قبل أن ندعو فلا يستجاب لنا
ما بالنا ندعو ولا يستجاب لنا؟ كثيرًا ما سمعنا هذه العبارة وأمثالها، تُرى ما السبب في تأخر الإجابة أو عدم وجود أثرها؟
السبب في ذلك ما بينه النبي – صلى الله عليه وسلم - كما جاء في حديث عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: دخل عليَّ النبي -صلى الله عليه وسلم - فعرفت في وجهه أن قد حضره شيء، فتوضأ وما كلم أحداً، فلصقت بالحجرة أستمع ما يقول، فقعد على المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، وقال: «يا أيها الناس إن الله يقول لكم: مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر قبل أن تدعوا فلا أجيب لكم، وتسألوني فلا أعطيكم، وتستنصروني فلا أنصركم». فما زاد عليهن حتى نزل.
يا الله! أو حقاً يدعو الناس فلا يستجيب الله لهم؟ الله الذي يقول: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} (الأعراف:156). الله الذي يقول: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} (البقرة:186).
هل يمكن أن يحدث ذلك؟ نعم يحدث وسيحدث ذلك؛ لأنه لا أحد أصدق من الله ورسوله.
وعن حذيفة بن اليمان -رضي الله عنه - عن النبي -صلى الله عليه وسلم - قال: «والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقاباً منه، ثم تدعونه فلا يستجاب لكم». قال أبو الدرداء -رضي الله عنه -: «لتأمرن بالمعروف ولتنهن عن المنكر أو ليبسطن الله عليكم سلطاناً ظالماً لا يجل كبيركم ولا يرحم صغيركم ويدعو عليه خياركم فلا يستجاب لهم، وتستنصرون فلا تنصرون، وتستغفرون فلا يغفر لكم».
وفي الأثر عن إبراهيم ابن أدهم -رحمه الله- أنه لما سئل، فقيل له: «ما بالنا ندعو فلا يستجاب لنا؟ قال: لأنكم عرفتم الله -تعالى- فلم تطيعوه، وعرفتم الرسول -صلى الله عليه وسلم - فلم تتبعوا سنته، وعرفتم القرآن فلم تعملوا به، وأكلتم نعم الله فلم تؤدوا شكرها، وعرفتم الجنة فلم تطلبوها، وعرفتم النار فلم تهربوا منها، وعرفتم الشيطان فلم تحاربوه ووافقتموه، وعرفتم الموت فلم تستعدوا له، ودفنتم الأموات فلم تعتبروا، وتركتم عيوبكم واشتغلتم بعيوب الناس».
بل إن ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتقصير فيه سبب من أسباب هلاك الناس؛ فعن أم الحكم زينب بنت جحش -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم - دخل عليها فزعاً، يقول: «لا إله إلا الله، ويلٌ للعرب من شرٍ قد اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه وحلق بأصبعيه الإبهام والتي تليها». فقلت: يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: «نعم إذا كثر الخبث».
قال العلماء عن هذا الحديث فيه: «دليل على أن البلاء قد يرفع عن غير الصالحين إذا كثر الصالحون. فأما إذا كثر المفسدون وقل الصالحون هلك المفسدون والصالحون معهم إذا لم يأمروا بالمعروف ويكرهوا ما صنع المفسدون، وهو معنى قوله {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} (الأنفال:25)؛ بل يعم شؤمها من تعاطاها ومن رضيها هذا بفساده وهذا برضاه وإقراره».
وقال النووي -رحمه الله-: «واعلم أن هذا الباب- أعني باب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر- قد ضيع أكثره من أزمان متطاولة، ولم يبق منه في هذه الأزمان إلا رسوم قليلة جدا، وهو باب عظيم، به قوام الأمر وملاكه، وإذا كثر الخبث عم العقاب الصالح والطالح، وإذا لم يأخذوا على يد الظالم أوشك أن يعمهم الله –تعالى- بعقابه: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } (النــور:63)؛ فينبغي لطالب الآخرة والساعي في تحصيل رضا الله -عز وجل- أن يعتني بهذا الباب فإن نفعه عظيم، ولاسيما وقد ذهب معظمه، ويخلص نيته، ولا يهابن من ينكر عليه لارتفاع مرتبته، فان الله –تعالى- قال: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ} (الحـج:40)؛ وقال تعالى: {وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ. إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } (آل عمران:101)؛ وقال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} (العنكبوت:69)؛ وقال تعالى: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ ﴿2﴾وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ۖ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ } (العنكبوت:2-3). واعلم أن الأجر على قدر النصب، ولا يتركه أيضاً لصداقته ومودته ومداهنته وطلب الوجاهة عنده ودوام المنزلة لديه، فإن صداقته ومودته توجب له حرمة وحقا ومن حقه أن ينصحه ويهديه إلى مصالح آخرته وينقذه من مضارها، وصديق الإنسان ومحبه هو من سعى في عمارة آخرته حتى وإن أدى ذلك إلى نقص في دنياه، وعدوه من يسعى في ذهاب أو نقص آخرته وإن حصل بسبب ذلك صورة نفع في دنياه، وإنما كان إبليس عدوا لنا لهذا، وكان الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين أولياء للمؤمنين لسعيهم في مصالح آخرتهم وهدايتهم إليها.
لاتوجد تعليقات