قبسات من الطب النبوي العلاجي
الطب النبوي مجموع ما ثبت وروده عن النبي صلى الله عليه وسلم مما له علاقة بالطب، سواء كان آيات قرآنية أم أحاديث نبوية شريفة، ويتضمن وصفات داوى بها النبي صلى الله عليه وسلم بعض أصحابه ممن سأله الشفاء، أو أنه دعا إلى التداوي بها، كما يتضمن توصيات تتعلق بصحة الإنسان في أحوال حياته من مأكل ومشرب ومسكن ومنكح، وتشمل تشريعات تتصل بأمور التداوي وأدب الطب في ممارسة المهنة وضمان المتطبب في منظار الشريعة الإسلامية.
وقد أفرد علماء الحديث في كتبهم التي جمعوها من كلام النبوة أبوابًا ولاسيما تحت اسم باب الطب، وكان البادئ منهم في ذلك الإمام مالك في موطئه، وتبعه في ذلك البخاري فمسلم فأصحاب السنن وغيرهم.
ومن المؤلفات في ذلك كتاب الطب النبوي لعبد الملك بن حبيب الأندلسي (المتوفى عام 238هـ/ 853م)، وكان فقيهًا محدثًا لقب بعالم الأندلس، وهو أول كتاب في الطب النبوي تُذكر فيه الأحاديث والأبواب، وقد حقق الكتاب مع تذييله بحاشية قيمة علمية الأخ الصديق الدكتور محمد علي البار.
ويعد الموفق عبد اللطيف البغدادي (المتوفى عام 629هـ/ 1231م) أول طبيب قام بشرح طبي لأحاديث الطب النبوي، وكان طبيبًا فقيهًا ونحويًّا وفيلسوفًا، ومن مؤلفاته (الطب من الكتاب والسنة) الذي حققه الدكتور عبد المعطي قلعجي، وألف علماء آخرون كتبًا في (الطب النبوي) ومنهم ابن السني، وأبو نعيم الأصبهاني، والتيفاشي، والكمال بن طرخان، والإمام الذهبي وغيرهم.
أما الإمام ابن قيم الجوزية فكان من كبار علماء دمشق، ويعد كتابه (الطب النبوي) أشهر الكتب المصنفة في هذا الفن، ويعد كتاب الإمام جلال الدين السيوطي (المتوفى سنة 911هـ) المنهج السوي والمنهل الروي في الطب النبوي من أجمع كتب الطب النبوي؛ لأنه حوى معظم ما كتبه السابقون عليه، فضلا عن توسعه في علم الحديث.
تداووا عباد الله
«تداووا عباد الله»: حديث صحيح رواه الأربعة؛ فعن أسامة بن شريك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «تداووا يا عباد الله، فإن الله لم يضع داء إلا وضع له شفاء، إلا داء واحدًا، الْهَرَم». وروى البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء». وروى مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لكل داء دواء، فإذا أصيب دواء الداء برئ بإذن الله -تعالى-». وعن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما خلق الله من داء إلا وجعل له شفاء، علمه من علمه، وجهله من جهله، إلا السام».
وفي هذه الأحاديث حث على المداواة، وأن الأدوية وسائل جعلها الله طريقًا للشفاء، وفي قوله صلى الله عليه وسلم: «علمه من علمه، وجهله من جهله»، حثٌّ للأطباء المسلمين على البحث والاستقصاء لاكتشاف أدوية لأمراض لم يعرف لها بعد دواء.
موافقة الدواء للداء
وقد ربط النبي صلى الله عليه وسلم الشفاء بموافقة الدواء للداء؛ فلكل دواء مقدار معين يعمل به، وينبغي ألا يزيد ولا ينقص، وتعاليم الإسلام كلها تدفع إلى المحافظة على الصحة والارتقاء بها في المجالات كافة ليعيش الإنسان حياة سعيدة طيبة في الدنيا والآخرة، وإذا كان الإسلام قد أوجب المحافظة على الضرورات الخمس وهي: الدين، والنفس، والعرض، والمال، والعقل، فإن ثلاثًا من هذه الضرورات تتصل بوجوب المحافظة على صحة البدن، ألا وهي النفس والعرض والعقل، والطب يحفظ البدن ويدفع عنه غوائل المرض، يقول الإمام الشافعي: صنعتان لا غنى للناس عنهما: العلماء لأديانهم، والأطباء لأبدانهم. ويقول أيضًا: لا أعلم علمًا بعد الحلال والحرام أنبل من الطب.
العسل
وقد تداوى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتداوى آل بيته الكرام، وزوجاته الطاهرات، وأصحابه المبجلين -رضوان الله عليهم أجمعين-، ونصح أمته بكثير من أنواع العلاج الذي كان معهودًا في زمنه، الذي ثبتت فوائده على مر الأيام، ومنه العسل الذي جعل الله فيه شفاء للناس، قال -تعالى-: {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} (النحل:68-69)، وقد جمعت في كتابي: (الاستشفاء بالعسل والغذاء الملكي.. حقائق وبراهين) العديد من الأبحاث العلمية الموثوقة التي توضح فوائد العسل الاستشفائية في معالجة أمراض الجهاز الهضمي، والربو، ومداواة القروح، والجروح التي لا تلتئم وغيرها من الأمراض.
الحبة السوداء
وتداوى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحبة السوداء، وحث على التداوي بها: «عليكم بالحبة السوداء، فإن فيها شفاء من كل داء». وقد ظهرت في السنوات الأخيرة أبحاث علمية تتحدث عن فوائد الحبة السوداء في تقوية جهاز المناعة، وخواصها المضادة للجراثيم والسرطان، وتخفيف التهابات المفاصل وغيرها. وقد جمعت ذلك كله في كتابي (الشفاء بالحبة السوداء).
زيت الزيتون
وأوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم باستعمال زيت الزيتون فقال: «كلوا الزيت وادهنوا به، فإنه من شجرة مباركة»، وأكدت الدراسات الحديثة أن زيت الزيتون هو أفضل أنواع الزيوت، وأنه يخفض مستوى الكولسترول في الدم، كما يفيد في الوقاية من مرض شرايين القلب، ويخفض ضغط الدم المرتفع.
الثوم
قد أثبتت الدراسات العلمية فوائد الثوم في خفض كولسترول الدم، والوقاية من مرض شرايين القلب التاجية وخفض ضغط الدم، هذا فضلا عن تأثيراته المضادة للجراثيم والفطور وغيرها.
السمك
ولفت الله -تعالى- النظر إلى نعمة وجود السمك، فقال: {وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا} (النحل: 14). وقال صلى الله عليه وسلم من حديث رواه البخاري: «أما أول طعام أهل الجنة فزيادة كبد الحوت»، وما زيت السمك الذي يتحدث عنه خبراء الصحة إلا من كبد الحوت، وتوصي الهيئات الطبية الأمريكية والأوربية الآن بتناول وجبتين من السمك في الأسبوع؛ لوقاية القلب من حدوث جلطة (احتشاء) فيه، كما أكدت الدراسات العلمية الحديثة أن زيت السمك يخفض مستوى الجليسريدات الثلاثية «وهي إحدى دهون الدم المهمة»، كما يمكن أن يساعد في خفض ضغط الدم المرتفع.
التمر
وحث رسول الله صلى الله عليه وسلم على تناول التمر فقال: «من تصبح كل يوم بسبع تمرات عجوة, لم يضره في ذلك اليوم سم ولا سحر». والتمور غنية بالألياف، والإكثار من الألياف في الطعام يمنع الإمساك، ويقلل من حدوث أمراض القولون والمرارة، وغيرها من الأمراض. وهناك العديد من الأبحاث الطبية عن السنامكي (Senna)، وهو السنا الذي ورد ذكره في كثير من الأحاديث النبوية الشريفة؛ فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عليكم بالسنا والسنوت، فإن فيها من كل داء إلا السام», وهو الموت.
وقد خصص الأخ الأستاذ الدكتور محمد علي البار كتابًا عن السنا بعنوان (السنا والسنوت)، استعرض فيه استعمالات السنا في الطب الحديث وخصائصه العلاجية.
الصبر
وأمر الرسول صلى الله عليه وسلم باستخدام الصبر (Aloe Avera) ولاسيما في أمراض العين «ضمِّدهما بالصَّبِرِ»، وقد كثرت في الآونة الأخيرة الأبحاث عن فوائد الصبر في الأمراض الجلدية، ويستخدم الصبر حاليًا على نطاق واسع في مستحضرات التجميل، وقد بحث الأخ الأستاذ الدكتور محمد علي البار في كتابه الممتع: (ماذا في الأمرّين: الصبر والثفاء) فوائد الصبر العلاجية بإسهاب، واستعرض فيها أحدث الأبحاث العلمية في هذا المجال.
الحناء
ووردت أحاديث صحيحة عن استخدام الحناء، وقد حظيت هذه المادة حديثًا باهتمام العلماء، ولاسيما أطباء الأمراض الجلدية، ووصفت لعلاج عدد من النظريات الجلدية وغيرها. ومن صفات أهل الجنة أنهم يشربون كأسًا كان مزاجها زنجبيلاً، قال -تعالى-: {وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلاً} (الإنسان: 17).
الزنجبيل
وأظهرت الدراسات العلمية الحديثة أن الزنجبيل دواء فعال جدًّا في محاربة الغثيان والإقياء، ولاسيما الإقياء المعند الذي يحدث بعد إعطاء الأدوية المضادة للسرطان، كما أنه دواء ممتاز لدوار البحر. كما وردت أحاديث نبوية في الخل والكافور والتين والشعير والبطيخ واليقطين والرمان والسفرجل وغيرها. وأما أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم في استخدام السواك فكثيرة جدًّا، وقد ظهرت أبحاث عدة توضح خصائصه وفوائده العديدة في صحة الفم والأسنان، وما يحتويه من مواد قاتلة للميكروبات ومنشطة للفم واللثة.
لاتوجد تعليقات