قراءة في التصريحات عن (إمبراطورية إيران وعاصمتها بغداد) المشهد والدلالات!
إيران غيرت بنية العراق السكانية بعد 14 عاماً من المذابح لأهل السنة، وكل هذا يحدث وسط صمت عالمي غريب
على الحكومات العربية والإسلامية أن تتحالف لإيقاف جرائم إيران وأن تنتصر للشعوب العربية التي تنتهك حرماتها وتستباح بلادها
صدرت في الأيام القليلة الماضية تصريحات أثارت جدلًا واسعًا لعلي يونس، مستشار الرئيس الإيراني حسن روحاني، ومفاد هذه التصريحات أن إيران عادت إمبراطورية كما كانت عبر العصور، وأن عاصمتها بغداد.
تلقى هذه التصريحات المذهلة بشيء من السخرية حتى عدَّها هزلًا لا جدَّ فيه، أو ضربًا من هذيان السكارى.
والحقيقة أن الأمر خلاف ذلك تمامًا، أي جَدٌّ لا هزل فيه؛ فها هي ذي إيران تبتلع البلاد العربية السنية الواحدة تلو الأخرى، وتخوض معارك أو حروبًا سافرة في العراق وسوريا وأخيرًا اليمن، وقبل ذلك لبنان من خلال ذراعها العسكري في العالم العربي (حزب الله). لقد أصبحت هذه البلاد بعواصمها التاريخية كلأً مستباحًا لإيران بحرسها الثوري وميلشياتها الطائفية.
وها هو ذا (قاسم سليمان) قائد ما يُعرف بفيلق القدس في الحرس الثوري، الذي لم يطلق يومًا رصاصة واحدة على إسرائيل، يقود المعارك الميدانية والمذابح ضد أهل السنة والإسلام والعروبة، ويتنقل من العراق إلى سوريا بكامل حريته، وتحت عدسات التصوير أحيانًا؛ كأنما يتنقل في المحافظات الإيرانية؛ فلم تعد لهذه الدول سيادة تحترم، ولا حدود تُصان، فماذا بقي بعد ذلك إلا الدمج والضم؟! وهذا ما بدأت تروج له بعض وسائل إيران الإعلامية؛ حيث خرجت بعضها تنادي العراقيين بالانضمام إلى إيران؛ حيث الحضارة والتاريخ، وأن يلفظوا العروبة، وهو ما ينبئ عما ذكره بعضهم من أنه قد يجرى استفتاء شعبي على ذلك، ومعلوم أن إيران قد غيرت بنية العراق السكانية بعد أربعة عشر عامًا من المذابح لأهل السنة التي قتل فيها أكثر من مليونين، علاوة على الاغتصاب والتطهير العرقي والتهجير كل هذا يحدث وسط صمت غربي مريب.
وبقراءة متأنية لهذا المشهد المدمي للقلب، والمثير للإزعاج والمقلق حقًّا نستخلص دلالات عدة قبل أن ننبه على واجب الأمة اليوم لتمنع هذا الكابوس، وتفشل هذا السيناريو الخطير، وهذه الدلالات:
استكمال الخطة
أن المطالع للشأن الإيراني والثورة الإيرانية منذ قيامها، وما تلاها من أحداث لاسيما بعد غزو أمريكا للعراق، يعلم أن ما يحدث الآن أمر لا غرابة فيه، بل هو استكمال لمخطط أعد منذ سنوات، وتحالف صفوي صهيوغربي بدأت خطوته الأولى منذ الثورة الإيرانية، التي قامت بها المجموعة المعارضة للشاة وبرعاية أجهزة المخابرات الغربية؛ حيث أيقن أعداء الإسلام أن من أعظم وسائلهم لمقاومة المد الإسلامي وإيقاف صحوة هذه الأمة هو زرع كيان شعوبي متعصب في إيران يقوم بالدور نفسه الذي قامت به الدولة الصفوية، التي كانت خنجرًا في ظهر الدولة العثمانية، حالت دون استكمال فتوحاتها في أوروبا، وسيفًا مسلطًا على أهل السنة.
كما أثبتت الوثائق اتصالاتها السرية وتحالفاتها مع القوى الاستعمارية الغربية آنذاك.
هدم الخلافة
وكذلك لم ينسَ أعداء الإسلام الدور الذي قام به (ابن العلقمي، ونصير الطوسي) في هدم الخلافة العباسية وتمكين التتار بقيادة (هولاكو) من السيطرة على عالمنا الإسلامي؛ فخيانات هؤلاء عبر التاريخ تفوق الحصر والعد؛ فهم كما قال ابن القيم: «خنجر مسموم في ظهر هذه الأمة»، وكما قال شيخ الإسلام: «ما دارت رحى الحرب يومًا بين أهل الإسلام وغيرهم إلا انحازوا لأعداء الإسلام».
لقد خُدِع الناس بالشعارات البراقة التي أطلقتها الثورة الإيرانية: (الموت لأمريكا - الموت لإسرائيل)، ووصف أمريكا بالشيطان الأكبر، والعداء المصطنع بين الغرب وإيران؛ فحسبوها حقائق، وما هي إلا أوهام وستار ليمرر من تحته المخطط المرسوم والتحالف السري الخطير على تقسيم ديار الإسلام لإقامة إمبراطورية فارس من جهة وإسرائيل الكبرى من جهة أخرى، هذا التحالف الذي كان يتكشف يومًا بعد يوم من خلال ما يتسرب من وثائق، وما يحدث من صفقات كما رأينا في صفقة الأسلحة الشهيرة عام 1983م، التي عرفت (بفضيحة إيران جت) وهي صفقة أسلحة أمريكية بواسطة إسرائيلية، فلم تنقطع اللقاءات السرية بين إيران والغرب، وكذلك الترتيبات إلى أن ظهر هذا التحالف علانية وبلا مواربة إبان غزو أفغانستان والعراق؛ حيث صرَّح محمد علي أبطحي نائب رئيس إيران السابق أنه لولا إيران ما دخلت أمريكا العراق ولا أفغانستان، بل أسفرت الأحداث عن أن إيران هي المستفيد الأكبر من ضرب العراق وجيشها؛ حيث قدمت أمريكا العراق على طبق من ذهب لإيران؛ لقد كان التحالف الإيراني الصهيوني الأمريكي واضحًا على أرض العراق منذ أول يوم وطِئَتْ فيه القوات الأمريكية هذا البلد العربي المسلم، وإلا فبأي شيء تفسر ما يأتي:
- التمكين للميلشيات الصفوية المسلحة التي جيء بها من إيران على الدبابات الأمريكية لتحكم العراق جنبًا إلى جنب مع القوات الأمريكية قبل انسحابها وتركها العراق فريسة للصفويين ولإيران.
- فتح أبواب العراق أمام المخابرات الإيرانية والحرس الثوري الإيراني لتصفية أركان الدولة العراقية ونفسها وعلى رأسها الجيش العراقي وعلماء العراق وخبراؤه.
- غض الطرف عن المجازر والاغتصابات التي ارتكبتها الميليشيات الصفوية ضد أهل السنة؛ حيث قتلوا أكثر من مليونين، وعاثوا في الأرض فساداً.
- إطلاق يد إيران وميلشياتها لتغيير البنية السكانية للعراق من خلال سياسة التطهير العرقي والتهجير للسنة كما رأينا في البصرة وغيرها.
- تصفية منظمة (خلق) المعارضة للنظام الإيراني ليستريح من الصداع الذي كانت تسببه لها.
- في الوقت الذي كان أحمدي نجاد يُطلق التصريحات النارية ضد أمريكا رأيناه يزور الحكومة العراقية الموالية لأمريكا في المنطقة الخضراء وبحماية أمريكية.
- وغير ذلك كثير فلا يستغرب اليوم أن تطلق أمريكا والغرب يد إيران في العراق وسوريا واليمن وأن يغضوا الطرف عما تقوم به إيران على الأرض الآن من وضع الترتيبات النهائية لمخططها ومشروعها الصفوي، والذي يمكنها من السيطرة على العالم الإسلامي بعدما وصلت إلى البحر المتوسط وتحكمت في باب المندب وملاحة البحر الأحمر كما يقول أحد قادتها، فلن يجد أعداء الإسلام من يعينهم على تنفيذ مخططاتهم أفضل من إيران، التي لا توجه سلاحها إلا لأهل السنة، وإن أردت أن تتأكد فانظر كيف تعامل الغرب مع الملف النووي الإيراني مقارنة بالعراق؛ حيث تم تدمير المفاعل النووي العراقي وإجهاض التجربة في مهدها، أما إيران فالوضع يختلف تمامًا.
التحذير المبكر
من دلالات هذه المشهد فهي ما أثبتته الأيام والأحداث من بُعد نظر الدعوة السلفية، وصواب موقفها الناتج عن سلامة منهجها السلفي؛ حيث حذَّرت مبكرًا من خطورة الثورة الإيرانية على عالمنا الإسلامي، في وقت خُدِع بها الكثيرون ممن يجهلون تاريخهم الأسود، لقد تنبهت الدعوة السلفية إلى هذا الخطر من أول يوم، وحذَّرت الأمة من مخططهم الخبيث الذي يستهدف السيطرة على العالم الإسلامي، وبيَّنت انحرافاتهم العقدية التي تصادم صريح القرآن والسنة، وبينت الدعوة المباركة حقيقة الوضع في إيران من خلال كتاباتهم ومواقفهم، وأنهم أشد غلوًّا وانحرافًا، كما أنهم شديدو الحقد على أهل السنة والجماعة، وواصلت الدعوة تحذيراتها للأمة؛ فحذرت من حزب الله اللبناني، وبيَّنت أنه الذراع العسكري الإيراني في عالمنا العربي، وأن عدائه لإسرائيل ما هو إلا تمثيلية هزلية، لقد رفض المخدوعون ذلك، ومضت الأيام لتثبت صحة موقف هذه الدعوة، فها هي ذي الأمة تذوق الويلات على يد إيران وميلشياتها، وهاهو ذا الذي لُقِّب بـ(صلاح الدين) يومًا يرتكب المجازر والجرائم ضد أهل السنة في سوريا، ويدرب الحوثيين في اليمن، ويحاول إثارة القلاقل في الدول العربية كافة.
وفي النهاية فعلى الأمة شعوبًا وحكامًا، أن يَهُبُّوا لمقاومة هذا الخطر الداهم، فعلى علماء الأمة ودعاتها أن يبينوا حقيقة الصفويين، وأن يفضحوا مخططاتهم؛ حتى تفيق الأمة من غفلتها، أطالب أبناء الأمة أن يَحذَرُوا الأفكار المنحرفة كأفكار التكفير والعنف وغيرها، التي لا تجلب إلا الضرر على المجتمعات الإسلامية فتضعفها، وأن ينفضوا أيديهم من الجماعات التي ميَّعت الخلاف يبننا وبينهم بزعم التقارب، وجعلت من الثورة الإيرانية ثورة إسلامية، ومن زعيمها إمامًا فكدرت الأمة لتفِق على هذا الكابوس.
كما أطالب الحكومات العربية والإسلامية بسرعة الاتحاد، وإنشاء تحالف سني يوقف جرائم إيران، وينصر الشعوب الإسلامية والعربية التي انتهكت إيران حرمة بلادهم، واستباحت دماء أهلها وأعراضهم كـ(العراق، وسوريا، واليمن) قبل أن يدفع الجميع الثمن فادحًا، وساعتها نندم حين لا ينفع الندم.
لاتوجد تعليقات