رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: ياسر برهامي 15 مارس، 2016 0 تعليق

قدم حلاً ولا تكتف بالنقد

لا يخفى على عاقل ما آل إليه حال أمتنا من الذل ومن الضعف ومن الفقر؛ فقد ذلت بعد عز، وضعفت بعد قوة، وافتقرت بعد غنى، وصارت مستباحة الجانب مهضومة الجناح، وتسلط عليها من لايدفع عن نفسه، وتكالب عليها أعداؤها من كل حدب وصوب؛ لكن عباد الله؛ إذا أردنا أن تعود الأمة إلى عزها ومجدها كسالف عهدها فلا صلاح لها ولا فلاح إلا بما صلح به أولها؛ فقد صلح أولها بتحقيق العبودية لله التي لاتستقيم إلا على ساق التوحيد.

     تعيش أمتنا فترة من المحنة الشديدة والأزمة والتعسف، يتسلط عليها الأعداء تسلطًا داميًا مؤلمًا، يجعل قلب كل مؤمن ينزف من هذه الجراح، ويحزن لما يصيب إخوانه في المشارق والمغارب، بلاء نسأل الله -عز وجل- أن يرفعه عن الأمة في كل مكان، تسلط عليها عدو لا يرحم، بل يمكر بالليل والنهار، ولا يستحيي ولا يخشى الله ولا يتقيه.

بلاء شديد

     بلاء شديد، وأمر الأمة مفرق ممزق، ما يزالون يختلفون على كل شيء، ولا يجتمعون على أمر، ولا يمكن أن يتصور لهم مخرج إلا من عند الله عز وجل، ويحار الراغبون في الخروج من هذه الأزمة، وهذا المأزق الخطير، وهذه المحنة، وربما فعل الناس أفعالا لا تؤدي إلى تغيير، وإنما هي محاولات يائسة، لا يترتب عليها إلا مزيد من البلاء.

والذي لا نشك فيه أن ما وصل إليه حال أمتنا والبلاء بتسلط العدو علينا لا يرفع عنا إلا إذا تغيرنا؛ فالله -عز وجل- قال: {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ}(الرعد: 11).

 أخبر الله -عز وجل- بذلك، وأخبر أنه يولّي بعض الظالمين بعضًا بما كانوا يكسبون،  {وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}(الأنعام: 129).

. فما سلط الله علينا عدونا إلا بسبب منا.

الطريق طويل

     ربما قد مر على صحوتنا الإسلامية أو على التزامنا أكثر من أربعة عقود، أو نحو ذلك أو أكثر أو أقل، ومع ذلك فلا يزال الطريق طويلا، وقد كان منا في بداية الصحوة الإسلامية من يظن أنه خلال سنوات معدودة سوف يتغير وجه الأرض كله، ولكن حدثت عقبات وموانع، وما زالت الصورة باهتة، وما زال التغيير المطلوب كبيرًا جدًا، ولابد أن يكون جذريًا، ولا بد أن يكون شاملًا. فأمتنا لن تتغير إلا إذا تغيرنا نحن؛ تغيرنا من داخلنا؛ لأنه لو كان هناك مصباح منير قوي الإضاءة في مكان ما فلا بد أن يضيء ما حوله، ولا بد أن يضيء بطريقة تثمر إذهاب الظلمات وإزالتها، حتى ينتشر النور في كل مكان، وما زال الظلام منتشرًا، وما زال الظلم والفساد منتشرًا، وذلك بالتأكيد إما لضعف في المصباح أو لحُجُب تمنع وصول هذا النور، وهذا كله من داخلنا كما ذكرنا.

معالجة النفس

     ولا بد أن نعالج أنفسنا، وأن نغير أحوالنا، وأن يزداد إيماننا لكي تحصل لنا بإذن الله -عز وجل- الوعود التي ذكرها الله في كتابه المبين؛ من النصر والتمكين والفتح ووراثة الأرض {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ * إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغاً لِّقَوْمٍ عَابِدِينَ * وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ}(الأنبياء: 105-107).

 وقال: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا}(النور: 55).

     لذلك سوف تظل الأحوال على ما هي عليه حتى يقع ذلك التغيير أو يذهب الله بنا، ونسأل الله العافية، ويأتي بقوم آخرين:{وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ}(محمد: 38).وفي مقام التغيير لا بد لنا ألا نكتفي بتوصيف الواقع المرير المؤلم، فأكثرنا -أو كثير منا- ينشغل بتوصيف الواقع ناقدا له، سواء واقع الدولة، أم واقع الدعوة، أم واقع المجتمع، أم واقع الأفراد، وهذا وإن كان مهمًا حتى نشرع في التغيير والبناء لكن نقول لابد أن نتجاوز مرحلة النقد الذي يورث السخط ولا يورث الحركة، نتجاوز النقد الذي يورث اليأس ولا يورث البناء، إلى مرحلة العمل وتقديم الحلول.

الحلول العملية

     ننظر أمثلة للواقع الذي نعيشه: عندنا مشكلة اقتصادية على سبيل المثال، يزداد الفقراء فقرًا والأحوال تزداد أزمة وصعوبة، والكل يئن، والكل يشتكي لكن نقول نقدم حلًا، نزيد مساحة التكافل الاجتماعي، نذهب إلى الأغنياء نحثهم على مزيد من النفقة ولو يسيرة، نحث الطبقة فوق المتوسطة والمتوسطة على العطاء ولو يسيرًا، بطريقة مباشرة تعالج فقر الفقراء، وتزيد من المعونة لهم، ونبحث حالات الفقراء أيضًا، وننظر من يستحق فعلا ممن يدعي أنه منهم وليس منهم، فيأخذ حقا ليس له، هو لغيره، بل يضيق به على الآخرين. وهذا عمل لا يكاد يقوم به إلا آحاد؛ ولذا يحدث فيه خلل.

     نقدم حلا لمشكلة الفساد بتقديم الأسوة الحسنة الصالحة، أكثر من أن نهاجم الفاسدين والمفسدين، وإن كان هذا مطلوبًا لمن استطاع أن يقدمهم إلى العدالة، وأن يفضح فسادهم حتى يتوقف وليس فقط أن يصف حالهم، نقول نقدم حلا بالأسوة بأن يكون كل منا مثالًا للصلاح والإصلاح، وأن يكون معينًا على الإصلاح، محاربًا للإفساد بالنصح والعمل والحركة في كل مجال، حتى تقل موجة الفساد العارمة.

     في مجال الدعوة إلى الله -تعالى- نحسن رصد القصور وأنواع الفتور لكن نريد أن نقدم حلًا، ننزل إلى الناس، نخترق الحواجز الوهمية التي هي من صنع الأعداء، ومن صنعنا أحيانًا كثيرة، نحارب أنواع الشر في المجتمع؛ المخدرات، السرقة، الجنس، الرشوة، الربا، اغتصاب الناس؛ أموالهم وأعراضهم نحتاج إلى عمل دؤوب للوصول إلى الناس، والناس بحمد الله يقبلون الخير، وينتظرون من يأتي إليهم به.

وهكذا انتشار الجهل عقبة كؤود أمام تقدم الدعوة والدولة والمجتمع، فليكن كل منا حريصا على طلب العلم النافع في دينه ودنياه، وأن يكون أسوة صالحة للشباب في طلب العلم، الذي هو فريضة على كل مسلم.

وهكذا كل مشكلة تواجهك بدلا من أن تنشغل برصد أنواع الفساد وأنواع النقد على «صفحات الفيسبوك» و«مجموعات الواتساب» فليكن همك كيف أقدم حلا؟ حتى نستطيع أن نتجاوز المحنة التي نحن فيها.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك