة المآلات، وفي المقابل لا يتقن صناعة الرد على خصومه؛ لأنه لا يمتلك الأدوات المعيارية لنقدهم، وغالباً ما يتعذر بأنه أخطأ، أو أنه قد بقيت فيه رواسب من التراث؛ فالواجب على عقلاء الأمة الذود عن حياض هذا الدين بالكتابة فيه وفي أمثاله إبراءً للذمة بين يدي الله -عز وجل.

 

 

من هو محمد شحرور؟

 

      ولد محمد أديب شحرور في مدينة دمشق عام 1938م، درس المراحل الأولى من تعليمه في دمشق، ثم سافر بعد الثانوية إلى الاتحاد السوفيتي لدراسة الهندسة المدنية بين عامي 1958 و1964، وبعد عودته إلى دمشق سافر إلى (دبلن) للدراسة في الجامعة الإيرلندية، حتى حصل منها على شهادتي الماجستير عام 1969 والدكتوراه 1972.

     بدأت اهتمامات محمد شحرور بتأويل القرآن في عام 1970، عندما كان في إيرلندا وهو بصدد إعداد أطروحته للدكتوراه، التي لم تكن في العلوم الإنسانية أصلاً، واستمر هذا الاهتمام حتى عام 1990 حين أصدر أول كتاب له في هذا الشأن، والمثير للجدل (الكتاب والقرآن قراءة معاصرة)، ويعد هذا الكتاب الضخم أهم كتاب قدم فيه محمد شحرور نظريته في التأويل (التحريف)، إلى جانب الممارسة العملية لذلك.

     ثم توالت كتب شحرور على النظرية نفسها، التي انطلق منها في كتابه الأول، ومن هذه الكتب: (الدولة والمجتمع) الصادر عام 1994، وكتاب :(الإسلام والإيمان منظومة قيم)، وقد صدر عام 1996، وكتاب (نحو أصول فقه جديدة للفقه الإسلامي فقه المرأة، الوصية، الإرث، القوامة، التعددية، اللباس) عام 2000؛ هذا إلى جانب البحوث والمقالات التي ينشرها في المجلات والدوريات العربية وبعض المجلات الأجنبية، فضلا عن المحاضرات التي يلقيها في عدد من العواصم العربية، و(الفتاوى)، التي تتناغم بوضوح مع مشروعه التأويلي للنصوص الدينية والقراءة الجديدة للإسلام؛ وبرغم تصدي كثير من أهل العلم والفضل لبيان تهافت كتب شحرور وأفكاره، إلا أنه لم يتمكن من الرد عليهم ولو ببنت شفة!

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك