رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الشيخ: أحمد بن عبدالله القاضي - من علماء اليمن- 7 يناير، 2013 0 تعليق

قاعدة الحوار الوطني الأساسية في اليمن

 

الحوار كلمة تستوعب كل أنواع التخاطب وأساليبه، سواء كانت منبعثة من خلاف المتحاورين أم عن غير خلاف؛ لأنها تعني المراجعة في المسألة، فالحوار مراجعة للكلام بين طرفين أو أكثر دون وجود خصومة. ويفرق العلماء بين الحوار والجدل؛ حيث إن الجدل مظنة التعصب والإصرار على نصرة الرأي بالحق وبالباطل والتعسف في إيراد الشبه والظنون حول الحق إذا برز من الاتجاه الآخر.

 والحوار هو: محادثة بين شخصين أو فريقين، أو مجموعات متعددة حول موضوع محدد، لكل منهم وجهة نظر خاصة به، هدفها الوصول إلى الحقيقة، أو إلى أكبر قدر ممكن من تطابق وجهات النظر، بعيداً عن الخصومة أو اللدد والتعصب، بطريق يعتمد على العلم والعقل والرؤية والوضوح والمنهجية والجدية والموضوعية، بغية الوصول إلى الحل المرضي لمصلحة جميع الأطراف، مع استعداد جميع الأطراف لقبول الحق والحقيقة ولو ظهرت على يد الطرف الآخر.

وظيفة الحوار:

     الحوار يعالج قضية الاختلاف من خلال كشفه عن مواطن الاتفاق ومثارات الاختلاف لتكون محل النقاش والجدل بالتي هي أحسن؛ لمعرفة ما هو أقوم للجميع ولمصلحة الفرد والمجتمع، وليؤدي الحوار وظيفته كما يجب لا بد أن ينضبط بمنهج يضمن عدم تحوله إلى مثار جديد للاختلاف.

     ولقد عد الإسلام الحوار قاعدته الأساسية في دعوته الناس إلى الإيمان بالله وعبادته، وكذا في كل قضايا الخلاف بينه وبين أعدائه، وكما أنه لا مقدسات في التفكير، كذلك لا مقدسات في الحوار إذ لا يمكن أن يُغلق باب من أبواب المعرفة أمام الإنسان؛ لأنَّ الله جعل ذلك وحده هو الحجة على الإنسان في الطريق الواسع الممتد أمامه في كل المجالات المتصلة بالله والحياة والإنسان.

     وقد أكَّدَ القرآن هذا المبدأ بطرق عديدة فعرض القرآن لحوار الله مع خلقه بواسطة الرسل، وكذا مع الملائكة ومع إبليس، رغم أنه يمتلك القوة ويكفيه أن يكون له الأمر وعليهم الطاعة، كما أنَّ دعوات الرسل كلها كانت محكومة بالحوار مع أقوامهم.

     وقد أطال القرآن في عرض كثير من إحداثيات هذه الحوارات بين الرسل وأقوامهم، ولم يشجب القرآن في هذا الباب موقفاً كما شجب موقف رفض الحوار والإصرار على عدم ممارسته؛ ولذا لم يكن حديث القرآن عن الحوار حديثاً عَرَضياً، بل اهتم به اهتماماً كبيراً من حيث المنهج والقواعد التي ينبغي أن يسير عليها.

وللحوار والنقاش بين المتحاورين آداب ينبغي أن نتحلى بها ونتخلق، حتى يثمر الحوار ونصل للحق، من ذلك:

1- إخلاص النية لله عز وجل وحسن القصد في المجالس والكلام والحوار.

2- البعد عن التعصب للرأي والفكرة المحسوبة مسبقا، فينبغي أثناء الحوار التجرد من التعصب للرأي، وقبول رأي المخالف، وقبول ما عنده من حق.

3- انتقاء الكلمات الطيبة أثناء الحوار.

4- التخلق بأدب الكلام التي سبق ذكرها، من حسن الاستماع، وأدب الإنصات، وتجنب المقاطعة.

5- احترام المحُاوَر وتقديره، فإن لم يكن هناك هذا الخُلق من التقدير والاحترام فلن يأتي الحوار بخير.

6- حصر المناظرات في مكان محدود.

7- الاتفاق على أصلٍ يُرجع إليه، إذا وُجد الخلاف واحتدم النقاش، وذلك كالاتفاق على الرجوع عند الاختلاف إلى القرآن الكريم، وإلى صحيح السنة، أو أقوال العلماء وهكذا.

8- ينبغي أن يكون الحوار مبنيًّا على العلم، ويتحلى كل من المتحاورين بقدر منه؛ حتى لا يتحول إلى جدال وضياع أوقات.

9- التواضع: فالتواضع أثناء المناقشة مما ينجح الحوار، والتعالي وتزكية النفس مما يعيقه ويفسده.

10- ينبغي للمحاور أن يكون صاحب حجة وبيان وحكمة، وطيب كلام، وعفة لسان.

11- الرجوع عن القول إن ظهر أن الحق خلافه.

12- تجنب السخرية والتسفيه للرأي المخالف، فالسخرية أثناء الحوار تفقده الجدية وتضيع الهيبة وتفسد الحوار.

13- قبول الحق والانصياع له وإن كان من خصمك، فثمرة التحاور الوصول للحق.

     هذه بعض آداب المتحاورين عموماً، واليوم يجري في بلادنا الحديث عن الحوار الوطني بين فئات المجتمع اليمني وهو المخرج الصحيح بإذن الله تعالى لتجاوز ما أَلَمَّ ببلادنا من أحداث مؤلمة، ومواقف جسيمة، كادت أن تعصف بالبلاد، وتدخله في حروب تقضي على الأخضر واليابس.

     ولكي يكون الحوار ناجحاً لا بد أن تكون الشريعة الإسلامية هي القاعدة والمرجعية الوحيدة، فدونها يدخل المتحاورون في عراك وتجاذب وخلاف شديد؛ ذلك أن المتحاورين ذوو توجهات متعددة الثقافات والانتماءات الفكرية، وأجزم أن الحوار الوطني دون مرجعية شرعية وغياب مشاركة العلماء والمتخصصين الشرعيين، مدعاة لأصحاب الأفكار الأرضية والمشاريع الجهوية للاستحواذ على المشروع الوطني وتسخيره لمصالح وجهة غير وطنية، ودخول البلاد في نفق مظلم، وبخلاف لا أول له ولا آخر، ولاسيما أن الشعب اليمني بعد الربيع العربي قد صحا من غفلته وعرف حقوقه ومطالبه، وكيف ينتزع الحق من غاصبه.

     والذي نخشاه من غياب العلماء والوطنيين ورجال القبائل وغيرهم من القوى الفاعلة في الوطن، تقسيم البلد وتجزئته على أسس طائفية ومناطقية وجهوية وفئوية.

     ولذا أؤكد على سيادة الشريعة الإسلامية عند الحوار وتطبيق أحكام الشريعة، والحفاظ على وحدة اليمن وأمنه واستقراره، ورفض الوصاية الأجنبية والتدخل في الشؤون الداخلية، واستيعاب كافة أبناء اليمن في الحوار يتقدمهم العلماء الربانيون، والمثقفون الفاهمون، والدعاة الناصحون.

     ولا يمكن أن يتم حوار خارج إطار ديننا، فالشعب اليمني شعب متدين لا يقبل غير الإسلام حاكماً، وأهل اليمن اعتنقوا الإسلام من بداية ظهوره، وشهد لهم النبي صلى الله عليه وسلم بالإيمان والحكمة.

ولا بد من أصول للحوار لكي يخرج المتحاورون بنجاح فيه مصلحة للبلاد والعباد:

- الأصل الأول: أن يراد بالحوار الوصول لحل الخلاف، لا الإصرار على تنفيذ أجندة معدة سلفاً تخدم أطرافا خارجية، وهذه الرغبة يجب أن تكون موجودة عند الطرفين لا أن تكون الغاية مجرد الغلبة والظهور.

- الأصل الثاني: العلم، فلا بد للمحاور أن يكون عالماً بالمسألة التي يريد أن يحاور فيها؛ لأن المتحاورين سيناقشون قضايا مصيرية لليمن منها الدستور وقضايا أخرى سيادية، فلا يجوز للإنسان أن يدخل ساحة الحوار قبل أن يستكمل أدواته العلمية والعقلية.

- الأصل الثالث: أن يكون هناك تكافؤ بين المتحاورين، أي أن يكونا متقاربين في العلم والثقافة، وفي العقل والفهم، وإلا فإن الغلبة ستكون للجاهل، وهنا يبرز السؤال، هل أعضاء اللجنة الفنية للحوار الوطني وأعضاء لجنة الحوار والممثلين للأحزاب والجهات الأخرى تتوافر فيهم هذه الأصول حتى يخرجوا بنتائج مرضية للشعب اليمني؟!

هذا ما نرجوه والله يحفظ البلاد من كل متربص يريد النيل من شريعتنا وبلادنا ووحدتنا.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك