رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: عبد الرحمن النجار 28 مارس، 2016 0 تعليق

قراءة في تقرير: لماذا لا يمكن أن تحل الفدرالية المشكلة السورية؟

نشرت مجلة (فورين بوليسي Foriegn Policy) تقريرًا قالت فيه: إن بعض المحللين ينظر إلى الفدرالية على أنها الحل في الأزمة السورية، لكن المفاوضين في جنيف لديهم أسباب وجيهة لتجنب هذا الحل، ولطالما ظهر مصطلح الفدرالية في سياق عملية السلام التي تلي أي صراع مسلح، فأحيانًا يعدها المفاوضون الدوليون والأطراف المحاربة أفضل نظام يشمل العرقيات المختلفة والأطراف المتحاربة الذين قد يخشون من سيطرة فصيل بعينه على مقاليد السلطة.

     يقول التقرير، أعلن الأكراد السوريون خطة لتحويل المنطقة الواقعة تحت سيطرتهم شمال سوريا إلى منطقة فدرالية، وهو ما يمنحهم حكمًا ذاتيًا، وكشف مصدر في الأمم المتحدة أن روسيا وقوى غربية لم يسمها تفكران في الفدرالية حلا للصراع في سوريا، وطبقًا للمجلة تنظر روسيا إلى الفدرالية على أنها وسيلة لحفاظ نظام الأسد على سيطرته على المناطق التي تسكنها الأغلبية العلوية على الأقل التي تضم قاعدة طرطوس البحرية الاستراتيجية لموسكو.

نظرة القوى الغربية

أما بالنسبة للقوى الغربية، فتبدو الفدرالية السيناريو الواقعي الوحيد لبلد تشرذم بالفعل إلى مناطق عديدة، تسيطر عليها جماعات مسلحة ذات توجهات متباينة. وبالنسبة لأولئك الذين يخشون تقسيم سوريا، تعد الفدرالية أفضل حل يمكنهم أن يتطلعوا إليه.

النموذج الليبي

     لكن الأمر لا يتطلب أكثر من النظر إلى ليبيا لإدراك أي مدى أدى الحديث عن الفدرالية إلى تدمير البلاد؛ فبعيد سقوط القذافي، انقسم الليبيون ما بين مؤيد ومعارض لفكرة الفدرالية، وقد ساهم هذا الانقسام في تأجيج الصراع، كما أن ذلك الانقسام جعل من عملية صياغة الدستور الجارية أمرًا يتسم بالصعوبة بلا داعٍ.

منظور مختلف

كما يشير التقرير أيضًا إلى أن بعضهم يرى الفدرالية من منظور مختلف تمامًا، فالمتشائمون يخشون من أن منح الحكم المستقل للمكونات الفدرالية يمكنه أن يقود سريعًا إلى انفصال كامل؛ مما يدعم تقسيم البلد بدلاً من جمع مكوناته معًا.

- ويقول الكاتب: إن المفاوضين الحكوميين والمعارضين رفضوا فكرة الفدرالية؛ لأنها ستقود إلى تقسيم البلاد، كما أنه من المرجح أن تفعل تركيا كل شيء لمنع تطبيق نظام الفدرالية في سوريا؛ وذلك خشية تكرار ما حدث في العراق، بعد أن حصل الأكراد على حكم ذاتي في المنطقة الشمالية، فضلاً عن أن مجرد ذكر مصطلح الفدرالية قد خلق تعقيدات دبلوماسية.

مشكلة الفيدرالية

وتكمن مشكلة الفيدرالية في أنها ستحمل المفاوضين عبء نظام محدد للدولة، يمكنه تقسيم الأطراف المتفاوضة إلى كتل من المعارضين أو المؤيدين، وفي الواقع ليس هناك حاجة لإعطاء اسم على أي حل يجري التفاوض حوله.

ويقول الكاتب إن ثمة أسبابًا أخرى تدعو إلى مقاومة فكرة الفدرالية في سوريا، فتطبيق الفدرالية يعني رسم حدود لإنشاء المناطق الفدرالية، ويخشى السوريون أن تكون الحدود هي نفسها التي خطتها الأطراف المتحاربة.

     كما أن إنشاء تلك الحدود ربما يؤدي إلى تقسيم البلاد على أساس عرقي أو ديني؛ مما ينشئ دولة طائفية لا يرغب فيها السوريون. ورغم أن هذا ليس ما تعتزم الأطراف الدولية فعله، إلا أن قيام القوى العظمى كروسيا أو أمريكا برسم الحدود سيكون له الآثار السلبية نفسها التي سببتها اتفاقية سايكس-بيكو في العام 1916 التي أفضت إلى إنشاء الشرق الأوسط الجديد.

قرار مجلس الأمن

كما يشير التقرير إلى أن قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الصادر في ديسمبر من العام الماضي الذي وضع الأساس للمفاوضات الجارية حاليًا في جنيف كان قد استبعد صراحة تحويل سوريا إلى دولة طائفية.

     إلا أن المجموعات التي تخشى التحول إلى أقلية ربما تلجأ إلى العنف، بينما قد تحاول المجموعة المهيمنة تطهير المنطقة التي تسيطر عليها من الأقليات، وهناك نقطة انطلاق أفضل لأية مفاوضات وهي: أن نعترف أنه لا توجد قوالب محددة لتحديد شكل الدولة؛ فمن الناحية العملية لا توجد اليوم أي دولة تتمتع بحكم لا مركزي كامل، ولكن هناك -في الواقع- العديد من أنظمة اللامركزية.

شواهد عملية

ويشير الكاتب إلى الكيفية التي سارت بها عمليات سلام عدة، فعلى سبيل المثال، شهدت جنوب أفريقيا وإسبانيا توترات على المستوى الوطني والإقليمي، وتجنب معدو الدساتير في البلدين تسمية أي ترتيبات إقليمية في نصوص الدستور.

     كما صرح (جون جرنج)، الذي قاد المفاوضات بين شمال السودان وجنوبه في العام 2005 قائلاً: «لم نلجأ إلى استخدام أي مصطلح رسمي في اتفاقية السلام بأسرها لوصف نوع الحكم الذي تفاوضنا واتفقنا عليه». ويبدو أن قرار الأمم المتحدة الذي صدر في ديسمبر الماضي يتوقع إعداد دستور جديد يمهد الطريق لإلغاء النظام المركزي القائم حاليًا في سوريا.

الترتيبات المستقبلية

     كما يشير التقرير إلى أنه يمكن للمفاوضين استخدام هذه العملية بوصفها أساساً لسؤال الأطراف عن الترتيبات المحددة التي يفضلونها، مثلا: عن المستويات الحكومية اللازمة، وما الصلاحيات المنوطة بها؟ وكيفية جمع الضرائب وتوزيعها؟ ومن المسؤول عن الشرطة والمدارس والطرق؟ وهل ينبغي أن تتمتع كل الجماعات بسلطات متساوية؟ أم هل يمكن أن تكون هناك ترتيبات غير متكافئة؟

- ويقول الكاتب: إن وجود مفاوضات تركز على هذه المسائل الملموسة سيوفر المزيد من الفرص لاستكشاف سبل حل وسط بخلاف المفاضلة بين النظام الفيدرالي وبديل آخر؛ فبطبيعة الحال لن يتمكن المفاوضون من تجاهل الانتماءات العرقية أو الدينية للجماعات السورية المختلفة عند استكشاف الخيارات المتاحة لتحقيق اللامركزية في الدولة.

     ومن شأن هذا النهج أيضًا أن يتناسب بطريقة أفضل مع قرار مجلس الأمن الدولي؛ مما يدل على أن المحادثات يجب أن تقاد من قبل السوريين أنفسهم، وفي الوقت نفسه، فإن أي اتفاق سلام يجب أن يكون مقبولا لدى أغلبية السكان، وينص قرار الأمم المتحدة على أن أي اتفاق جديد سوف يتعين الموافقة عليه في استفتاء، وبالتالي هناك أسباب عملية جدًا لتجنب المصطلح الذي يرى كثيرون أنه يمهد لتقسيم البلاد وقد يدفع العديد من السوريين للخوف من أن يتم فرزهم إلى مجموعات عرقية أو دينية.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك